معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    عدم صرف الدعم الاجتماعي للأسر يثير تساؤلات مع حلول عيد الفطر    المعارضة بجماعة الجديدة تطالب بإدراج نقاط تتعلق بوضعية النظافة والصحة والثقافة في دورة ماي 2025    إحباط محاولة تهريب أكثر من 2000 قطعة من المواد المتفجرة إلى المغرب عبر ميناء طريفة    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    الوداد يتأهل إلى ثمن كأس العرش    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    الساسي يُقيم مشروع المسطرة الجنائية    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بطنجة تُعلن عن أماكن إقامة صلاة عيد الفطر لعام 1446    وفاة شاب في أصيلة في ظروف مؤلمة.. والمعطيات الأولية تشير إلى اضطرابات نفسية    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    التحريض على الهجرة السرية ونشر أخبار زائفة يقودان شابًا إلى الاعتقال بتطوان    الأمن يوقف شابا بتطوان    حلويات "الفرّانْ" تتراجع بشفشاون    الطالبي العلمي: معطيات الوزير بركة عن استيراد الأغنام "غير صحيحة"    الأمم المتحدة: مقتل 830 فلسطينيا في غزة خلال 8 أيام بينهم 496 امرأة وطفلا    لتمويل مشاريع المونديال.. المغرب يعود لسوق السندات الأوروبية لاقتراض أزيد من ملياري أورو    تحويلات مغاربة الخارج تتجاوز 17.8 مليار درهم وتراجع طفيف في الاستثمارات بالخارج مقابل ارتفاع قوي في تدفقات الاستثمارات الأجنبية بالمغرب    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    محكمة الاستئناف ببرشلونة تبرئ اللاعب ألفيس من تهمة الاعتداء الجنسي    مدينة طنجة ضمن أفضل 10 وجهات سياحية عالمية لعام 2025 وفق مجلة ألمانية مرموقة    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    تألق ليلة القدر في رمضانيات طنجة الكبرى: روحانية، تراث وتكريم لذوي الهمم    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    المشاورات غير الرسمية لمجلس السلم والأمن الإفريقي: البلدان التي تمر بانتقال سياسي تشيد بريادة المغرب وحنكته الدبلوماسية    استطلاع رأي يكشف مخاوف الفرنسيين: الجزائر تشكل تهديدًا جديًا لأمن فرنسا    رفع الإيقاف عن مهدي بنعطية    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    144 قتيلا جراء الزلزال في ميانمار    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم قطاع التواصل    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    تاونات.. موسم فلاحي واعد بفضل التساقطات المطرية الأخيرة    مستقبل الدولي المغربي سفيان أمرابط بات على المحك … !    عون يبرئ حزب الله من إطلاق النار    دنيا بوطازوت تنسحب من تقديم "لالة العروسة" بعد أربع سنوات من النجاح    بورقية وبوعياش وبلكوش .. الديوان الملكي يعلن عن تعيينات جديدة    تفاصيل تزويد المغرب ب 18 قطارًا    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    الأردن وزواج بغير مأذون    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسار الهوية الأمازيغية بالجزائر .. مواثيق دستورية وحدود جغرافية
نشر في هسبريس يوم 12 - 01 - 2018

يؤرخ البعض لانطلاق المطالبة من أجل الاعتراف بالهوية الأمازيغية الجزائرية بمظاهرات أبريل 1980، المعروفة في بعض الأدبيات ب"الربيع الأمازيغي" أو «printemps berbère». والواقع يِؤكد أن تلك المظاهرات الصاخبة التي خلفت 32 قتيلا ومئات الجرحى والموقوفين، حسب مصادر مختلفة، كانت بمثابة تعبير عن إهمال السلطات لمطالب الأمازيغيين الثقافية والهوياتية. وبخاصة في منطقة القبائل شرق العاصمة الجزائر. والمنطقة كانت معروفة قبل الاستقلال بنضالاتها السياسية والثقافية:
ففي ميدان النضال السياسي كان هناك إلى جانب "حزب الشعب الجزائري"، وهو الحزب الأكبر في الجزائر قبل استقلالها، "حزب الشعب القبائلي". كما تكون في صبيحة الاستقلال أول حزب معارض، وهو "حزب القوى الاشتراكية" بقيادة أمازيغية. ومعروف كذلك أن منطقة القبائل خرجت قبل غيرها إلى إعلان الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي في القرن العشرين سنة 1945، قبل أن ينظم محاربوها إلى جيش التحرير الجزائري عقب اندلاع حرب التحرير الوطنية سنة 1954.
