لا يمكن الحديث عن مدينة تزنيت، أو عاصمة الفضة، دون أن تتبادر إلى الذهن أشكال الفرجة التي تتميّز بها هذه المدينة دون غيرها، حيث تُعتبر طقوس "إمعشار" أحد الأشكال الاحتفالية الفرجوية، التي استمر إحياؤها في هذه المدينة، لما لها من امتدادات تاريخية عريقة، متجذرة في عمق الثقافة الشعبية لساكنة تزنيت، تتمظهر في شكل طقوس واحتفالات تمزج بين الرقص والغناء والإيحاءات المختلفة، الرمزية منها والمباشرة، كما تعتمد على الوسائل التعبيرية المختلفة من كلمة وحكي وشعر وزجل وإيقاع، علاوة على التسلية والمرح والجد والهزل والخرافة والتقاليد المختلفة في قالب فني مثير ومتشعب. خالد ألعيوض، الأستاذ الباحث في التراث، قال، في تصريح لهسبريس، إن مدينة تزنيت عرفت بفرجة "إمعشار"، التي تميزها عن باقي مناطق المغرب. وتنطلق احتفالات "إمعشار" يوم 10 محرم، وتمتد من أسبوع إلى أسبوعين، وهي ترتبط بفئة الشباب. أما عن تاريخ وأصل الظاهرة الاحتفالية هاته، فأوضح خالد ألعيوض أنه يصعب تحديدهما، وإن كانت بعض الأبحاث تُشير إلى أنها تعود، على الأقل، إلى عشرينيات القرن الماضي. وأضاف أن الروايات تعدّدت حول أصولها، حيث هناك من ذهب إلى كونها عربية أو يهودية. وكمرادف "إمعشار"، يقول خالد ألعيوض، نجد ما يسمى ب"إصوابن" في مناطق اشتوكة، خاصة ب"إداوبوزيا"، وهي شكل آخر من أشكال "إمعشار"، حيث إن كانت تزنيت تشهد استمرار ظاهرة "إمعشار"، فقد نجد لها، يضيف خالد ألعيوض، امتدادات في البوادي، بأشكال احتفالية تنكرية أو ما يُسمى بالاحتفال بالأقنعة، غير أن خصوصية "إمعشار" تكمن في شخوص متخفية وسط صور تجسد الحيوانات، أو في تشخيص شخصيات اليهود والأمَة "توايّا"، مما يُجسده ذلك من حضور لمرحلة معينة من تاريخ المغرب. كما يتميز "إمعشار" باستعمال الأقنعة، وطبيعة اللباس، الخشن في غالب الأحيان، الخارج عن المألوف من أجل إثارة الضحك. ووفقا للباحث ذاته، فالتنكر والتخفي اللذان يُميّزان هذه الطقوس، يسمحان باستعمال ألفاظ يصعب النطق بها في الأيام العادية، بالإضافة إلى انتقاد بعض الظواهر المجتمعية، لكن المتلقي يقبلها، لما تُثيره من ضحك وفرجة. كما تحضر فرق موسيقية، ومجموعات تحمل عصيا كبيرة، تُحدث بواسطتها موسيقى معينة، على شاكلة رقصات الهنود الحمر، وغالبا ما تكون النار في الوسط، مع الانتقال من فضاء إلى فضاء، وكل هذه العمليات تصاحبها فرجات متداخلة. وفي السنوات الأخيرة، دخلت على المظاهر الاحتفالية أشكال جديدة مستوحاة من أفلام التاريخ، مما يُضفي الطابع على كوننا نتحدّث عن مهرجان أكثر مما نتحدّث عن "إمعشار"، بصرامته وشخصياته. فاعلون جمعويون بتزنيت ارتأوا إحياء طقوس "إمعشار"، من خلال الاستمرار في تنويع أوجه التنشيط بالمدينة، فكان ل"إمعشار" النصيب الأوفر في هذا الجانب، الذي من خلاله تحتفي المدينة بتراثها اللامادي العريق، وبقيمته ومكانته في المجتمع التزنيتي، كل ذلك من خلال منحها نفسا إبداعيا جديدا وانطلاقة جديدة، تهدف بالأساس إلى تثمين تلك المظاهر الاحتفالية الجماعية، وتكريس المزيد من الانفتاح والتعايش الثقافي، بإشراك كافة الفاعلين الجمعويين والثقافيين والطاقات الإبداعية المحلية، لتحويل فضاءات وساحات المدينة إلى مسرح كبير لفنون الشارع الاستعراضية التراثية والفرجوية. عبد الله كويتا، رئيس جمعية تزنيت تراث، التي أشرفت على إحياء طقوس "إمعشار"، عبر مهرجان "ماسكاراد إمعشار"، صرح لهسبريس أن "الماسكاراد" هو احتفال واستعراض شعبي يجمع بين ارتداء الأقنعة والسيرك والاحتفال الشعبي الذي يجوب الشوارع. وأضاف أنه عادة ما يكون هذا الاحتفال في موسم الكرنفال. وبخصوص ظاهرة "إمعشار" أو الحفل التنكري "إمعشار"، فقال إنها تعد من أبرز الاستعراضات الشعبية الفرجوية العريقة بالمجتمع التزنيتي، وأنها مستوحاة من الأعراف والتقاليد المحلية الضاربة في القدم والراسخة في المنطقة، حيث تقدّم ليلا كعرض الشارع/ الزنقة بالأماكن الرئيسية بالمدينة، في أشكال وشخوص مقنعة تغني وتمثل وترقص حول نار كبيرة، مما يمنح الجمهور فرصة التفاعل والمشاركة في هذا الكرنفال التنكري الغني بالرموز والدلالات المستوحاة