فاطمة، فوزية، لطيفة، عبد السلام، سعاد، العربي، حنان، سناء... يجسدون صرخات متناثرة هنا وهناك لمرضى ارتبط بقاؤهم على قيد الحياة بآلة لتصفية الدم «الدّياليزْ»، أبوا، في كبرياء، البوح -حين لقائهم مع «المساء» في مقر الجمعية المغربية لذوي القصور الكلوي بالرباط- بمعاناتهم مع المرض المزمن وتكلفته العلاجية، التي أرهقت جيوبهم وأجسادهم، التي نال منها المرض ولم تعد تقو على توفير «طرف الخبز». فمنهم من باع آخر ما تبقى من ممتلكاتهم ومن يتسولون لاقتناء ثمن علبة دواء لعلها تمدد شهورا في عمرهم.. وآخرون تاهوا عن الوسيلة، فراحوا ضحايا لمرض لا يفرّق بين الفقير والغنيّ، بين من لديه تكلفة العلاج، التي تتراوح شهريا ما بين 4000 و5000 درهما، ومن يفضلون الموت على العيش عالة على غيرهم أو استعطافهم، ولو كان قريبا، من أجل تغطية تكلفة العلاج من مرض عجز عن إيجاد حل له نظام المساعدة الطبية «راميد». خيبة أمل اعتقدنا للوهلة الأولى أن برنامج «راميد» دشّن من طرف الدولة، تقول فاطمة البقالي (من مواليد 1967، أرملة وأم لطفلين) «للتصالح مع الفقراء والمحتاجين وتمكينهم من حقهم في الاستفادة من الخدمات الصحية، لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة التي تجرّعنا مرارتها»، حيث نجري «الدياليز» ولا نستفيد من المجانية في ما يتعلق بالفحوص الطبية، التي يطالبنا بها الأطباء من أجل المتابعة الصحية للمرض، وما يمكن أن يرافقه من أمراض أخرى.. وبخصوص إصابتها بالمرض تحكي فاطمة، والدموع تسابق كلماتها: «كنت أعاني من مرض في المعدة، لأفاجأ، بعد إجراء فحوصات طبية عديدة بإصابتي بمرض القصور الكلوي».. وعن حالتها الصحية، تؤكد فاطمة أنها تعيش «عالة» على أختها، في انتظار أن يرقّ لحالها قلب محسن، لمساعدتها على اقتناء ما تحتاجه من أدوية بداية كل شهر.. تواصل فاطمة سرد معاناتها قائلة: «إلى حد الآن، لم أستفد من بطاقة «راميد»، اللهم الجمعيات التي أجد فيها سندا لي في هذه المحنة، لكنّ الأمر ليس بالسهل، لأنه في كل مرة يطالبني الطبيب المعالج بمجموعة من الفحوصات، وآخرها إجراء فحص على القلب تبلغ قيمته 500 درهم، لكني عجزت عن توفير المبلغ».. وبنفس نبرة الألم، قالت فوزية لعسيلة (يتيمة الوالدين، وربة بيت) إنها أصيبت بمرض الفشل الكلوي منذ ما يزيد على السنتين، وإنها عاجزة عن اقتناء أدوية تصل قيمتها إلى 1500 درهم شهريا. وتلخص فوزية معاناتها في إحساسها المستمر بالتعب وب«ثقل» في رجليها، حيث تعاني من تكيّس في كليتيها، إلى درجة أنها لا تستطيع انتعال حذائها بنفسها، ولا القيام بأدنى مجهود حركيّ، من قبيل مغادرة البيت بهدف قضاء أغراضها الشخصية.. تمرض سير بْحالكْ تكشف لطيفة العراطي (33 سنة) عن ساعدها الأيسر، الذي تغطيه ندوب عميقة، هي «مخلفات» سنتين ونصف من العلاج المتواصل، وهي تقول، بنبرة لا تخلو من سخرية: «من كثرة الحصص التي تابعتها، أصبح غرز الحقنة في جلدي طقسا مألوفا لديّ».. وتواصل سرد حكايتها مع المرض، الذي كان نتاجا لارتفاع للضغط الدموي بفعل طبيعة عملها