ويعتقد كثير من السكان الأمازيغ في الجزائر أنهم نالوا جزاء سنمار. فقد قتل أحد كبار منظري حرب التحرير في أواخر سنة 1957 من قبل قيادة جبهة التحرير. ويقال إن مقتل الكولونيل عميروش، أحد كبار قادة حرب التحرير، وهو أمازيغي، من قبل الجيش الفرنسي كان بإرشاد ومساعدة الكولونيل هواري بومدين. لكن ما هو مؤكد هو أن رفاة عميروش سجنها بومدين في مقر الدرك الجزائري، إلى أن أطلق خليفة بومدين الشاذلي بن جديد سراحها في الثمانينيات من القرن الماضي.
هذه بعض الجوانب السياسية التي قادت إلى مرحلة الربيع الأمازيغي. أما الجوانب الثقافية فيمكن إجمالها فيما يلي:
كان في جامعة الجزائر قبل الاستقلال كرسي الأمازيغية يشرف عليه المفكر الجزائري مولود معمري، وألغي بعد الاستقلال ورحل إلى فرنسا، ولم يكن بإمكان معمري أن يحاضر في الجزائر إلا بعد سنوات من مظاهرات الربيع الأمازيغي، وهو يعد مرجعا أساسيا لكل المناضلين من أجل هوية جزائرية لا تهمش الأمازيغ.
كما يعد الأديب القبائلي مولود فرعون، والأديب كاتب ياسين، المتحدر من أمازيغ الشاوية بشرق الجزائر، والشاعر الأمازيغي الكبير سي محند أومحند المعروف ب"أمقران نشعراء"، (كبير الشعراء)، والفنان أيت منقلات، وإيدير، وغيرهم كثير وكثير من أهم رموز الدفاع عن الهوية الثقافية الأمازيغية في الجزائر. فماذا كان موقف المواثيق الجزائرية الأساسية من موضوع الهوية؟
المواثيق الجزائرية الرسمية والهوية
يشير البعض إلى ميثاق طرابلس (ليبيا)، لشهر مارس 1962، كأول ميثاق للجزائر وهي على مرحلة قصيرة من استقلالها في 5 يوليو 1962، لكن الناظر في فقرات ذلك الميثاق، يدرك أنه لم ير النور، لأنه لم يحظ بأي شكل من أشكال التوافق بين المجتمعين في طرابلس، بسبب الخصام الشديد بين أنصار دولة الجزائر المدنية بقيادة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وبين المناصرين لجيش الحدود في كل من الحدود المغربية والحدود التونسية في توجهاته السياسية، برئاسة رئيس الأركان هواري بومدين. ثم أن ما وصل من فقرات ذلك الميثاق لم تشر أي فقرة منه إلى مسألة الهوية، لأن الاهتمام كان منصبا على كيفية الانتقال من الوضعية الاستعمارية إلى تأسيس دولة الاستقلال.
وجاء دستور سنة 1963، وهو أول دستور بعد استرجاع الجزائر استقلالها، فكيف حدد هوية الجزائر؟
نصت المادة الأولى على "أن الإسلام واللغة العربية قد كانا ولا يزال كل منهما قوة فعالة في الصمود ضد المحاولة التي قام بها النظام الاستعماري لتجريد الجزائريين من شخصيتهم. (هويتهم). فيتعين على الجزائر التأكيد بأن اللغة العربية هي اللغة القومية الرسمية لها، وأنها تستمد طاقتها الروحية الأساسية من دين الإسلام".
ونصت المادة 2 من هذا الدستور على أن الجزائر "جزء لا يتجزأ من المغرب العربي والعالم العربي وإفريقيا.
وكررت المادة 5 أن "اللغة العربية هي اللغة القومية والرسمية للدولة.
ولم يضف ميثاق الجزائر لسنة 1964 شيئا إلى ما ذكر في الدستور، ولخص الهوية في العبارة التالية: (L'Algérie est un pays arabo-musulman). أي أن الجزائر بلد عربي – إسلامي.
أما دستور 1976 فقد اعتنى بالهوية السياسية للجزائر أكثر من اهتمامه بالهوية الثقافية. حيث ذهب إلى اعتبار تبني الجزائر للهوية الاشتراكية هو أكثر تعبيرا عن جوهر الإسلام في الجزائر، بقوله: "إنّ بناء الاشتراكية يتماشى مع ازدهار القيم الاسلامية التي تشكّل أحد العناصر الأساسية المكوّنة لشخصية الشعب الجزائري".
