رغم مضي حوالي شهر على سقوط نظام القذافي، ورغم اعتراف دول عديدة بالمجلس الانتقالي الليبي، إلا أن الاتحاد الإفريقي مازال يرفض الاعتراف بهذا المجلس، ما يطرح عدة تساؤلات حول تأثير سقوط القذافي على هذا الاتحاد. وحظي المجلس الإنتقالي الليبي، إلى الآن، باعتراف أكثر من 60 دولة عبر العالم، من بينها 20 دولة إفريقية، اعترفت رسميا بهذا المجلس الذي تم تأسيسه في 27 فبراير الماضي بعد بدء الانتفاضة على نظام العقيد الليبي معمر القذافي. بيد أن الاتحاد الإفريقي مازال يرفض الاعتراف بشرعية المجلس ودعا إلى تشكيل "حكومة انتقالية تضم كافة الأطراف في ليبيا". موقف الاتحاد كان متوقعا، إلى حد ما، بالنظر إلى الدور الريادي الذي كانت تلعبه ليبيا داخله بقيادة القذافي والضغوطات و الإغراءات المالية التي كان يمارسها العقيد الليبي على بعض الزعماء الأفارقة. إلا أن مراقبين يتوقعون بأن يعترف الاتحاد بالمجلس الليبي حال انهيار نظام القذافي تماما وسقوط ليبيا كلها في أيدي الثوار. ملك ملوك إفريقيا مازال قويا: يتساءل الكثيرون عن سر إصرار بعض الدول الإفريقية على مساندة القذافي ورفضها الاعتراف بالمجلس الانتقالي،وعن سر هذا النفوذ التي يمتلكه القذافي رغم خروجه من دائرة السلطة حاليا على الأقل داخل ليبيا. لكن الموريتاني ديدي ولد السالك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نواكشوط، يعزو الأمر إلى العلاقات الشخصية التي كانت، ومازالت، تربط بين القذافي و بعض قادة القارة السمراء،و هي علاقات مبنية أساسا على مصالح مادية شخصية كما يقول. ويضيف ولد السالك أن القذافي، ورغم سقوط نظامه، لازال يملك نفوذا.. ويردف قائلا: " القذافي لديه الآن أموال طائلة جدا، فهو يمتلك على الأراضي الليبية عشرات المليارات نقدا، موضوعة في صناديق و أكياس وحاويات، كما يمتلك استثمارات و مليارات الدولارات في أغلبية الدول الإفريقية".. هذه الاستثمارات ،يقول ولد السالك،هي باسم القذافي أو تحت اسم أفراد عائلته ولاتديرها صناديق ليبية رسمية أو حتى الصندوق المركزي الليبي، بل تتم إدارتها مباشرة من طرف مدير ديوانه صالح بشير. وهو ما يعني أن القذافي مازال بإمكانه أن يمارس نوعا من النفوذ على المستوى الإفريقي، ولعل هذا ما يجعل مستقبل العلاقات بين ليبيا ودول الاتحاد الإفريقي غامضا إلى حد ما، فهذه الأخيرة تعيش بين نارين. نارالضغوط الغربية، و بالخصوص الفرنسية والأمريكية سواء على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي، ومن جهة أخرى الإغراءات التي يمارسها القذافي، خاصة أن العقيد الليبي كانت و لازالت تربطه علاقات شخصية جد وثيقة مع بعض القادة الأفارقة. الاتحاد الإفريقي سيعترف بالمجلس الانتقالي حال سيطرته الكاملة على ليبيا وانتهاء القذافي: وإن كان بعض الزعماء الأفارقة يخطبون ود القذافي طمعا في أمواله ووفاء لكرمه "الزائد" معهم، إلا أن هناك دولا تشكل استثناءات في هذا الجانب. ويقول ولد السالك: " الجزائروجنوب إفريقيا لديهما أسباب أخرى لمساندة القذافي. فالأولى تفعل ذلك لأنها على صراع مباشر مع المغرب حول الصحراء، والقذافي كان حليفا لها، كما أنها تسعى لريادة منطقة المغرب العربي، بالإضافة إلى أن نظامها العسكري الأمني لا يريد أي تحول ديمقراطي في المنطقة". أما جنوب إفريقيا فإنها تساند القذافي أولا وفاء لتعاطفه ودعمه تاريخيا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي كان يقوده الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، ثم