المؤقت في شركة للخياطة.. حيث لم تكترث للأمر، في البداية، ولم تسارع إلى الطبيب من أجل العلاج المبكر، بل استسلمت لمعاناتها مع المرض ومع المشاكل التي لا تنتهي في العمل، وفق وصفها، لينتهيّ بها المطاف في إحدى غرف مستشفى السويسي في الرباط، لتلقي العلاجات الضرورية من مرض بلغ مراحله المتقدمة، ولتنضاف إلى لائحة المرضى بالقصور الكلوي وتتجرّع معاناتهم مع تكلفة العلاج الباهظة، وكذا تلك المعاناة التي تتكبدها حين الخضوع لعملية التصفية، التي أجبرتها على الاستقرار في مدينة الرباط، بدل الالتحاق ببيت أسرتها الكائن في مدينة وزان، لغياب مراكز التصفية فيها، إلى جانب عدم قدرتها على الاستمرار في العمل، ملخصة معاناتها بالقول: «كنت أعمل 12 ساعة يوميا.. لكنْ حينما أصيبت إحدى كليتيّ بالفشل، لم يؤازرني أحد في محنتي، بل فسخوا عقدة عملي وواجهوني بعبارة لم أستطع نسيانها إلى الآن: اللّي مرْضْ يْمشي بحالو»!.. وعن أحلامها وتطلعاتها قالت لطيفة: «حلمي الزواج، وتكوين أسرة رغم أن الأمر يبدو صعبا، لأنْ لا أحد يستطيع الارتباط بامرأة مريضة يلزمها مبلغ ماليّ كل شهر لاستكمال العلاج». الزوجة.. معيلي بدأ عبد السلام بن حاجة سردَ تفاصيل ما يشعر به من نقص تجاه زوجته، التي أصبحت تعيله وطفلتيه بعدما كان هو من يعليهنّ.. حيث كان يشتغل بائعا متجولا، يتدبّر لقمة عيشهم بنفسه، لكنْ بعد إصابته بالمرض، انقلبت حياته من معيل إلى «عالة» على زوجته، التي تشتغل خادمة في البيوت.. بينما يقضي هو جل أيام الأسبوع رهينة لدى آلة التصفية، التي لا يفارق موعدها تفكيره، لما تسببه له من إرهاق ومشاكل صحية.. وقال عبد السلام، وهو يغالب دموعه: «أحتاج ما قدره 5000 درهم، ثمن علبة دواء تقيني شر «الحكة المزمنة»، والتي يبلغ ثمنها 2600 درهم، إضافة إلى دواء خاص بالضغط الدمويّ، تصل تكلفته إلى 400 درهم وآخر للهشاشة، الشيء الذي يجعلني لا أستطيع متابعة العلاج بالشكل الصحيح، حيث انقطعت عن تناول المكلّف منها وصرتُ أكتفي بتصفية الدم، لكونها مجانية.. مما يؤثر سلبا على حالتي الصحية، التي تتدهور يوما بعد آخر، في غياب من يساندني، اللهم مساعدة بعض المحسنين، حيث لا يشفع لي الوصل الذي يفيد تقدمي بطلب للحصول على بطاقة «راميد» في الاستفادة من مجانية الفحوصات الطبية في المركز الإستشفائي السويسي في الرباط». «المرض صعيبْ والعائلة عياتْ» لخص العربي كنان نفس المعاناة بإطلاقه صرخة حارقة: «باشْ غا تفيدني التّصفية إلى ما كناخذشْ الدّوا».. يقطن العربي بمدينة الصخيرات، وهو متزوج وأب لطفلين، اشتغل بحارا لما يزيد على سبع سنوات، لكنْ بعد إصابته منذ ثلاث سنوات، لم يعد يقو على العمل.. وبدأت حكاية العربي مع المرض حينما أصيب بورم في إحدى رجليه، ليكتشف، بعد خضوعه لعدة فحوصات، إصابته بضعف مزمن في كليتيه.. الشيء الذي اضطره إلى الخضوع لتصفية الدم، وبدوره كان من الأوائل الذين تقدموا بطلبهم بغية الاستفادة من خدمات بطاقة «راميد»، لكن وإلى حد الآن، يوضح العربي، «لم أستفد من هذه البطاقة، التي يقال عنها