تعتبر القضية الفلسطينية أقدم قضية عالقة في منطقة الشرق الأوسط، وأكثر القضايا تعقيدا في العالم، حيث إمتدت جدور هذه القضية منذ عام 1948 إلى اليوم، دون التوصل إلى حل عادل لهذه القضية، رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، و ما بذل من مجهودات من طرف المنتظم الدولي، لإيجاد حل عادل لها، وتشكل القضية الفلسطينية قضية مركزية للشعوب العربية، كما تتميز بمكانة رفيعة في قلوب ووجدان الشعوب الإسلامية، على إختلاف ألسنتها وأجناسها، لإحتضانها للمسجد الأقصى المبارك وما له من رمزية وقدسية دينية لدى عموم المسلمين، بإعتباره أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين. " النبي محمد صلى الله عليه وسلم " كما تحظى أحداث القضية الفلسطينية الدامية والمؤلمة، بتفاعل الشعوب في مختلف بقاع العالم، وبحماس شديد، منذ نكبة 1948 وما تلاها من أحداث ووقائع مؤلمة، إرتكبها الإحتلال الإسرائيلي، وما زال يرتكبها إلى يومنا هذا، كما يحظى الشعب الفلسطيني بدعم ومؤازرة مختلف شعوب العالم، وفي مقدمتها الشعوب الإسلامية والعربية، فلا يكاد يقع عدوان إسرائيلي جديد، إلا وتخرج الآلاف من الجماهير تجوب الساحات والميادين، في مختلف عواصم العالم، تنديدا بالعدوان وإستنكارا له، وتعبيرا عن دعم الشعب الفلسطيني ومساندة قضيته. ويعتبر الشعب المغربي بمختلف أطيافه، وتعدد ثقافاته وتنوع روافده، من أبرز الشعوب الإسلامية مناصرة لفلسطين، ودفاعا عن القضية الفلسطينية، وأكثرها تعلقا بالقدس الشريف، ولعل أبرز ما جعل الشعب المغربي اليوم من أبرز الشعوب المناصرة والمدافعة وباستماتته، عن القضية الفلسطينية، قناعته بعدالة القضية الفلسطينية، وإيمانه بضرورة إيجاد حل عادل وعاجل لها، ووضع حد للمعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وكذا إدراك الشعب المغربي للعلاقة التاريخية بين المغاربة والقدس، وفلسطين بشكل عام. وقد شكل المغاربة على مر التاريخ سندا للقدس وفلسطين، وصدا منيعا لها أمام كيد الغاصبين وأطماع المحتلين، فكما تروي كتب التاريخ، أن القائد صلاح الدين الأيوبي خلال الحملة الصليبية على القدس، طلب من السلطان المغربي أحمد المنصور الذهبي، مده بأساطيل عسكرية، لصد هجمات الجيوش الصليبية، فما كان من السلطان يعقوب المنصور إلا أن يلبي النداء، ويأمر بتجهيز مائة وثمانين أسطول وإرسالها إلى القدس، لتنضم إلى جيوش المسلمين، بقيادة صلاح الدين الأيوبي كما تروي الكتب التاريخية. كما لا زالت بعض المآثر التاريخية شاهدة على دور المغاربة في الدفاع عن القدس، وفلسطين، كما هو الشأن بالنسبة لحي المغاربة وبابه المشهور "بباب المغاربة" في القدس الشريف. قضية فلسطين استأثرت باهتمام المغاربة قاطبة، ولم يقتصر الاهتمام بها والدفاع عنها ومناصرتها على فئة دون أخرى بل استرعت اهتمام كل مكونات الشعب المغربي وأطيافه المتنوعة، بما في ذلك أبرز مكون من مكونات المجتمع المغربي، المتمثل في المكون الأمازيغي، الذي بدوره خص قضية فلسطين باهتمام بالغ، من منطلق إنساني وديني على وجه الخصوص. اهتمام الأمازيغ في المغرب بالقضية الفلسطينية، ومواكبة مستجداتها، والتفاعل مع أحداثها، ومآسي الشعب الفلسطيني وآلامه، ليس وليد اليوم، بل يمكن القول أن الوعي الأمازيغي بالقضية