المحافظون يفوزون بانتخابات ألمانيا.. واليمين المتطرف يحل ثانيا بنسبة قياسية    حريق يأتي على سيارة إسعاف وسيدة حامل تنجو بأعجوبة    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تفكيك شبكة للإتجار بالبشر في إسبانيا استغلت أكثر من ألف امرأة    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا تربّع "تليغرام" على عرش تطبيقات التنظيمات الإرهابية بالعالم
نشر في هسبريس يوم 13 - 01 - 2018

سعت التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية إلى التكريس لوجودها بالمنصات المشفرة على شبكة الإنترنت، وفي مقدمتها تطبيق "تليغرام". فقد بات التطبيق يستحوذ على مساحة هامة من أنشطة التنظيمات الإرهابية في خضم الضغوط التي تعرضت لها هذه التنظيمات في أرض الواقع، وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية، حيث اتجه عدد من شركات التكنولوجيا والحكومات إلى التضييق على الأنشطة السيبرانية للتنظيمات الإرهابية.
وقد ارتبط تحول التنظيمات الإرهابية والعناصر المرتبطة بها نحو "تليغرام"، وغيره من المنصات المشفرة، لما يوفره التطبيق من مزايا رئيسية، لعل أهمها قوة التشفير الخاصة بالتطبيق بصورة تجعل المراسلات عليه أكثر أمنًا مقارنة بتطبيقات أخرى، ومن ثمَّ يصعب اختراقه من جانب الأجهزة الأمنية، ناهيك عما يتيحه التطبيق من إمكانية تحديد الجمهور المستهدف بدقة.
لماذا "تليغرام"؟
يعد مفهوم الأمن العملياتي (operational security) مدخلًا جوهريًّا لفهم كيفية تعاطي التنظيمات الإرهابية مع الفضاء الإلكتروني خلال السنوات الماضية، فالأمن العملياتي، وفقًا "لإلين شانج" (Ellen Zhang)، بمثابة عملية لإدارة المخاطر تدفع المنظمة (وهو ما ينطبق على كافة المنظمات بما فيها الإرهابية) إلى تحليل العمليات، واستعراضها من وجهة نظر الخصوم، من أجل حماية المعلومات الهامة، ومنعها من الوقوع في أيدي هؤلاء الخصوم. وهو ما يرتبط بفكرة "التشفير" (encryption) التي تُعد أحد الشواغل الرئيسية للتنظيمات الإرهابية لتجنب انكشافها أمام الأجهزة الأمنية.
ففي السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001، تمكنت أجهزة الاستخبارات الغربية من إحباط بعض الهجمات لتنظيم "القاعدة"، على غرار مؤامرة تفجير طائرة عبر المحيط الأطلسي عام 2006 خلال رحلتها من لندن إلى الولايات المتحدة وكندا. وقد دفع هذا الإخفاق التنظيمي "القاعدة" إلى التحرك بوتيرة متسارعة نحو الاتصالات والبرامج المشفرة، ولهذا أصدر التنظيم برنامجًا في عام 2007 باسم "أسرار المجاهدين" كبرنامج تشفيري يمكن استخدامه في التواصل الآمن بين عناصر التنظيم.
واكتسبت المنصات المشفرة زخمًا متزايدًا مع بزوغ "داعش"، وإعلان التنظيم عن دولته المزعومة، فالتنظيم نظر إلى الفضاء الإلكتروني باعتباره أداة في الصراع مع القوى الأخرى، ولعل هذا ما يفسر اهتمام التنظيم بنشر أفكاره على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب عناصر جديدة للتنظيم، فضلًا عن نشر الخوف في صفوف المجتمعات. وأثناء البدايات الأولى للتنظيم كانت عناصر التنظيم تفضل عددًا من شبكات التواصل، وفي مقدمتها تويتر، ولكن بمرور الوقت تعرض تواجد التنظيم على هذه الشبكات لعدة إشكاليات على خلفية إغلاق حسابات تابعة لعناصر التنظيم.
وأدت هذه الإشكاليات إلى تحول "داعش" إلى الاعتماد المتنامي على تطبيق "تليغرام"، نظرًا لما يمتلكه التطبيق من معدلات حماية هائلة قد لا تتوافر في تطبيقات أخرى، فقد شجع التنظيم أتباعه على "تويتر" ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى على التواصل مع منسقي "داعش" ومجنديها على "تليغرام" لمناقشة "مسائل حساسة"، مثل السفر إلى الأراضي التي يسيطر عليها "داعش"، وأنشأ "داعش" أيضًا قنوات عامة على "تليغرام" لبث تحديثات إخبارية عن أنشطته، ونشر مواد دعائية أخرى من خلال وكالات الأنباء التابعة له.