إنها ستخول لنا مجانية العلاج، رغم مرور خمسة أشهر على تقيديم الطلب، حيث أحتاج مبلغا لا يقل على 5 آلاف درهم شهريا»، ويختم قائلا: «»المرْض صْعيب والعائلة عْياتْ».. «شهادة الضعف» مرفوضة أما سعاد الظريف (28 سنة) فلم تشفع لها «شهادة الضعف» التي تقدمت بها والدتها في الاستفادة من خدمات المركز الاستشفائي السويسي في الرباط، حيث طالبها الطبيب المعالج بضرورة الخضوع لفحص بالأشعة من أجل الكشف عن جهازها التنفسي، لكنها قوبلت بالرفض من لدن إدارة المستشفى الجامعي. وتوضح سعاد بالقول: «لا أتوفر على مبلغ 1200 درهم من أجل إجراء فحص لصدري، حيث رفضت إدارة المستشفى شهادة تفيد عدم قدرتي المادية على توفير المبلغ المذكور.. لقد حاولتُ لكنْ بدون جدوى، ما جعلني أستغني عن الفحوصات وأكتفي بالتصفية فقط، ما دامت مجانية». اكتشفت سعاد (غير متزوجة) إصابتها بمرض الكلي منذ تسعة أشهر، وكانت تشتغل خياطة وتساعد أسرتها، المتكونة من 9 أفراد، ووالدتها التي تعمل خادمة في البيوت، لكنّ المرض جعلها أسيرة لحصص التصفية، في غياب الأدوية التي تعجز عن توفيرها. «خلصي.. أما توصيل راميدْ فما دايزشْ» «خْلّصي.. أما توصيل راميدْ فما دايزشْ».. بهذه العبارة صدّت الموظفة التي تستقبل المرضى في المستشفى الجامعي السويسي الرباط، حنان كادو، وهي من مواليد 1985، أصيبت بالمرض سنة 2008، حيث ظنت، في البداية، أن الأمر يتعلق بإصابتها بالمرّارة، لكنْ وبعد مرور ستة أشهر، تدهورت حالتها الصحية حيث أغميّ عليها واكتشفت إصابتها بفشل كلويّ مزمن. وقالت حنان: «لولا صبر زوجي ومشاركته لي محنة المرض وتكلفة الدواء المرتفعة، رغم عدم توفره على عمل قار، لضاعت حياتي وذهبتُ ضحية لمرض لا يرحم ذوي الحاجة أمثالي». وحين سؤالها عن حلمها كزوجة ألمّ بها المرض، لم تفكر كثيرا وأجابت: «حلمي أن أصبح أما، ولأجل ذلك توجهت إلى المستشفى الجامعي السويسي من أجل الخضوع لفحوصات تهمّ الرحم، فلم أوفق، حيث رفضت إدارة المستشفى شهادة الاحتياج وواجهتني، كعادتها، مع المرضى، الذين لا حول لهم ولا قوة: «خلصي.. أما شهادة الاحتياج أو وصل راميد فما دايزاشْ».. حلم الأمومة اغرورقت عينا سناء الكويدري (30 سنة) وأدارت برأسها يمينا وشمالا، كأنها تبحث عمن ينوب عنها في التعبير عما يعتمل في دواخلها من كلمات عجز اللسان والدموع عن وصفها.. صمتت برهة بعد تكرارنا السؤال عن حلمها وقالت: «لقد طالت معاناتي لما يزيد على سبع سنوات، حيث أصبت بالمرض سنة 2005.. أجهضت ثلاث مرات، وفي آخر مرة ضاع مني ثلاثة أطفال توائم في شهرهم الخامس.. أحسست بالغبن، لكني مصرّة على أن أحظى بطفل يملأ فراغي ويشغلني عن التفكير في معاناتي مع مرض خبيث لا يرحم، وأعوّض زوجي عن صبره معي ومساعدته لي -خاصة أنني حامل في شهري الخامس- ماديا ومعنويا، حيث إن معاملته الطيبة لي تجعلني أنسى عتابي لنفسي، لكوني لا أقوى على أداء واجباتي المنزلية».. وفي السياق ذاته، أكد حدو الزمار، عضو النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، أن بطاقة «راميد» لم