من الثقافة الشعبية للمدينة. ويضيف عبد الله كويتا أن فرجات القرب اتسمت هاته السنة باستحضار تيمات تاريخية مختلفة في كل ليلة من ليالي المهرجان، من خلال نسج حكائي يقرب الجمهور من القوالب والشخوص الأصلية لهذا التراث، مثل "بلغنجا"، "أحمد أكتوبر"، "تامغرا"، "تارزيفت"، "تايرزا"، "توايا"، مشيرا إلى أن الطموح يكمن في رفع التحدي عاليا ليبقى الرهان الأساسي هو الانفتاح على العالمية وخلق شراكات وتوأمات مع مختلف المهرجانات الدولية التي تشتغل على نفس التيمة. وأشار إلى ضرورة التفكير في خلق منتدى للبحث العلمي والتاريخي حول موضوع "إمعشار"، وتطوير وتجويد هاته الفرجة الشعبية فنيا وإبداعيا، ومزج هذا التراث الأصيل بالتعابير الحديثة، من خلال خلق إقامات فنية متنوعة تروم التعريف بكل تمظهراته وروافده المتنوعة، وتجعل "ماسكاراد إمعشار" موعدا سنويا يحتفي ويعرف بالموروث اللامادي للمدينة والإقليم بصفة عامة، وكذا علامة مميزة للتعايش الثقافي ومحطة واعدة لتثمين مختلف طاقاتها المحلية والمساهمة في تنشيط المدينة فنيا وسياحيا واقتصاديا. أما محمد الشيخ بلا، نائب رئيس جماعة تيزنيت، المكلف بتنشيط المدينة، فذهب إلى كون جمعية "تزنيت تراث" أفلحت في إحياء ظاهرة "إمعشار" وإعادتها إلى الأحياء الشعبية بمدينة تزنيت عبر مهرجان "ماسكاراد"، بعد أن ضمرت في السنوات الأخيرة، وأصابها نوع من الترهل والخمول، بفعل عدم قدرة البعض على استيعاب الظاهرة التراثية التي تميز تزنيت عن غيرها من المناطق الأخرى، والحفاظ على مكتسباتها التاريخية وتطويرها بالشكل الذي يحافظ على أصالتها وبهائها. وَمِمَّا لاشك فيه، يضيف الشيخ بلا، أن التنظيم المحكم الذي ميز نسخة هذه السنة، التي لازالت احتفالاتها متواصلة، "يؤكد أن هذه الفرجة متجذرة بالمنطقة، ولها جمهور خاص ومتتبعون كثر بكل أنحاء المدينة، وهو الأمر الذي لا تخطئه العين بمختلف المحطات التي احتضنت فرجة "إمعشار"، بدءًا بالساحات العمومية داخل أسوار المدينة العتيقة وخارجها (ساحة دُّوشجاري، ساحة الجامع الكبير، ساحة المسيرة، ساحة الاستقبال، ساحة الملاعب الملحقة بالقاعة المغطاة، ساحة المشور التاريخي)". وأضاف المتحدث ذاته أن "المشاهد التي عايناها جميعا بساحات وشوارع المدينة تجذب المتلقي وتستوقفه لحظات، يطّلع فيها على عدد من الأحداث الدرامية التي تُثري الفرجة الشعبية ل"إمعشار"، وتغري بتأمل مضامينها وقيمها الكونية الإنسانية والفكرية والاجتماعية، حيث استطاعت المزج بين الطرافة والإمتاع والإبداع المفضي إلى إقناع المتلقي بأهمية إحياء هذا النوع من الفرجة، والعودة إلى التراث لاستلهام مختلف الأشكال التعبيرية والشعبية". عبد الله أكناو، المنسق الإعلامي لمهرجان "ماسكاراد إمعشار"، قال، في تصريح لهسبريس، إن "هذه التظاهرة ارتكزت على خمسة محاور رئيسية شملت فرجات القرب بشكل أساسي على مدى 10 أيام متواصلة، من خلال تقديم فن "إمعشار" وفرجة الشارع، إلى جانب أنماط فرجوية تقليدية تعتمد على التنكر وارتداء الأقنعة والأزياء الغريبة بعدد من ساحات وفضاءات المدينة، والهدف منها تقريب الفرجة وحملها إلى حيث يوجد الناس وكذا للمساهمة في خلق دينامية ثقافية فنية تساهم مستقبلا في تنشيط المدينة ودعم الرواج السياحي والاقتصادي". وبخصوص المحور الثاني، أوضح عبد الله أكناو بأنه يتعلق بالمسرح، من خلال تقديم عرض مسرحي بعنوان "كاباري أودماون" بمقومات ركحية مسرحية اعتمادا على الرصيد الفني الذي تأسست عليه هذه الفرجة، وذلك بتوظيف الأهازيج والموسيقى والأغاني والرقصات والشخوص وحكايات "إمعشار" في خط درامي متسلسل يطبعه التخيّل الذي يعكس المشهدية اليومية في حلة استعراضية، تحاول الموازنة بين الموروث والحداثة. إضافة إلى ثلاثة محاور أخرى تهم الفنون التعبيرية والتشكيلية كفن التصوير وصناعة الأقنعة لارتباطها الوثيق بتيمة الظاهرة، دون إغفال فرجة الطفل ضمن برمجة المهرجان من خلال تقديم عرض لمسرح الكراكيز خاص بالأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، علاوة على تكريم وجوه أعطت الشيء الكثير للتراث اللامادي والثقافة الشعبية بالمدينة.