بسبب العلاقة الشخصية الوثيقة التي تربط العقيد الليبي بالرئيس الجنوب إفريقي الحالي جاكوب زوما. وفيما يخص موقف المجلس الانتقالي من عدم اعتراف الاتحاد الإفريقي به، يعتبر جمعة القماطي، منسق المجلس في بريطانيا، أن مساندة الاتحاد للقذافي ورفضه إدانة عمليات القتل الجماعي والجرائم التي ارتكبها العقيد الليبي "مشكلة سياسية عويصة" يتخبط فيها الاتحاد. ويضيف القماطي قوله إن "ليبيا ليست بحاجة إلى اعتراف الاتحاد الإفريقي بها بقدر حاجة هذا الأخير إلى ترميم صورته السلبية جدا الآن.. ليس فقط لدى الليبيين وإنما لدى العالم بأسره". ويقلل القماطي من قيمة الاعتراف الإفريقي معتبرا أن الاتحاد الإفريقي ليس بوزن الجامعة العربية أو الاتحاد الأوروبي أو منظمة المؤتمر الإسلامي "خاصة عندما يكون هذا الاتحاد غير جاد في دعم حقوق الشعوب في الحرية و الديمقراطية"،حسب تعبيره. أي دور إفريقي لليبيا الجديدة؟: ل "الزعيم" الليبي حكايات وقصص في القارة السمراء تبدأ من حلمه بتشكيل "ولايات متحدة إفريقية"، على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى استثماراته الضخمة فيها، ثم تحالفاته مع بعض قادتها، ودعمه لحركات متمردة في عدد من دولها وصل إلى حد قيامه على مدى عقود بتنظيم حملة تدريبية لأشخاص أصبحوا بعد ذلك أمراء للحرب في كثير من دول أفريقيا، وهو الإرث الذي نقل المنطقة إلى حالة من العجز وعدم الاستقرار اليوم. كل هذا يجعل المراقبين يتنبأون بتغير دور ليبيا الجديدة في الاتحاد الإفريقي وبمستقبل مختلف للعلاقات بين الدول الإفريقية. إذ أن ليبيا ستتحول من كونها دولة كانت، في الماضي القريب، تتحكم في دواليب القرار الإفريقي وتتلاعب بموازين القوى في هذه القارة، إلى مجرد عضو عاد في الاتحاد. ويجمع محللون على أن غياب القذافي سيخفف من حدة التشنج والخلافات الداخلية فيها. هذه الأخيرة لطالما وظفها القذافي لإرضاء "نزوات سياسية معينة" مستغلا الإمكانيات المادية و النفطية لبلاده. وفي معرض حديثه عن الدور المرتقب لليبيا في الاتحاد الإفريقي بعد القذافي يقول القماطي: "ليبيا ستبقى دولة إفريقية لها مصالح واسثمارات في القارة السمراء، ونريد أن نلعب دورا إيجابيا في إفريقيا"، ويضيف: " دور ليبيا سيتغير،القذافي كان يريد أن يهيمن على إفريقيا ويوظفها ويوظف الاتحاد إرضاء لنزواته السياسية والشخصية وحبه للزعامة العالمية، أما نحن فنريد دعم قوى التحرر والتحول الديمقراطي في إفريقيا و محاربة الفساد". وعن نفس النقطة يعلق ولد السالك بالقول إنه من الصعب الآن الحديث عن الدور المرتقب لليبيا في الاتحاد، وعن تأثير سقوط القذافي على دول الاتحاد، لأن ملامح الدولة الجديدة غير واضحة حتى الآن، كما أنها تشهد الكثير من عدم الاستقرار. بيد أنه يقول: " إذا افترضنا أن ليبيا لن تدخل في حرب أهلية، وستشهد الحد الأدنى من الاستقرار، فإن أي سلطة جديدة ستركز على الأوضاع الليبية الداخلية، وهي أوضاع في غاية التعقيد سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي",, وعن طبيعة العلاقات التي ستجمع ليبيا بالدول التي ساندت القذافي يعتقد المحلل الموريتاني أنها ستبني أساسا على المصالح المباشرة لليبيا ولن يكون لمسألة دعمها للقذافي كبير اهتمام رغم أن "الليبيين العاديين يحسون بالكره و الاشمئزاز تجاه أفارقة جنوب الصحراء، لأنهم يحسون بأن الخدمات و البنى التحتية و الأموال التي استنزفت منهم، و حرموا منها، ذهبت إلى هؤلاء". * دويتشه فيله