تأت بحلول ناجعة، حيث لا يُعقل أن يقوم مريض القصور الكلوي بتصفية الدم لوحده، بل لا بد من ملازمة ذلك بوصفة علاجية مرافقة، والتي لا يستثنى منها أي مريض، ولذلك نرى، نحن في النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، أنه من الضروري إعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة لهذا الشأن. واعتبر الزمار، في معرض تصريحه إلى «المساء» أنه من الضروري على الوزارة الوصية، إذا كانت لديها رغبة حقيقية في الحد من معاناة مرضى القصور الكلوي، تمكين حاملي بطاقة «راميد» من حقهم في الاستفادة من خدمات المراكز الاستشفائية الجامعية، بغية الخضوع لمختلف الفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية الضرورية، من أجل متابعة دورية للحالة المرضية لهؤلاء المرضى، وكذا عقد اتفاقيات مع مختبرات وأرباب الصيدليات ومراكز الفحص بالأشعة.. من أجل مساعدة هؤلاء المرضى، للاستفادة من العلاج الصحيح والكامل، بدلا من اكتفاء العديد منهم بتصفية الدم فقط، الأمر الذي يجعلهم عرضة لمضاعفات مرضية خطيرة تظهر على المدى القريب، وخاصة لدى الأطفال، حيث تلزمهم ثلاث حصص لتصفية الدم في الأسبوع، بدلا من اثنتين، كما هو معمول به حاليا.
لوباريس : يجب أن ينظر لبطاقة راميد من منظور طبي وليس اقتصادي - ما هو القصور الوظيفي للكلي؟ في البداية، لا بد من تعداد وظيفة الكلي الأساسية في الجسم من خلال تصفيتها للدم من مختلف التسممات الداخلية والخارجية، وكذا ضبط كمية الماء داخل الجسم وإنتاج بعض الهرمونات الضرورية، وكذا فيتامين «د»، الذي يحمي من هشاشة العظام، بمعنى أن الكلي هي «الفلتر» الأساسيّ لتنقية الجسم من السموم والشوائب.. وحين الحديث عن القصور الكلوي المزمن، فإن الأمر يحيلنا إلى عجز الكلي عن أداء الوظائف المنوطة بها، والتي نتبيّنها من خلال ارتفاع نسبة «الكريانتيني» إلى ما يتراوح بين 10 و15 في المائة. -متى يتم اللجوء إلى عملية الغسيل الكلوي «الدّياليز»؟ يحتاج المريض إلى الغسيل الكلوي إذا وصل عجز الكلي إلى مرحلة متقدمة، بواسطة تجهيزات خاصة تقوم بتنقية الدم عوض الكلي، أو إزالة السوائل التي تعجز هذه الأخيرة عن إخراجها عن طريق البول في مدة زمنية، تصل إلى أربع ساعات ولثلاث مرات في الأسبوع. -ما هي المشاكل التي تواجه المريض خلال عملية الغسيل الكلوي؟ أهم ما يعاني منه المصاب بالقصور الكلوي أنه يصبح رهينة لدى آلة تُفقده حريته، إضافة إلى أن كثيرين منهم لا يخضعون لعلاج كامل، وأقصد بذلك التزامه بالوصفة الطبية، التي يصفها له الطبيب المعالج، إلى جانب تصفية الدم، وهذا ما يعاني منه جل المرضى من ذوي الدخل المنعدم، حيث لا يستطيعون اقتناء الدواء الملازم، مما يجعلهم ضحايا العلاج غير الكامل. - هل يؤثر الغسيل الكلوي على الإنجاب والإخصاب؟ يختلف الأمر بين الرجل والمرأة، حيث تعاني هذه الأخيرة من صعوبات في الاحتفاظ بجنينها، الذي غالبا ما تجهضه، لذلك يعتبر «الإنجاب» بالنسبة إلى مريضة القصور الكلويّ «مغامرة»، لما يتطلبه ذلك من رعاية صحية استثنائية، وعلى رأسها المداومة على تصفية الدم بشكل يوميّ، إلى جانب أدوية مرافقة، ليس في استطاعة الفئة التي نخصها بالحديث توفيرها، مما يجعل الأمر صعبا شيئا ما على المرأة أكثر من الرجل. -ه ل يسبب الغسيل الكلوي ضعفا جنسيا لدى الرجال خاصة؟ على العموم، إذا كان العلاج كاملا لا تطرح المسألة بحدة، وإن كان الرجل المغربي ما يزال لا يعترف بإصابته بالضعف الجنسي.. حيث يعتبر البوح بإصابته به انتقاصا من رجولته، مع أنه يمكنه تجاوز ذلك، بتناوله لمجموعة من الأدوية المساعدة، والتي تخفف من نسبة العجز، الذي تتضاعف حدّته مع طول مدة العلاج، وخاصة لدى المرضى الذين يشتكون من الوزن الزائد. - خصت وزارة الصحة مرضى القصور الكلوي بمجانية «تصفية الدم».. هل ذلك يعتبر كافيا؟ لم تستطع بطاقة «راميد» أن تحد بشكل كليّ من معاناة مرضى القصور الكلوي، بتمتيعهم بمجانية تصفية الدم فقط دون الفحوصات الموازية، والتي يجب أن يجريّها المريض بشكل دوريّ، حتى يتمكن الطبيب المعالج من متابعة الحالة الصحية للمريض، حيث يؤثر القصور الكلوي على مجموعة من وظائف الجسم، لكنّ المرضى منعدمي الدخل يُواجَهون بضرورة أدائهم تكاليف مالية لا تستطيع بطاقة «راميد» إعفاءهم منها، حيث ينظر واضعو هذه البطاقة إلى تكلفة العلاج وليس إلى نوعيته، أي من منظور اقتصاديّ محض، بخلاف الطبيب.. ومن ثمة فقد عجز واضعو بطاقة «راميد» عن توفير تغطية صحية كاملة لمرضى القصور الكلوي، وهذا يؤثر سلبا على معدل الحياة بالنسبة إلى مرضى القصور الكلويّ بتناقصه بشكل مثير للقلق إلى 30 في المائة، بيد أنه يمكن أن يصل إلى 65 في المائة إذا ما خضع المريض للعلاج الجيد والمتكامل.. وفي المغرب هناك 10 آلاف مغربي مصابون بالقصور الكلوي، نصفهم لا يتوفرون على تغطية صحية، إلى جانب أن 3000 مريض لا يقومون بتصفية الدم، مما يتسبب في وفاة 750 منهم سنويا، إضافة إلى أن نصف مرضى القصور الكلوي يعجزون عن توفير الأدوية وكذا عن إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، اللهم التصفية ولمرتين فقط، وليس لثلاث مرات، كما هو معمول به عالميا، مما يجعل المريض لا يستفيد من تصفية كاملة، مما يؤثر سلبا على مجموعة من الوظائف التي تعجز كليته عن أدائها، وخاصة منها الهرمونية، والتي تؤثر -بدورها- على الضغط وعلى عدد الكريات الحمراء في الدم والفيتامين «د»، الذي يؤدي فقدانه إلى الإصابة بهشاشة في العظام.. وعليه، فمريض القصور الكلوي يحتاج إلى تكلفة علاجية تقدر ب5000 درهم شهريا لتوفير الأدوية وإجراء الفحوصات الطبية، وبشكل دوريّ، والتي تهم القلب والجهاز التنفسي وغيرهما، وهذا ما لا توفره بطاقة «راميد» لهذه الفئة من المرضى إلى حد الآن، مما يجعلهم مُعرَّضين لمخاطر صحية لا تعد ولا تحصى. توفيق لوباريس أخصائي أمراض الكلي ومدير مركز لتصفية الدم بالرباط
