ما تزال مئات رؤوس مواشي رعاة رحل محتجزة ك"رهائن" داخل إسطبلات تابعة لسكان بلدة "أزغار أمسليتن"، التابعة لجماعة "تومليلين إدوسكا أوفلا" بإقليم تارودانت، إثر ضبطها في حالة إتلاف الأملاك الفلاحية للمنطقة، في فصل جديد ومثير بين من ينعتون بالمتاجرين بالرعي الجائر، وبين أبناء المنطقة، الذين طالبوا الحكومة بالحماية ومراسلتهم للديوان الملكي في الملف، بجانب إعدادهم لمسيرة تقودهم إلى مقر البرلمان بالعاصمة. ومنذ يوم الخميس، خرج المئات من ساكنة منطقة تسمي "أزور نتسيلا" تابعة ل"أزغار أمسليتن" في مسيرة احتجاجية واعتصام، بعدما قاموا باحتجاز مواشي تعود ملكيتها للرعاة الرحل بالمنطقة، التي قال شهود عيان لهسبريس إنها تفوق 200 رأس وتم "ضبطها تأكل أشجار اللوز وتتلف أملاك الساكنة"، حيث برروا خطوتهم بأنها تأتي "إلى غاية تأدية الرعاة ثمن الغرامة حسب القانون العرفي للمنطقة". وتابع الشهود في تصريحات للجريدة أن الرعاة حاولوا تخويف الساكنة "قصد استرجاعها.. لكنهم تراجعوا بعد رؤيتهم للتجمع الكبير الذي شكله أبناء المنطقة"، مشيرين إلى أن جل إسطبلات البلدة تم استعمالها كمساحات لاحتجاز الرهائن الحيوانية، فيما أشاروا إلى أن الرعاة الرحل "خرقوا قانون عرفي معروف بالمنطقة يسمي 'الحيز' والذي يحتم علي الجميع عدم استغلال الأشجار وقطع الخشب وقطف اللوز حتي يتم الاتفاق و الإعلان عن ذلك". المعطيات التي توصلت بها هسبريس من المنطقة تفيد بأن الأوضاع تمضي نحو الأسوأ، خاصة في ظل إصرار الساكنة علي الدفاع علي أراضيهم "وسط عدم تدخل السلطات المحلية علي القيام بدورهم في تطبيق القانون وحماية ممتلكات الساكنة"، وهو ما ينذر بحدوث مواجهات دامية، تعيد إلى الأذهان ما حصل قبل أسابيع من اعتداءات طالت بعض سكان المنطقة على أيدي الرُّعاة الرّحل، وأسفرتْ عن حالات جرح خطيرة إثر هجوم بالحجارة. عادل أداسكو، رئيس "الجمعية الثقافية لإدوسكا أوفلا" وعضو اللجنة المكلفة بمتابعة ملف "اعتداءات الرعاة الرحل على أراضي وأملاك الساكنة"، قال في تصريح لهسبريس إن الواقعة تأتي "بعدما كثر الحديث حول الرعاة الرحل المنتشرين بسفوح وهضاب وجبال منطقة إدوسكا أوفلا.. لكن دون جدوي"، مشيرا إلى أن هذه الأوضاع تأتي "بعد تحرير شكايات مكتوبة وشفهية للمسؤولين"، متسائلا: "من يكون هؤلاء الرحل حتى يعتوا في الأرض فسادا ولا يحترمون القانون؟". واعتبر الناشط الجمعوي أن تطور فصول هذا التوتر يثير تساؤلا آخر "هو من له مصلحة في عدم استقرار المنطقة والإبقاء علي الوضع الحالي كما هو"، مشيرا إلى أن الرعاة الرحل "هم في الحقيقة مقاولون ولهم أيادي تساعدهم وتشجعهم علي تجاوز القانون والاعتداء علي ممتلكات السكان الأصليين الذين طرقوا جميع الأبواب ولم يبقي لهم سوي الدفاع عن أراضيهم بأنفسهم"، مطالبا في الوقت ذاته بتدخل الدولة عبر "توفير مراعي محددة للرعاة الرحل بعيدا عن ممتلكات الساكنة"، مع ضرورة "فتح تحقيق حول عصابة السماسرة الذين يبتزون الرعاة الرحل ويخربون البيئة". ويحيل أداسكو إلى ما قال إنه قانون عرفي قديم عند الأمازيغ يسمي ب"الحيز"، الذي قال إنه يبقى اتفاقا يبرمه السكان فيما بينهم، ويهم قرارا "يمنع علي جميع البشر سواء من المنطقة أو من خارجها علي الاقتراب من الأشجار والرعي فيها حتي لو كانت في ملكيتك"، وبالعودة إلى نص الاتفاق، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، فإنه يتعين على الساكنة "ضبط أوقات محددة لجنيس المحصول السنوي في وقت تم تحديده في يوم 25 يوليوز من كل سنة". وتم الاتفاق بموجب "الحيز"، على دفع غرامات مالية في حالة خرق هذا الاتفاق، والمحددة في ألف درهم للماشية و100 درهم بالنسبة للحمير والبغال، و100 درهم أيضا بالنسبة للساكنة من رجال ونساء، لتضيف الوثيقة: "كلنا نحن الموقعون على الوثيقة ملتزمون بمتابعة من خالف هذا الاتفاق"، حيث يشمل هذا الأخير "كل الساكنة المتوجدة بالدوار والقاطنين خارجه والساكنة المهاجرة خارج الدوار". وقبل أيام، التأمت 29 جمعية محلية من الإقليم في لقاء وطني بالعاصمة الرباط، حضره نشطاء حقوقيون وممثلون عن فعاليات المجتمع المدني بمنطقة "إدوسكا أوفلا"، حيث طالبوا خلاله بالحماية مع إعلانهم مراسلة الديوان الملكي والحكومة في الملف، بجانب إعدادهم لمسيرة تقودهم إلى مقر البرلمان بالعاصمة، وخرجوا بتوصيات تدعو ل"حماية الأراضي من بطش الرعاة والاستعداد التام للدفاع عن الحق المشروع بكل الوسائل والطرق القانونية".