قصة ذات طابع إنساني نسجت خيوطها في دوار عين اقشير، الكائن بجماعة الورتزاغ بإقليم تاونات، والذي لم تعد مساحته تكفي عائلة الأب لحسن الودغيري ليوزع همومه على قاطنيه؛ هو الذي يرى فلذات كبده يذبلون بين يديه يوما بعد يوم، حبيسي كراس متهالكة تحتاج إلى من يحركها بهم. لقد تحوّل البيت الطيني المتواضع، الذي يحتضن الأشقاء مصطفى (26 سنة) ورحمة (16 سنة) وحسن (14 سنة)، إلى مقبرة لا يغادرونها إلا نادرا. الإخوة الثلاثة يعانون في صمت مرارة مرض غريب أقعد اثنين منهم، هما مصطفى ورحمة، عن الحركة بمجرد ما أن أنهيا عقدهما الأول؛ فيما بدأ المرض ذاته يتسرب إلى جسم شقيقهما الأصغر، الطفل حسن، الذي ظهرت عليه الأعراض نفسها، فأصبح لا يقوى على الحركة إلا بمشقة وصعوبة. أمل في العلاج.. لكن اليد قصيرة حين زارت هسبريس هذه العائلة المكلومة أول من كان في استقبالها الشاب مصطفى البالغ من العمر 26 سنة، أكبر الإخوة المصابين، والذي كان يجلس بباب منزل أسرته على كرسي متحرك متهالك ومعطوب. رحب بالجريدة بابتسامة تخفي وراءها جبلا من الألم والمعاناة، فيما كان جده، الطاعن في السن، شارد الذهن متكئا على حائط المنزل يرقب المارة على طريق ترابي يربط دوار عين اقشير بالطريق المعبدة، بينما والد مصطفى كان يسرع الخطى عائدا إلى منزله من دكان الدوار. بمجرد ما أن بدأ الأب لحسن الودغيري في سرد حكايته حول مرض أبنائه الثلاثة حتى اغرورقت عيناه بالدموع، قبل أن يستجمع قواه ليواصل حديثه مع هسبريس عن هذه المأساة التي أصابت، إلى حد الآن، ثلاثة من أبنائه وجعلتهم حبيسي جدران المنزل: "لقد كان أبنائي يعيشون حياة طبيعية قبل أن تبدأ معاناتهم مع هذا المرض الغريب عندما بلغوا سن العاشرة من العمر"، يقول الأب لحسن، الذي ذكر أن هذا المرض يبدأ بألم في الظهر قبل أن يسيطر على المصاب ليجعله عاجزًا عن الحركة ومقعدًا، بعد أن يتمكن من شل أطرافه العليا والسفلى. ويضيف الأب المكلوم: "أصاب المرض ثلاثة من أبنائي، وحرمهم من العيش بشكل طبيعي ومن استكمال الدراسة وكذلك من اللعب مع الأطفال والتمتع بشبابهم. لقد أصبحوا لا يقدرون على الحركة حتى أثناء دخولهم لقضاء حوائجهم بالمرحاض، نضطر لحملهم على ظهورنا لأجل ذلك. ويستطرد لحسن الودغيري، وقلبه يعتصر ألما لما أصاب أبناءه من مكروه: "لقد أقعد المرض بالكامل مصطفى ورحمة، بينما حسن، وبالرغم من أنه ما زال يقوى على الحركة، فإنه أصبح يحرك بصعوبة بالغة رجليه ويديه؛ فأطرافه بدأ ينخرها المرض اللعين". جد الأشقاء الثلاثة المصابين، الذي وصل من السن عتيا، ذكر لهسبريس أنه عرض، منذ 14 سنة من الآن، حفيده مصطفى على الأطباء بمستشفى ظهر المهراز بفاس. وكشف المتحدث أن الأطباء طمأنوه، بعد فحص حفيده، بأن هناك أملا في العلاج من هذا المرض بمستشفى السويسي بالرباط؛ لكن الجد لم يحمل حفيده إليه نظرا لكون الحالة الاجتماعية للأسرة لا تسمح لها بتحمل مصاريف التنقل والعلاج؛ "شكون اللي