القباج : تكاليف العلاج مرتفعة وبطاقة «راميد» حكمت على المرضى بالموت البطيء قال عبد الإله القباج، رئيس الجمعية المغربية لذوي القصور الكلوي بالرباط، إن الدولة المغربية فشلت في تدبير ملف مرضى القصور الكلوي، وإن كانت بطاقة «راميد» إنجازا إيجابيا في حد ذاته، لكنْ لإنجاحه، بوصفه مشروعا مجتمعيا، لا بد من توفير محيط مناسب له، وخاصة ما يتعلق بالأطر الطبية وشبه الطبية، حتى لا يلقى مصير المشاريع السابقة، وخص بالذكر «أجنحة مرضى القصور الكلوي»، الذي أطلقته وزارة الصحة سنة 2004 في عدد من مدن المملكة للتكفل بعلاج مرضى هذا الداء. وأبرز القباج، في تصريح ل«المساء»، أن من جملة المشاكل التي واجهت أجنحة المشروع، الذي كان موزعا على 33 مركزا صحيا، هو «الخصاص المريع في عدد الأطر من الطبية التي بإمكانها الإشراف على مرضى هذا الداء»، وخص القباج بالذكر الممرضين، قائلا إن عددا من الأجنحة لم يكن يوجد فيها أي ممرض، وهو ما كان يزيد من معاناة المرضى، ضاربا لذلك مثالا بجناح مدينة المحمدية، الذي لم يشتغل إلا بعد ثلاث سنوات من افتتاحه، أي في سنة 2007، ومع ذلك ظل -بدوره- يعاني النقص الكبير في عدد الممرضين، على غرار باقي الأجنحة. وأضاف القباج بخصوص نظام المساعدة الطبية «راميد»، أنه لا يمكن العمل والتعاطي بالإيجاب والرضا التام، وأن المستفيدين من التغطية الصحية لا يتجاوز -في أحسن الأحوال- 35 % من الساكنة، مما يجعل أكثر من خمسي الساكنة لا تخضع لا لنظام التعاضديات ولا للتأمين. وتابع قائلا: نحن كجمعية نبذل ما في وسعنا من جهود، بهدف مساعدة المرضى على اقتناء الأدوية، بتوفيرها لهم بأثمنة مناسِبة، لكنْ ما زال مرضى القصور الكلوي ضحايا موت بطيء، يئنّون في صمت وبطاقة «راميد» لم تأتِ بحلول ناجعة، حيث يلزَم المريضَ بالقصور الكلوي الخضوعُ لفحوص طبية شاملة، على الأقل، مرة كل سنة بقيمة تصل إلى 3000 درهم. ووضح المتحدث نفسُه، في هذا السياق أن بطاقة «راميد» لم تستطع أن تجد حلا ناجعا لمرضى القصور الكلوي، الذين يتخبطون في مشاكل اجتماعية لا تعد ولا تحصى من جراء ارتفاع تكلفة العلاج، فكم من نساء طلقن بسبب عجز الزوج على توفير تكلفة العلاج الشهرية وكم من فتيات معرضات للعنوسة بسبب تخوف من يقبلون على الزواج منهن من تكاليف العلاج الباهظة، إضافة إلى اعتقاد العديد منهم أنهن عاجزات عن الإنجاب، إلى جانب احتمال إصابة بعضهم بالاعوجاج بسبب عدم خضوعهم للعلاج الكامل، واكتفائهم بتصفية الدم فقط، لكونها مجانية. وتشير مجموعة من الإحصائيات (يرجع تاريخها إلى سنة 2010) إلى أن عدد المصابين بمرض الكلي في المغرب وصل إلى أكثر من مليون مريض، بينهم حوالي 10 آلاف من المصابين بداء القصور الكلوي، الذي شدّد القباج على ضرورة التمييز فيه بين فئتين من المرضى، فهناك مصابون بفقر الحديد وآخرون بفقر الدم، ومن أسبابهما التهاب الكلي وانسداد المجاري البولية، بسبب وجود حصى في الحالب أو المثانة البولية أو تضخم البروستات. وأبرز القباج أن حوالي 50 في المائة من مرضى السكري ومرضى الضغط الدموي مُعرَّضون للإصابة بمرض القصور الكلوي، لعدم اتباعهم علاجا كفيلا بوقف زحف هذين المرضين الفتاكين. عبد الإله القباج نائب رئيس الجمعية المغربية لذوي القصور الكلوي -الرباط