مرتديا أسمالا بالية تكاد لا تقي جسده النحيل من البرد الشديد الذي يجتاح، هذه الأيام، منطقة إيموزار كندر، خرج لحسن لعروب، البالغ من العمر 90 عاما، من باب بيته المتواضع، الكائن بدوار آيت واد فل بجماعة أيت السبع لجروف، متقدما نحو هسبريس لينطلق في سرد معاناته مع ابنيْه المصابيْن بمرض عقلي مزمن وصفه له أحد الأطباء بأنه عبارة عن شلل ذهني تعرضا له قبل الولادة. "لي ابنان مصابان بمرض عقلي مزمن، إدريس وحجوبة، وهما في الخمسينات من عمرهما، أنا من أرعاهما وأتكفل بهما بعد أن توفيت زوجتي منذ 11 سنة"، هكذا لخص لحسن لعروب معاناته مع ولديه المريضين، قبل إطلاعه هسبريس عن قرب على حالة ولديه اللذين كانا موجودين، حينها، داخل جدران المنزل. رحيل الأم والفقر يعمقان الجراح إذا كان حال منزل لحسن لعروبي يوحي من الخارج وكأنه بيت مهجور، فإن بداخله تعيش أسرة لعروب، المتكونة من أب طاعن في السن وابنين مريضين، ظروفا اجتماعية قاسية، حيث المعاناة من غياب الرعاية ومن البرد القارس. فعلى أفرشة مهترئة كان الأخوان إدريس وحجوبة يجلسان القرفصاء، منكمشين على جسديهما وهما يرتعشان من البرد القارس، بينما يظهر أن والدهما كان منهمكا في إعداد وجبة العشاء، حيث توجد آنية في ركن الغرفة تكاد لا تغطي قعرها قطعة لحم، وفي صحن بجانبها قطعة أخرى من الشحم، ذكر مرافق الجريدة أن عمي لحسن يستعمل تلك الشحوم في إعداد الوجبة الغذائية بدلا من الزيت. استرسل عمي لحسن في سرد معاناته بعد أن جلس وسط ابنيه، قائلا: "تزوجت مؤخرا بسيدة من الراشيدية حتى تساعدني في العناية بابني وابنتي المريضين، لكنها فضلت الرحيل بعد أن دخلت هذه الزوجة في صراع مع ابنتي المريضة"، قبل أن يوضح بأنه حاول الزواج بعد وفاة زوجته ل13 مرة. ولم تكتمل محاولات زواج عمي لحسن بعقد قران رسمي إلا بزوجتين اثنتين، حسب ما أورده ابنه محمد، الذي يعيش في بيت مستقل عن والده، حيث لم يعمر هذا الزواج طويلا قبل أن تقرر الزوجتان الرحيل عنه إلى الأبد بعد أن وجدا نفسيهما يصارعان وضعا اجتماعيا لا يحتمل. غياب الدواء يحوّل المعاناة إلى جحيم بعينين دامعتين واصل عمي لحسن حديثه مع هسبريس قائلا: "أعيش على دعم المحسنين في توفير ما يحتاجه ابني إدريس وابنتي حجوبة، ماذا عساني أن أفعل، هل أتخلى عنهما؟"، موضحا أنهما في حاجة إلى الأدوية المهدئة، والتي قال بأن أحد المحسنين كان يتكفل بتوفيرها لهما قبل أن ينقطع عن ذلك، موردا بأنه لما اتصل بالقائد طالبا المساعدة أخبره بأن عليه لأجل ذلك الاتصال ب"وكيل الدولة". "ليس لي قدرة على توفير الأدوية التي هما في حاجة ماسة إليها، فعندما لا يتناول إدريس الدواء يخرج هائما على وجهه إلى الدوار أو الخلاء، وأنا اضطر لربطه حتى لا يبتعد عن المنزل"، يقول لحسن لعروب، الذي ذكر لهسبريس أن ابنه إدريس تعرض غير ما مرة لعض الكلاب اضطر معها إلى حمله إلى مستشفى صفرو لتلقيحه ضد مرض السعار، موردا أنه سقط في إحدى المرات من أعلى قنطرة الدوار حيث جرى نقله في حالة خطيرة إلى المستشفى. وبينما كان لحسن لعروب يسرد محنة أسرته، كان ابنه إدريس يحك، بين الفينة والأخرى، رأسه بكفيه قبل أن تسأله الجريدة عن حاله، فأجابها باقتضاب قائلا: "أنا مريض من رأسي، وهو يؤلمني كثيرا حين لا أستعمل الدواء"، مبرزا أنه يعاني باستمرار من البرد ومن اعتداء الكلاب. إلى ذلك، ذكر عبد العزيز بوهدون، رئيس المكتب الإقليمي للمركز المغربي لحقوق الإنسان بصفرو، أن مركزه سبق له زيارة هذه العائلة، موردا أنه بعد معاينة هذه الحالة، بادر بالاتصال برئيس الجماعة وبقائد المنطقة لاطلاعهما عليها، موضحا أن القائد وعد بإنجاز توجيه لحمل المريضين إلى المستشفى؛ "لكنه لم يفعل، فبادرنا بتقديم مساعدة متواضعة، عبارة عن أغطية وملابس وأغذية لهذه الأسرة"، يوضح الناشط الحقوقي ذاته والذي طالب الجهات المعنية بالاهتمام بهذه الحالة، التي وصفها بجد الصعبة.