غادي يديه للسويسي، حالتنا حالة الله"، يؤكد الجد في حسرة. الطفل حسن، أصغر المصابين، جرى عرضه، مؤخرا، على طبيبة المركز الصحي بالورتزاغ، والتي مكنته من وصفة طبية؛ "لكن المرض ما زال يستشري في جسمه يوما بعد يوم"، يؤكد والد الطفل المصاب، الذي التمس مساعدته من أجل إنقاذ أبنائه من هذا المرض؛ وذلك بعرضهم على الأطباء المتخصصين بمستشفى السويسي أو غيره. أكرم القندوسي، أستاذ التعليم الابتدائي بمدرسة عين اقشير، ذكر أنه قام شخصيا بعرض المصابة رحمة على أنظار قافلة طبية نظمتها القوات المسلحة الملكية، قبل أربع سنوات، بمنطقة كلاز بتاونات. وقال القندوسي إن الأطباء أكدوا له، بعد فحص المعنية، أن مرض رحمة قد يكون وراثيا، وشخصوه في توقف نمو عضلات الرجلين في سن معينة. وأورد المتحدث أن الأطباء العسكريين نصحوه بنقل المريضة إلى مستشفى السويسي بالرباط قصد استفادتها من العلاج؛ "لكن الحالة الاجتماعية لأسرة المصابين لا تسمح بنقل الأشقاء الثلاثة إلى هذا المستشفى، إذا علمنا أن والدهم مجرد طالب معاشو"، يؤكد المتحدث ذاته. الحرمان من الدراسة و"راميد" الأستاذ أكرم القندوسي، الذي اشتغل بمدرسة الدوار لمدة 16 سنة متواصلة وعايش هذه الحالة الإنسانية عن قرب، ذكر أنه بمجرد أن يحس المصابون بأن أرجلهم لم تعد تسعفهم ينقطعون عن الدراسة، "هل هذا ناتج عن الخجل من أقرانهم التلاميذ؟"، يتساءل الأستاذ القندوسي، الذي ذكر أن حسن ورحمة اللذين درسا عنده كانا يتابعان دراستهما بشكل طبيعي، كما أن وضعهما الصحي لم يوح أبدا بأن مرضا خاملا ينتظر الوقت المناسب لينقض على جسديهما الصغيرين ويدخلهما في دوامة من المعاناة الجسدية والنفسية، وهما في عمر الزهور. وأضاف الأستاذ القندوسي أن رحمة وحسن بمجرد أن تخطيا ربيعهما العاشر حتى بدأت أعراض مرض شقيقيهما مصطفى تظهر عليهما، مشيرا إلى أن رحمة انقطعت جراء ذلك عن الدراسة من المستوى الثاني، وحسن من المستوى الثالث، قبلهما كان مصطفى قد توقف مشواره الدراسي في المستوى الرابع ابتدائي؛ "الأشقاء المصابون في حاجة إلى إحدى الجمعيات أو أحد المحسنين للتكفل بعلاجهم، خصوصا حالة الطفل حسن الذي ما زال المرض لديه في بدايته"، يؤكد المتحدث ذاته. وبالإضافة إلى حرمان الأطفال الثلاثة من متابعة الدراسة والعلاج، ذكر والدهم لحسن الودغيري أنه حرم من الاستفادة من بطاقة نظام المساعدة الطبية "راميد"؛ فقد أكد أن المصالح المكلفة بإنجاز هذه الوثيقة أخبرته بأن لا حق له الاستفادة من هذه البطاقة، "لقد قالوا لي ليس لك الحق في الراميد، لا أعرف سبب ذلك؟"، يتساءل الأب لحسن الودغيري، الذي ذكر أنه طالب بأن ينجزوا لفائدته رفقة زوجته بطاقة لا تتضمن أسماء أولاده، فرفضوا ذلك أيضا، "يمكن أن أدلك على الوثائق التي أنجزتها لطلب بطاقة "راميد" والتي أحتفظ بها داخل منزلي"، يؤكد الأب وقلبه يعتصر حسرة. لمزيد من التفاصيل يمكن الاتصال بالابن مصطفى ودغيري على الرقم التالي: 0694275548