إذا كانت كل الأوطان تشبهك..لماذا تريدني أن أختارك أنت؟..إذا لم تكن لي وطنا دافئا..لماذا تريدني أن أكون مواطنا لك؟.. إذا لم تكن حافظا للعهد..لماذا تريدني أن أستمر في تقديم الورد؟.. إذا لم تكن تحبني.. لماذا تعاتب جفائي لك؟.. علمني جفاؤك أن أرض الله واسعة..وعلمني كبريائي أن الحياة لا نحياها مرتين..الشعوب ما تستحقه من ذل.. والأوطان ما تزرعه من غبن.. تأخذ كل اهتمامي وتعود لتقتل آمالي..تمر من هنا مسرعا كالبرق.. تزرع اليأس وتهرب كاللص.. استعجلت الرحيل يا رفيقي..حتى لا تترك أثرا وراءك يذكرني..غافلا أن "ماهية المرور" تكمن في ما ستتركه وليس في ما ستأخذه..ألم تسمع يوما عن الأشجار التي غرست؟..والمؤلفات التي كتبت؟.. والأشعار التي نسجت؟..والبنايات التي شيدت؟.. لا لنسكنها أو نتغنى بجمالها..لا لنسافر عبر أبياتها أو نأكل من ثمارها..فقط.. بل لنتذكر بها أصحابها.. من قام ببنائها وإحيائها..ومن قام بحرقها وهدمها.. أيضا.. استعجلت الرحيل يا رفيقي.. بعد أن أوهمتني بالبقاء.. هكذا أنت تمضي مسرعا كالعمر.. تاركا وراءك خرابا لن يغفره لك ربي.. وهكذا أنا، لا أندم على طريق سلكته.. ولا على شيء فقدته.. ولا على صديق ضيعته.. فالأوراق الصفراء لا بد أن تسقط يوما، مهما كانت الرياح خفيفة..الخلود والبقاء للأصلح.. ظهورك الباهت هنا وهناك يجعلني لا أستأمن للثابت.. ولا أحس بالأمان مع المتحرك..مهما قلت، فالثنائيات تبقى الأصل فيك..جعلتني أحزن على حاضرك.. كما أحن لزمان لم أعشه بعد معك.. دع سلاحك المهترئ.. دع كلابك تستريح..لا داعي لإيقاظها..وإيقاظ جرح لم يضمد بعد..لا تظن أن التهديد سينال مني شيئا.. فإذا كان اسمك الترف والدلع، في زمن اختلطت فيه الأوراق..فثراي مازال يسكنه الشجن..إذا كان اسمك سايلا الداهية.. فو لله على عتابك ما أنا نادمة..ولغير كرامتي ما أنا راكعة..إذا كنت تتباهى بالكعب العالي الذي يلبسك.. وبهتافات المريدين من حولك..أنصحك أن تبقى الشيخ في قبيلتك..وتترك الكعب العالي خوفا على صحتك..لا تضيع وقتك مع مجنونة ليس لديها ما تضيعه..لن تربك أفكاري.. ولن أعدل عن كتابة روايتي..فأنت بالقوة جزء منها..لك ما كسبت يداك من ريع.. ولي قلمي الأحمر أدون به أحزاني.. لا تزعجني بخطاباتك الجوفاء.. ولا تحدثني عن انتسابك للشرفاء..لا تبالغ في التواضع كي تسرق الأضواء مني..لا تبالغ في وضع أحمر الشفاه..حتى لا يضنوا أنك امرأة مثلي..لا تضف أصفارا عن اليمين تبني بذلك قصورا على حسابي..قلت لك مرارا لا تتعب مسامعي بالأسطوانة المشروخة..سمعتها منك 1439 ألف مرة..غير القصيدة وغير الموال.. فتغيير المقامات نعمة..إن لم تستطع العدول عن حماقاتك.. فعلى الأقل احترم ذكاء خصمك..لا تحدثني عن الأخلاق كلما حلت المناسبات..ما دمت لم تستوعب المفهوم بعد..لا تحدثني عن الوطنية والانتماء..ما دام في الوطن جياع.. طريقي غير طريقك منذ أن فضلت الغريب..خذ المال.. العب اليانصيب.. اترك الوطن للحزن وللعويل..لا تحدثني عن الفراغ فأنت الفراغ الذي أحس به..لا تحدثني عن الصلوات لأنني بسببك سئمت "القيام" واعتزلت الصلاة..لا تحدثني عن الأموات ولا عن حج بيت الله الحرام..ما دامت اختارت الصمت والحياد..وما دامت التذكرة باهظة الثمن.. أنا لست إلها ولا عيسى المسيح..أنا معجبة بقانون حمو رابي الإنسان البسيط..أنت تصر على أن تراه مقدسا وتجعله بيني وبينك "فزاعة"..وأنا مصرة على أن أراك وإياه ظاهرة..يستحق مني التقدير وتستحق مني الدراسة والتفكيك..جعلت من الآيات بطاقة تحتال بها..ومن الكتاب تمثالا يؤثث مجلسك..ومظهرا تغري به من يجهلك..لا أدري ما سيكون مصيرك.. وما ستقوله لي وللتاريخ غدا.. (يتبع).