بعد أن كشفت إحدى المواقع العالمية المختصة بالاستخبارات الدفاعية عن تمويل السعودية والإمارات لصفقة تهم أربع طائرات مختصة بالاستخبارات والحرب الإلكترونية، سنحاول كشف سبب التركيز على هذه النوعية من الطائرات والعدد الكبير لها في الصفقة مقارنة مع الدول العربية والأوروبية المجاورة. أولا، نوع الطائرة هو Gulfstream G550 ELINT/ISR، وهي مختصة في نوعين من الاستخبارات الإلكترونية المعروفة اختصارا ب ELIN، وهما SIGINT، أي الاستخبارات الالكترونية التي تعني أنها قادرة على كشف وتعريف وتحديد مواقع الرادارات بمختلف أنواعها، وCOMMINT، أي استخبارات الاتصالات، وهذا يعني أنها قادرة على كشف وتحديد وتتبع الاتصالات مع قدرتها على التنصت على الاتصالات غير المشفرة وضعيفة التشفير. كما تمتلك قدرات كبيرة في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ISR، وذلك عبر حاضن كهروبصري به كاميرات تلفزيونية وحرارية قادر على تتبع هدف صغير على بعد 20 كيلومترا على الأقل، مع تزويدها برادار كشف أرضي SAR قادر على رسم خرائط عالية الدقة وكشف هدف بحجم دبابة من مدى 100 كلم في كافة الظروف الجوية (عواصف رملية، غيوم، أمطار...). هذا في ما يخص الجزء الخاص بالمراقبة والاستخبارات الإلكترونية. أما الجزء الخاص بالحرب الإلكترونية، فبعد جمع المعلومات الضرورية عن الهدف (جهاز اتصالات لا سلكية، رادار...)، يتم استغلال هذه المعلومات في التشويش عليه وإعمائه أو حقن معلومات مزيفة في قناة الاتصال أو إعطاء معلومات وهمية للرادارات، سواء الأرضية الخاصة بالمراقبة أو بأنظمة الدفاع الجوي أو المحمولة جوا كرادارات التحكم في إطلاق النار الموجودة بالمقاتلات أو طائرات الإنذار المبكر. لماذا يريد المغرب هذه القدرات وبأعداد كبيرة؟ السبب الأول هو الجارة الجزائر التي تنوي التعاقد على أربع طائرات MC-27 ISR خاصة بالاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ISR، التي ستمنحها قدرات كبيرة على دول الجوار، خصوصا المغرب، فجاء تسريب الصفقة المغربية كرد على الصفقة الجزائرية. لكن الموضوع أكبر طبعا من مجرد حرب تسريبات أو إعلانات، بل هو يهم بالخصوص الحصول على قدرات حربية متميزة وهي الخاصة بالاستخبارات والمراقبة من أجل التكامل مع أقمار المراقبة التي جرى إطلاق أحدها نهاية السنة الماضية. لكن دعونا نعود إلى سنة 2002 عندما أرسل المغرب وحدة من البحرية الملكية إلى جزيرة ليلى، وقتها اتضح الفرق جليا بين الجيشين المغربي والإسباني، فإسبانيا استعملت قمرا عسكريا مشتركا مع دول أوروبية أخرى خاص بالمراقبة، وكذلك طائرات المراقبة والاستطلاع للتجهيز لعملية إنزال قواتها الخاصة التي ألقت القبض على جنودنا بطريقة سهلة للغاية. وخلال العملية استُعملت طائرات حرب إلكترونية قطعت بها الاتصالات بين الوحدة المغربية والقطع البحرية المغربية وباقي القيادة العسكرية الميدانية بالحسيمة والناظور والمركزية بالرباط، وهنا يأتي دور هذه الطائرات في تأمين مسرح العمليات خلال أي عملية إنزال مظلي أو لقوات خاصة بقطع الاتصالات وتعمية رادارات المراقبة. أما ثاني داعٍ لوجود هذه الطائرات، فهي دول الجوار المغربي. فالجزائر تملك فعلا 8 كتائب دفاع جوي S-300 PMU-2 بعيدة المدى، وإسبانيا تملك بطارية دفاع جوي باتريوت PAC-2 بعيدة المدى أيضا. وهذا يعني تفوقا واضحا وصعوبة كبيرة في تنفيذ هجمات داخل أراضيها، وهنا يأتي دور هذه الطائرة التي يمكنها مرافقة سرب من مقاتلات F-16، وتوفير حماية إلكترونية من الكشف الراداري فيما تقوم طائرات F-16 بعملية إخماد أو تدمير الدفاعات الجوية البعيدة أو المتوسطة المدى، التي شكلت صعوبة كبيرة للقوات الجوية المغربية في حرب الصحراء مع البوليساريو. إن الجيوش حاليا لا تحارب فقط بالأسلحة التي تعتمد على البارود وأنواع الوقود الصلب، بل أصبحت تحارب بالمعلومة، فعند توفرك على معلومات عن العدو، وإخفاء معلوماتك عنه في المقابل، تكون قد قطعت شوطا كبيرة في طريق الانتصار.