ويتسم هذا التطبيق، الذي أُطلق في عام 2013 بخاصية تشفير الرسائل من النهاية إلى النهاية (end-to-end encrypted messaging apps)، والتي تمنع أي شخص -باستثناء المرسل والمتلقي- من الوصول إلى الرسائل المتبادلة، وتعتمد تقنية التشفير الخاصة بالتطبيق على هواتف المستخدمين، وليس عبر خادم وسيط، وهو ما يفرض صعوبات على إمكانية التجسس على محادثات المستخدمين.
ويوفر التطبيق وسيطًا آمنًا للتنظيمات الإرهابية لمشاركة وتحميل الملفات الكبيرة مباشرة عن طريق التطبيق دون الاضطرار إلى فتح وصلات خارجية، علاوة على احتواء التطبيق على خاصية التدمير الذاتي للرسائل؛ حيث يُمكن للمستخدم، قبل أن يرسل الرسالة، تحديد مدة مؤقت التدمير الذاتي، وهو ما يعني أنه بعد مدة محددة من قراءة الرسالة فإنها تختفي تلقائيًّا وبشكل دائم من كلا الجهازين، وهكذا فإن الأجهزة الأمنية، حتى في حالة حصولها على أجهزة التواصل الخاصة بالعناصر الإرهابية، لن تتمكن من الوصول إلى أدلة يُعتد بها، لأنها ستكون قد اختفت بالفعل من الأجهزة.
تطبيقات متعددة:
تحول "تليغرام" إلى التطبيق المفضل للإرهابيين خلال السنوات الأخيرة؛ حيث ظهرت بصمات التطبيق في العديد من الهجمات الإرهابية التي شهدتها دول مختلفة، على غرار هجمات باريس 2015، وهجوم سوق عيد الميلاد في برلين 2016، وكذلك هجوم ليلة رأس السنة الجديدة 2017 على ملهى "رينا الليلي" في إسطنبول. وتنوعت توظيفات تطبيق "تليغرام" في هذه الهجمات وغيرها، وبدا خلالها أن التطبيق يتداخل في مراحل استقطاب وتجنيد العناصر الجديدة وتنفيذ الهجمات الإرهابية. وبوجه عام تتمثل أهم التوظيفات الإرهابية لتطبيق "تليغرام" فيما يلي:
1- غارات التواصل الاجتماعي social media raids: حيث يشير "نيكو بروشا" (Nico Prucha)، في دراسته عن علاقة "داعش" بالفضاء الإلكتروني IS and the Jihadist Information Highway، إلى أن تطبيق "تليغرام" أضحى يمثل منصة لتنسيق وحشد غارات (هجمات) التواصل الاجتماعي لتنظيم "داعش"، وذلك عبر نشر الأخبار عن التنظيم وهجماته على "تليغرام"، وتحويلها إلى وسوم وتغريدات يتم تناقلها سريعًا داخل وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مثل "فيسبوك" و"تويتر".
وقد ظهر هذا النمط من التوظيف، على سبيل المثال، في هجمات بروكسل مارس 2016 حينما قام ناشطو الإعلام ب"داعش" على "تليغرام" بإعداد تغريدات باللغة الفرنسية مصحوبة بوسوم hashtags بالتزامن مع الهجمات، وذلك للحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم والتأييد للتنظيم.
2- التخطيط للعمليات الإرهابية: فتطبيق "تليغرام" يتداخل في مرحلة ما قبل الهجوم الإرهابي (pre attack phase) باعتبارها أداة للتواصل بين العناصر الإرهابية للإعداد والتخطيط للعمليات الإرهابية. وفي هذا الإطار، أشارت بعض المصادر الأمنية الفرنسية إلى أن عناصر "داعش" الذين نفذوا هجمات باريس 2015 اعتمدوا بدرجة ما على تطبيقي "تليغرام" و"واتساب" في التنسيق والتخطيط للهجمات. كما ذكرت أجهزة الأمن الروسية أن العناصر الإرهابية قد استخدمت "تليغرام" في التخطيط لهجوم سان بطرسبرج الإرهابي في إبريل 2017.
3- صناعة الصورة: ففي مرحلة ما بعد الهجوم (post attack phase) تبدو ثمة حاجة ملحة للدعاية للهجوم، والاحتفاء بمنفذيه، فالهدف من الاحتفاء بالهجوم توصيل رسالة التنظيم الإرهابي، وتعزيز أسهم التنظيم في المنظومة الإرهابية وقدرته التنافسية في مقابل التنظيمات الأخرى، أو بمعنى آخر الترويج "للعلامة التجارية" Brand للتنظيم، وإحداث إرباك في الدولة عبر نشر الخوف في المجتمع. ولذا يفترض "بريان جنكينز" أن "الإرهابيين يريدون الكثير من المشاهدين، والكثير من المستمعين، وليس الكثير من القتلى".