الفلسطينية، تشكل منذ خمسينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت و القضية الفلسطينية، حاضرة بقوة في وجدان وإحساس الإنسان الأمازيغي. كان للشعر الأمازيغي دورا فعالا في تشكيل الوعي الأمازيغي بالقضية الفلسطينية، من خلال التعريف بالقضية الفلسطينية، وترسيخها في وجدان الأمازيغ، وقد نجح الشعر الأمازيغي الذي نفذ إلى كل القرى والبوادي، في تبليغ رسالته في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ونصرة كل القضايا العادلة. كان الشاعر الأمازيغي الحاج بلعيد وهو أحد أعمدة الشعر الأمازيغي، وأبرز واضعي قواعد الأغنية الأمازيغية، من الشعراء الأوائل في المغرب، المتغنين بالقضية الفلسطينية، وأبرز من تصدى بحنجرته، لغطرسة إسرائيل وتنكيلها وظلمها، بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، مساهما بذلك في خلق وعي أمازيغي بالقضية الفلسطينية والتعريف بها، وكما هو معلوم، فالشاعر الحاج بلعيد، يحظى بتقدير وإحترام الأمازيغ، وتحظى قصائده وأغانيه بقبول شعبي واسع، وما زالت قصائده تتلوها الألسن وتتغنى بها الحناجر، لما تتضمنه من حكم ومعاني، باعتبار أن أغلب قصائده تعد مرجعا هاما في الأخلاق والآداب العامة، والوعظ والإرشاد الديني، حيث للحاج بلعيد قصيدة مطولة تحدث فيها عن مناسك الحج بتفصيل دقيق، وإلى جانب الشاعر الحاج بلعيد، برع الشاعر المرحوم محمد الدمسيري، في مناصرة القضية الفلسطينية، والدفاع عنها بأشعاره الملتهبة، إلى جانب الدفاع عن القضية الأمازيغية، وحقوق الأمازيغ، كما للشعراء الأمازيغ المعاصرين، نصيبهم من شرف الدفاع عن القضية الفلسطينية وكل القضايا العادلة، حيث سخروا قصائدهم لرثاء شهداء فلسطين، وغنت أشعارهم بآلام الثكالى والأيتام، ودرفت أغانيهم دموع الحسرة والتأسف على تخاذل الأمم وصمتها على جرائم الاحتلال. كان الشاعر إكوت عبد الهادي، مع مجموعته "إزنزارن" من الشعراء المعاصرين بكثرتهم ممن خصوا قضية فلسطين باهتمام بالغ، و برع مع فرقته في تصوير وحشية الاحتلال الإسرائيلي، في أغنيته المشهورة والمعنونة "بالصهيون" والتي صادف إصدارها، مجزرة "صبرا "و"شاتيلا" التي راح ضحيتها أطفال رضع. كانت أغنية الصهيون بمثابة صرخة أمازيغية من أجل فلسطين، أطلقها الشاعر إكوت عبد الهادي مع مجموعته إزنزارن، وقد وظفت مجموعة إزنزارن في هذه الأغنية كلمات ومفردات، من قبيل "صهيون" توزالت" (التي تعني السكين) وكلمة "أريقرس" (التي تعني يدبح) تبرهن على أن الشعر الأمازيغي واكب مستجدات القضية الفلسطينية، ومطلع على أدق تفاصيلها، كما وصفت و بشكل دقيق، وحشية دولة الإحتلال، وفضحت أساليبها الماكرة، وكذا جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل. إلى جانب هؤلاء الشعراء هناك شعراء أمازيغ كثر قديما وحديثا، سخروا شعرهم وقصائدهم للدفاع عن قضايا الأمة وهمومها، وكان الشعراء الأمازيغ من أبرز الشعراء الذين ناصروا ودافعوا عن قضايا الأمة، وفي عمقها القضية الفلسطينية، إلى جانب القضية الأمازيغية، التي تعد قضية مركزية بالنسبة لكل الأمازيغ، بمختلف توجهاتهم، وميولاتهم الفكرية، وسيظل الشعر الأمازيغي، وسيلة للدفاع عن القضايا العادلة، والتغني بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقوق الإنسان الأمازيغي.