يبدو أن ما حدث، مؤخرا بشأن القضية الفلسطينية، وما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحواريوه إزاء القدس مهبط الديانات السماوية، ليعكس بشكل فاضح حقيقة فكر الدولة الأمريكية وحلفائها، وما يحمله هذا الفكر من تمثلات سلبية عن العالم الإسلامي الذي أصبح في نظرها بمثابة شوكة عالقة في حلقها، إن لم يكن يقض مضجعها. إن الإعلان المشؤوم عن اعتبار القدس عاصمة الكيان الإسرائيلي لم يكن سوى بداية إعلان الحرب، بالواضح، على الإسلام والمسلمين وإبادتهم، وهي الحالة التي نعيشها هذه الأيام ونراها بأم العين على أرض فلسطين السليبة، من تعذيب وتقتيل من طرف النظام الصهيوني وأتباعهم من بعض الأنظمة العربية لا سامحها الله . إن ما يقترفه اليوم النظام الأمريكي وصنيعه النظام الإسرائيلي الصهيوني في حق الشعوب العربية وبالأخص الشعب الفلسطيني ليبين بالواضح المكشوف ما يكنه هذان النظامان وأذنابهما من بعض الأنظمة العربية من حقد وضغينة تجاه كل عربي ومسلم يعيش على أرضه وفي وطنه، ولعل هذا السلوك الصليبي سيخلق لا محالة شحنة كبيرة من العنف والعنف المضاد يمكن أن تدفع ببعض الحمقى من المتأسلمين والإسلامويين إلى اقتراف عمليات إرهابية بغيضة، لا قدر الله، في حق الأبرياء كيفما كان معتقدهم الديني ،لا يقبلها الله ولا أيا كان من البشرية. فالإسلام ،كدين سلم ومسالمة، شديد الحرص على حماية حياة الإنسان من أي اعتداء، حيث جعل للنفس الإنسانية مكانة محترمة، والله سبحانه وتعالى قد مدح في كتابه الكريم إحياء النفس وذم قتلها : "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "(سورة المائدة الآية 32). يبدو من هذه التداعيات أنه مهما بلغت الدولة الأمريكية وأتباعها من الدول الأوروبية وما يدور في فلكها من المنظمات الحقوقية الصنيعة من تقدم في مناهضة كل ما من شأنه أن يمس بحقوق الإنسان كحرية المعتقد، فإنهم يبقون حاملين لفكر معادي للإسلام والمسلمين، بالرغم من دعوتهم، في شعاراتهم وخطاباتهم التي ظلوا يرددونها منذ أحداث 11شتنبر، إلى الانفتاح على الآخر عبر فتح حوار بين الديانات. ومما يتظاهرون به من غيرة وتنصيب أنفسهم للدفاع عن مهضومي الحقوق في العالم بأسره، و حتى الوقوف إلى جانب من يعتبرون أنفسهم مضطهدين في ممارسة حقهم الذي يتنافى والناموس الكوني (كالمثليين والمتحولين جنسيا)، حيث تضمن لهم تلك المنظمات الاحتضان اللازم. أما الذين يناهضون إسرائيل، فلم يعد لهم موطئ قدم على أرض "الحرية" لأنهم ظالمون جاوزوا المدى، فحق فيهم الاضطهاد والزج بهم في غياهب السجون، .فأين ما تدعيه الدولة الأمريكية وحلفاؤها من الدول الغربية والعربية من ديموقراطية، ظلت تتخذها عنوانا لمرحلتها في هذا العصر؟؟؟ بلى إنه زيف الديموقراطيات، أو لنقل بتعبير أوضح: إنه قناع الديمقراطية الذي يخفي الوجه الحقيقي لأمريكا. فالمرء مهما بلغ من شأو في عالم الديموقراطيات الزائفة، فإن حريته تظل مصادرة إن هو تعدى حدوده وسولت له نفسه المس بالمقدسات كالتطاول على إسرائيل، أو مد يده على مصالحها الذاتية، أنذاك يكون قد ألقى بنفسه إلى التهلكة. فكثير من المشاهير لم يشفع لهم ما راكموه من تجارب طويلة في تاريخهم السياسي أو الأدبي أو الفني أو الإعلامي ..من آراء ومواقف وكتب ومقالات فكرية، فحين وجهت هيلين توماس، مراسلة البيت الأبيض، كلمة تطلب فيها إسرائيل بالانسحاب من فلسطين وأن تترك الأرض لأصحابها لأنها ليست بأرض الميعاد كما يعتقدون، تعرضت لسلسلة من المضايقات كان آخرها الطرد من البيت الأبيض دون أن يحرك أحد ساكنا، من الدول التي تسمي نفسها بالديمقراطية، إن طرد هيلين، التي لم تخش لومة لائم في قول الحق وإزهاق الباطل، قد أظهر مدى زيف ما يسمى بالديموقراطية الأمريكية والغربية. ولم تكن هيلين المرأة الضحية الوحيدة التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي بسبب مواقفها الإنسانية، وإنما نجد أيضا الإعلامي المتميز"جيم كلانسي"الذي قدم استقالته، تحت الإكراه والضغط، من مهامه كصحافي بقناة «سي إن إن» بعدما أدلى برأيه الخاص في قضية «شارلي إيبدو»، وكذلك الكوميدي الفرنسي ديودونيه الذي زج به في السجن بسبب سخريته من الإسرائيليين وبعد إبداء رأيه في أحداث «شارلي إيبدو»، والتي اعتبرت تشجيعا على الإرهاب. أليست هذه أدلة كافية على سقوط قناع الديموقراطيات الزائفة؟ *مفتش تربوي وكاتب