وتستخدم وكالة "أعماق" التابعة ل"داعش" التطبيق للاحتفاء بالهجمات الإرهابية. ففي مارس 2017، على سبيل المثال، استخدم تنظيم "داعش" "تليغرام" لإعلان مسئوليته عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في لندن في الشهر ذاته. وفي مايو 2017، أعلن "داعش" مجددًا عن طريق "تليغرام" مسئوليته عن الهجوم الذي وقع في مانشستر أرينا ببريطانيا، كما قدمت قنوات التنظيم على "تليغرام" محتوى تحليليًّا للعمليات الإرهابية، في إطار الاحتفاء بقدرات التنظيم.
4- دعم "الذئاب المنفردة": ساهمت شبكة الإنترنت في التأسيس لنوع من الشراكة الافتراضية (virtual partnership)، حيث تلجأ العناصر الراديكالية التي تستقي أفكارها وتوجهاتها من التنظيم الإرهابي إلى استخدام شبكة الإنترنت للاطلاع على المواد الفكرية والتسجيلات الصوتية والفيديوهات الخاصة بالتنظيم والمنتشرة على شبكة الإنترنت، وعبر هذا المسار ينشأ نموذج من التحالف الأيديولوجي الافتراضي دون أن تكون هناك أي صلات رسمية في الواقع. ومن هذا المنطلق تزايد ظهور نمط "الذئاب المنفردة" في تنفيذ العمليات الإرهابية.
ويشكل تطبيق "تليغرام" أحد المنصات الداعمة للذئاب المنفردة، ولا سيما في المجتمعات الغربية، ولعل النماذج على ذلك قناة "أسرار المجاهدين" على "تليغرام" التي كانت تستهدف، قبل إغلاقها في مايو 2016، تقديم الإرشادات والتدريب العسكري للذئاب المنفردة. ومن ضمن الموضوعات التي اهتمت بها القناة، وظيفة جمع المعلومات من الفضاء السيبراني عن مواقع تخزين الأسلحة الكيميائية، من أجل إعداد البنية التحتية للقرصنة لسرقة الأسلحة الكيميائية لاستخدامها في الهجمات الإرهابية. وبالإضافة إلى ذلك، نشرت القناة أدلة عن كيفية تصنيع متفجرات من المواد الموجودة في المنزل.
وفي يوليو 2017، دعت قناة أخرى على "تليغرام"، تسمى "المجاهد الوحيد"، إلى تنفيذ هجوم إرهابي في ويمبلدون على غرار الهجوم الذي وقع في مانشستر أرينا، وتضمنت هذه الدعوة نشر خريطة فعاليات بطولة ويمبلدون التي أُقيمت في يوليو 2017،كما قامت القناة بإعداد وسوم من قبيل "ويمبلدون" #Wimbledon، و"استنساخ مانشتسر أرينا" (copycat_ManchesterArena#).
5- التمويل والموارد البشرية: إذ اضطلع تطبيق "تليغرام"، مثله مثل غيره من التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، بدور في الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية، سواء كانت "داعش" عبر مؤسساتها الإعلامية وظهورها على "تليغرام"، أو "القاعدة" التي تمتلك حضورًا أيضًا على "تليغرام"، ظهر على سبيل المثال عبر نشر حلقات من سلسلة "إن الدين عند الله الإسلام" والتي كانت بمثابة دعاية لأفكار التنظيم.
هذا النمط من الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية استهدف بشكل أساسي استقطاب عناصر جديدة، والحصول على المزيد من التمويل، حيث يشير تقرير صادر عن مشروع مكافحة التطرف counter extremism project)) في ديسمبر 2017 إلى أن المجموعات الإرهابية "تستخدم تطبيق "تليغرام" المشفر لتجنيد أعضاء جدد، وجمع التبرعات، والتحريض على العنف، وتنسيق النشاط الإرهابي، وتطوير العلامة التجارية للتنظيم ونشر الدعاية".
تحديات أمنية:
أدى توظيف التنظيمات الإرهابية للتطبيقات المشفرة إلى ضغط الدول على مصنعي هذه التطبيقات من أجل التعاون معها لفك تشفير هذه التطبيقات لتتبع العناصر الإرهابية، وفي الوقت ذاته اتجهت بعض الدول إلى حجب هذه التطبيقات. فإندونيسيا، على سبيل المثال، أعلنت في شهر يوليو 2017 حجب تطبيق "تليغرام"، وأرجعت ذلك إلى تخوفها من استخدامه لنشر "دعاية إرهابية متطرفة" داخل الدولة.
