في الحسيمة مات محسن_فكري بسبب السمك، وفي الصويرة ماتت الأمهات بسبب الطحين، وفي جرادة مات الإخوة بسبب الفحم. يا الله... كم هي مؤلمة مصائبنا. الناس في بلدي يموتون من أجل لقمة العيش البسيطة جدّاً. لا يطلبون الكثير، ومع ذلك يقتلون بدم بارد كلّ يوم. يقتلهم الجوع والفقر وضعف الحال. ستقرأ في الأخبار أن الحكومة هي السبب في موتهم، وستجد في الأحداث ما يبرر ضلوع السياسيين في مأساتهم.. وفي النهاية، سيفتح تحقيق، يتبعه تحقيق ثم تحقيق.. فيرسل بعض المسؤولين إلى تقاعد مريح، في انتظار أن تبرد دماء الشهداء. وماذا بعد! لا شيء يتغير. سنظل نموت واحداً تلو الآخر، من أجل سمكة أو حفنة دقيق أو قطعة فحم. والمسؤولون الحقيقيون لا يتزحزحون، مستمرون في مصّ دماء الفقراء والبسطاء. حتى يبلغ سيلهم الزبى، فيخرجون للاحتجاج والثورة على وضع لا يمكن معه تحقيق العيش الكريم، ولا بلوغ العدالة الاجتماعية. فيقمعون ويودعون في غياهب السجن. وحينها فقط، بعضم سيكون خائناً بالفطرة، وبعضهم سيكون مجنداً من أقرب دولة عدوّ، وآخر سيكون جاسوسا يهدد أمن البلاد، وغيرهم سيكونون انفصاليين يؤيدون تقسيم المملكة. المهم، ألاّ تتجه أصابع الاتهام نحو الفوق، وأن تظل تلك الأصابع موجهة دائما نحو الأسفل، فمنه يأتي الشرّ كلّه. فمحسن قتل نفسه حين أراد بيع سمك محظور صيده، أما الوزير فلا يمكن عقابه. وأمهاتنا في الصويرة قتلن أنفسهن تحت أقدام الجيران، من أجل دقيق وسكر وزيت بدريهمات معدودات، فهن "ملهوفات" وحاشا لله أن تكن كذلك؛ فإنما "اللفهة" و"اللهطة" في قلوب مسؤولين "كبار" وما هم بكبار! وفي جرادة قتل الشابان نفسيهما بأن ألقيا بجسديهما في البئر "عشوائياً" من أجل استخراج قليل فحم لا يغني ولا يسمن من جوع. نعم.. لقد قتلوا أنفسهم جميعاً. وأنتم يا سادة بريئون من دمهم؛ بريئون جدّاً.. بل وإنكم أكثر براءة من الذئب المعلوم. قبل يومين حضرت ندوة تحدث فيها الكبير محمد بنسعيد آيت يدر، وتقاسمت معه دردشة سريعة بعدها. الرجل يقول إن خوف النخبة هو سبب كل المصائب، وإن النخبة يجب أن تقول الحقيقة كما هي، وأن تنتقد بكل حزم وواقعية ومسؤولية، حتى في تعاملها مع المؤسسة الملكية. ولأنني فهمت رسالته جيّداً، وأستشعر ثقلها كاملاً فوق كتفي اليوم أكثر من أي وقت مضى، فها أنا أقول الحقيقة كاملة وأنتقد صراحة: "ناموا واطمئنوا، فأنتم بريئون من دم من مات ومن سيموت.. أنتم بريئون جدّا كلكم. فمن ماتوا قتلوا أنفسهم، ومن سيموتون سيقتلون أنفسهم. ارتاحوا في مكاتبكم المكيفة وفي منازلكم المزخرفة، فلا ذنب لكم، فنحن من نقتل أنفسنا. والله بيننا". أصعب شيء يمكن أن يحصل في أي دولة في العالم، يسعى أهلها إلى تحقيق شيء من العدالة الاجتماعية، هو أن تقتلهم الدولة.. نعم أسوأ شيء هو أن تأكل الأم أبناءها، والأسوأ منه أن تقتل الدولة أبناءها. عاش الوطن ولا عاش من خانه! www.facebook.com/KarimHADRIofficiel