على غير عادته، خرج المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكي عن النسق الحكومي؛ إذ أرخت الغضبة الملكية التي طالت بالإعفاء العقابي وزيرين من قيادته بظلالها على اجتماعه أول أمس الأربعاء، الذي خصص أشغاله لتوجيه "نصائح" إلى حكومة العثماني حول التعاطي مع الاحتجاجات الاجتماعية، ودفاعه عن مجانية التعليم. وتحول خطاب قادة الحزب اليساري، الذي ما زال يحتفظ بمنصب يتيم في الحكومة (شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة بالماء)، بعد إعفاء أمينه العام، محمد نبيل بنعبد الله، من وزارة السكنى، إلى جانب رفيقه في الحزب الحسين الوردي، الذي أعفي من وزارة الصحة، (تحول خطابه) من الرسمي الداعم للحكومة إلى خطاب موجه إلى من وصفها ب"جماهيرنا الشعبية"، معلنا على غير عادته عن "تضامنه" مع الاحتجاجات الاجتماعية بمدينة جرادة ومع "الساكنة في حركتها المطلبية السلمية". الإشارة الأخرى التي بعث بها ال"PPS" إلى الحكومة، التي تعرف تعثرا في تعويض الوزراء المغضوب عليهم وما أثير حول هذا التعثر من شائعات تفيد بالتوجه صوب غض الطرف عن مقترحات من الحزب، تهم كشفه ما وفصه "انخراط هيئات ومناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية بمدينة جرادة في هذا الحراك الاجتماعي السلمي"، داعيا الحكومة إلى الاستجابة لمطالب ساكنة المنطقة. وفيما يشبه نصائح من "رفاق الأمس" في الحكومة إلى سعد الدين العثماني، طرح المكتب السياسي للحزب على الأخير "اعتماد خطة وبرامج تنموية شبيهة بما عرفته أقاليم ومدن أخرى"، تمكّن، وفق البلاغ الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، "من توفير الشغل وتدارك الخصاص الاجتماعي والاقتصادي الملحوظ في المنطقة، وتتيح توفير دخل مقبول لكافة الأسر وضمان شروط العيش الكريم لأوسع فئات المواطنات والمواطنين". واستمر الحزب اليساري في تقطير الشمع على حكومة سعد الدين العثماني بدعوتها "ومختلف السلطات والجهات العمومية المعنية للتعاطي الإيجابي مع هذا الوضع من خلال نهج الحوار والإنصات للمطالب المعبر عنها"، و"السعي إلى الاستجابة للقضايا المستعجلة، بما يمكن من نزع فتيل هذا التوتر الاجتماعي في أقرب الأوقات، وبما يسهم في توفير الشروط الكفيلة بخلق انطلاقة اقتصادية محلية وجهوية". ولم يكتف حزب نبيل بنعبد الله ب"حراك جرادة"، بل توقف عند "الحركات المطلبية الاجتماعية الأخرى في بعض مناطق البلاد"، التي وجه إثرها "دعوته القوية من أجل الانكباب الجدي والسريع على تجاوز أزمة النموذج التنموي الذي اعتمدته بلادنا لعقود وما أبان عنه من محدودية واختلالات"، مشيرا إلى أن في مقدمتها "التفاوتات المجالية والاجتماعية الصارخة، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والتنموية لجماهير شعبنا في المدن وأحيائها الهامشية، وفي الأرياف وفي المناطق الجبلية والنائية". انتقاد المكتب السياسي لل"PPS" للنموذج التنموي دفعه إلى حثّ الحكومة على "معالجته بشكل متفاعل مع فتح آفاق جديدة أمام نموذجنا الديمقراطي عبر تجاوز اختلالات ممارستنا السياسية وحقلنا الحزبي والمؤسساتي، وبما يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم لأوسع فئات جماهير شعبنا في مختلف مناطق البلاد"، وفق تعبيره. "نصائح" الحزب للحكومة لم تقف عند هذا الحد، بل همت أيضا ب"ضرورة إعمال مقاربة تنموية خاصة لمواجهة مظاهر الخصاص وتجاوز وضعية التهميش والإجحاف التي تعرفها المناطق الحدودية بمختلف جهات البلاد"، لينتقل إلى التعقيب على جدل إلغاء "مجانية التعليم"، عبر مشروع القانون إطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، مشددا على أن "إيجاد الحلول الملائمة لمسألة تمويل منظومة التعليم، لا يمكن أن يتم إلا في احترام تام لمبادئ أساس، تتمثل في ضرورة التقيد بمبدأ مجانية التعليم كحق أساس لجماهير شعبنا المستضعفة"، وفق تعبير البلاغ. وعلاقة بالجدل الذي أثير حول موقع "التقدم والاشتراكية" من خريطة وزراء الحكومة، بعد الزلزال السياسي الذي طال الوزرين بنعبد الله والوردي، قال المكتب السياسي ل"PPS" إنه "يواصل تعامله مع المشاورات بكيفية عادية وطبيعية"، مضيفا: "الحزب كان دائما مدرسة وخزانا للأطر الكفأة والنزيهة القادرة على تحمل مسؤوليات تدبير الشأن العام بكل جدية وفعالية وإخلاص"، قبل أن يشير إلى أن مؤتمره الوطني سينعقد في منتصف ماي القادم.