غير أن الميثاق الوطني الجزائري لسنة 1976 لم يحصر نصوصه في رسم الهوية السياسية للجزائر فقط، بل اهتم أيضا بهوية المقاومة للجزائر عبر التاريخ. وتكوّن الدولة الجزائرية. فبعد أن مجد المقاومة الأمازيغية للاستعمار الروماني، تناول مفهوم الدولة - الأمة الجزائرية ليؤكد " ليست الجزائر كيانا حديث النشأة. فمنذ أيّام ماسينيسا المؤسّس الأوّل للدولة النوميدية. ويوغرطا رائد المقاومة ضد السيطرة الرومانية. أخذ الإطار الجغرافي يتحدّد في معالمه الكبرى. وبدأ الطابع الوطني يبرز ويتأكد باستمرار خلال التطور الذي شهدته الجزائر في حقبة من التاريخ تزيد على عشرين قرنا".
وبعد أن يحدد هذا الميثاق الزمن التاريخي للجزائر الذي يبدأ منذ 20 قرنا يحدد موضوع الهوية كما يلي: إنّ الجزائر أمّة. والأمة ليست تجميعا لشعوب شتّى أو خليطا من أعراق متنافرة." ثم يضيف "إنّ الأمة هي الشعب نفسه باعتباره كيانا تاريخيا يقوم في حياته اليومية وداخل إطار إقليمي محدّد بعمل واع ينجز فيه جميع مواطنيه مهامّ مشتركة من أجل مصير متضامن ويتقاسمون سويّا نفس المحن والآمال".
غير أن مع أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر، وظهور مؤشرات حقيقية على انهيار المعسكر الاشتراكي – الشيوعي، وسقوط جدار برلين 1989، جاء دستور 1989 ليمهد الطريق لتجاوز الاشتراكية، فنص في التمهيد على "أن الجزائر أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربية".
ونسجل هنا أن الإصرار على أن الجزائر "أرض عربية" كان بعد أحداث الربيع الأمازيغي ب9 سنوات. وأكدت المادة 2 من الفصل الأول أن "الإسلام دين الدولة" كما قررت المادة 3 من الفصل نفسه أن "اللغة العربية هي اللغة الوطنية الرسمية". ولم تضف نسخة 1996 شيئا إلى النسخ السابقة، لا في الديباجة ولا في الفصول والمواد المتعلقة بموضوع الهوية.
وكان لا بد من انتظار النسخة القادمة. ولم يكن هذا الانتظار بدون نتيجة. فأول شيء يلفت الانتباه في دستور 2016، هو لجوؤه الصريح في الديباجة إلى تعويض عبارة "الشخصية الجزائرية"، أو الوطنية، التي أشارت إليها النسخ الدستورية السابقة، بعبارة "الهوية". فقد جاء في الديباجة لأول مرة في متن دستور جزائري إن "المكوّنات الأساسيّة لهوّيّتها، (الجزائر) هي الإسلام والعروبة والأمازيغيّة، ‬التي ‬تعمل الدولة دوما لترقية وتطوير كل واحدة منها".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ونصت المادة 3 على أن " ‬اللّغة العربيّة هي اللّغة الوطنيّة والرّسميّة. تظل العربيّة اللّغة الرسميّة للدّولة.‬ لكن المادة 4 نصت من جانبها على أن " ‬تمازيغت هي ‬كذلك لغة وطنيّة ورسميّة.‬"تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللّسانيّة المستعملة عبر التراب الوطني."‬قبل أن يستدرك القول: "تُحدّد كيفيّات تطبيق هذه المادّة بموجب قانون عضوي".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وما يجب التذكير به في هذا المقام، هو أن اعتراف الدستور الجزائري الجديد بالهوية الأمازيغية إلى جانب الهوية العربية والإسلام لم يأت من فراغ، ولم يكن هدية ممنوحة، بل كان نتيجة نضالات أثنيات أمازيغية، قبل وبعد وصول الرياح الجديدة للهوية الحداثية إلى الجزائر، التي تعززت أكثر بوتيرة متسارعة، منذ ما يعرف ب"الربيع الأمازيغي" ، المشار إليه أعلاه. وفي الإطار نفسه تم تأسيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، عقب السماح بالتعدد الحزبي، سنة 1990.
وآخر خطوة اتخذتها الدولة الجزائرية لصالح العناصر المكونة لهويتها، قبل موفى سنة 2017، هي: ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية في 12 من شهر يناير من كل عام، كعيد وطني.
*أستاذ فلسفة التاريخ ودبلوماسي سابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.