وبالرغم من هذه المحاولات الأمنية للتعامل مع تهديد "التليغرام"، فإن ثمة تحديات رئيسية تواجه الدول في هذا السياق قد تعقد وتعرقل من إمكانية مواجهة التنظيمات الإرهابية في الفضاء الإلكتروني والمنصات المشفرة، وتتبلور هذه التحديات في بُعدين جوهريين:
1- الابتكار الإرهابي: حيث تفترض "مارثا كرينشاو"( Martha Crenshaw) أن الابتكار يكون بمثابة آلية لحل المشكلات ومواجهة الإخفاقات التي يتعرض لها التنظيم الإرهابي. ومن ثم، فإن الضغط على التنظيمات الإرهابية على "تليغرام" والمنصات المشفرة الأخرى قد يدفعها إلى تطوير آليات جديدة، وصناعة برامج مشفرة خاصة بها على غرار برنامج "أسرار المجاهدين" الذي أصدره تنظيم "القاعدة" عام 2007، كما أن ثمة تقارير تتحدث عن امتلاك "داعش" برامج تشفير خاصة به، وتمتلك التنظيمات الإرهابية أيضًا خيار اللغة المشفرة، وإخفاء المعلومات Steganography لتضليل الأجهزة الأمنية.
وتكشف الهجمات الإرهابية التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية عن مستوى متطور من الابتكار الإرهابي فيما يتعلق بالأمن التشغيلي، لا سيما مع اعتماد العناصر الإرهابية على الهواتف المشفرة بالكامل، لا سيما أجهزة الآي فون، ناهيك عن استخدام الهواتف لفترة قصيرة جدًّا لا تتيح للأجهزة الأمنية رصدها، أو ما تطلق عليه الأدبيات "الهاتف المشتعل" burner phone، وقد ظهر هذا في هجمات باريس الإرهابية، حيث لجأ منفذو الهجمات إلى استخدام هواتف جديدة لفترة قصيرة قبل الهجمات، وحينما فتشت الأجهزة الأمنية أماكن إقامة بعض المتورطين في الهجمات وجدت هواتف جديدة غير مستعملة.
2- هاجس الأمن الفردي: صحيح أن "تليغرام" أبدى قدرًا من التعاون مع الحكومات الغربية عبر إغلاق عدد من القنوات التابعة لتنظيم "داعش"، بيد أن التطبيق لا يرغب في أن يذهب أبعد من ذلك، والاستجابة لضغوط الأجهزة الأمنية بتسريب معلومات عن الحسابات الشخصية للمستخدمين وتوفير أبواب خلفية (back doors) في التطبيق لوكالات الاستخبارات للوصول إلى الرسائل المشفرة.
ويعتقد "بافيل دوروف"، مؤسس تطبيق "تليغرام"، أن فكرة الأمن الفردي للمستخدمين أهم بكثير من فك تشفير التطبيق، حيث أوضح في مقابلة له مع شبكة "سي إن إن" في سبتمبر "أن توفير مثل هذا النوع من وسائل التواصل الخاص للذين لا تمت لهم صلة بالإرهاب وهم حوالي 99,99% من المستخدمين يعد أكثر أهمية من التهديد الذي يمكننا أن نراه من الجانب الآخر".
وتحظى قيمة الأمن وسرية المعلومات الشخصية بأهمية مركزية لدى المجتمعات الغربية، وبالتالي فإن السماح باختراق المنصات المشفرة، وخلق نقاط ضعف في الفضاء الإلكتروني المستخدم من قبل ملايين الأفراد العاديين، يرجح أن يُعرِّض المجتمع الأوسع لمخاطر أمنية متزايدة لن تقتصر فقط على التهديدات الإرهابية. وفي هذا الصدد، يعتقد "آرون برانتلي" (Aaron Brantly)، في دراسة له عن مخاطر منع التشفير banning encryption to stop terrorists، أن القضاء على فكرة المرسلات المشفرة سيُفضي إلى تهديد أمني للمجتمعات الغربية، كما أنه سيحمل تكاليف باهظة على المدى الطويل للشركات الأمريكية لأن الأفراد حينها سيبتعدون عن منتجات هذه الشركات لأنها لم تحترم خصوصياتهم.
خلاصة القول، فإن الضغوط التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد الهزائم التي لحقت ب"داعش" في سوريا والعراق، ستدفع العناصر الإرهابية نحو الانزواء في الفضاء الإلكتروني، والنشاط داخل المنصات المشفرة، والبحث عن مسارات مغايرة داخل هذا الفضاء بما في ذلك الويب المظلم dark web للتواصل فيما بينها، وإيجاد قنوات لتمويل الأنشطة الإرهابية تعتمد بشكل أو بآخر على العملات الرقمية مثل البيتكوين، كمحاولة للتكيف مع واقع ما بعد "داعش".
*مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.