لا أعرف لماذا يهب حماة وحراس الفضيلة متلكئين ومستنكرين كل تربية جنسية تفتح الباب للطفل أو المراهق أو الشاب للتعرف على جسده سواء في البيت أو في مؤسساتنا التعليمية في إطار تربوي سليم؛ سعيا منه لاستكشاف جغرافية الجسد وخرائطه، تماما كما نكتشف خرائط العالم بشكل علمي مؤطر يجنبهم هفوات عوالم أخرى افتراضية أو واقعية، ويرشدهم إلى كيفية تقدير الذات واحترامها والوقوف ضد كل متحرش أو منتهك لخصوصيتها، وكأن التربية الجنسية هي تدريس للجماع أو عرض "أفلام بورنو"، ليصير الحديث عن الجنس مظهرا إباحيا، بعدما تعود المجتمع منذ نعومة أظفارنا، على لف ضفائر الفتاة البريئة خاصة بوصاياه اللامتناهية، ومحاصرتها بطفولة مستلبة مؤثثة بمحاذير وتحجيب وتحصين و عزل وتخويف وترهيب سواء في المدرسة أو البيت، واختصارها في "عورة" وكائن "هش" قابل للانتهاك في أي فلتة زمن من "وحش مغتصب" رجل تتشكل سلطته الذكورية في إطار غير سوي عبر تربية مجتمعية شاذة، ليتجسد الجنس في كل مظاهر حياتنا، سواء في صداقة بريئة أو إيماءة او همس أو نكتة أوضحكة أو جلسة متحررة ومريحة... والظاهر أن فوبيا الجنس تشكلت من تربية مجتمعية تعتيمية؛ اعتبرت الجنس من المسكوت عنه، صمت تمخض عنه تحقيرله ودسه في خانة الخطيئة أو الثمرة المحرمة أوالبهيمية، وارتباطه بجسد متهور دوني قابل للفناء في مقابل روح سماوية متعالية، مع العلم أنه من أرقى الممارسات الطبيعية، وأي تحقير له هو تحقير للحياة، نظرة دونية جردته من العواطف والمشاعر وخلقت حالة كبت وحرمان كبيرين لدى فئة عريضة من شبابنا. نظرة تبخيسية تاريخية تشكلت بذرتها في ثقافتنا العربية، جعلت الشهوة خادمة للخصوبة، ومنحت للجارية الجنس والشهوة وللسيدة الإنجاب والتبجيل، مع العلم أن تراثنا العربي لم يتهيب قط الحديث عنه بما يليق به من قدسية وخصوصية، وإن ظل يتأرجح بين الحديث عن جسد اجتماعي خاضع للمقدس وبين تخييل منفلت منه، كالحديث عن جنسانية الجنة ووصف جمال المرأة والحب والعشق ببلاغة جمالية فائقة وبلغة شهوانية، سواء في الشعر أو النثر، ويكفي الوقوف عند كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم وكتب "أخبار النساء" و"روضة المحبين" و"حادي الأرواح" لابن القيم.... لنكتشف ذلك. فالحديث عن الجنس مع أبنائنا مع مراعاة الفئات العمرية ليس عيبا أو حراما؛ولا يمكن تقويض لحظة المكاشفة معهم بتعلة الخوف على أخلاقهم، صمت قد يكون أشبه باعدام لوحة دافنشي "ليدا وطائر البجع" بحجة أنها إباحية وتتنافى مع الأخلاق في عهد لويس الثالث عشر، ذلك أن الوعي بالجنس وأساليب ممارسته يجنبهم جنسا مريضا متطرفا متورما في زمن افتراضي معولم يلجِؤون إليه لإشباع رغبتهم وشغفهم في سبر أغوار ذلك العالم، ويخلق جيلا أكثر تصالحا وتقديرا لذاته، مؤمنا بالجنس كممارسة حضارية إنسانية للحب والتواصل والجذب والتجميع والالتئام والتواصل والقدرة على زرع بدور الحياة، لا كشهوة حيوانية أو ممارسة قذرة ، بل أحد أبرز عناصر السعادة و الحياة وأساس نشوئها وارتقائها وتطوّرها واستمرارها.