رغم الجهود التي بذلت من أجل طمس استشهاد عبد اللطيف زروال من جراء التعذيب الوحشي وسوء المعاملة، انفجرت قضيته أمام الملأ. ورغم تصريح أغلب المحامين بكون محاضر البوليس ملطخة بدماء المعتقلين وبالتالي وجب إبعادها وعدم الاعتداد بها، ورغم معاينة آثار التعذيب البادية للعيان على أجساد بعض الرفاق، لم يتم الاعتراف بأي تجاوز، ولم يسأم الرئيس من النفي تلو النفي، وبدا نفيه هذا، في الحقيقة، كتزكية واستحسان لما وقع وكان يكرس في درب مولاي الشريف ومختلف المعتقلات السرية الأخرى تكريسا. وهذا اعتبار من الاعتبارات الكفيلة بإظهار أن المحاكمة لم تكن عادلة وإنما كانت فصلا من فصول مسرحية انتقام وذلك لعدة أسباب. من ضمنها أن توقيت محاكمتنا تم فرضه فرضا بالنضال المستميت. ...انتهت المحاكمة المفبركة وبقي الجميع في انتظار الأحكام. وجاء اليوم الموعود، يوم النطق بالأحكام ودامت الجلسة قسطا من النهار وليلة كاملة. وكان أول ما نطق به رئيس المحكمة: سنتين نافذة للجميع بدون استثناء نظرا لإهانتهم للقضاء. وآنذاك اقتنع جميع الرفاق أن لا أحد سيطلق سراحه إلا بعد سنتين على الأقل، حتى أولئك الذين لا تسمح طبيعة وفحوى ملفاتهم بالاحتفاظ بهم داخل السجن محرومين من حريتهم. بعد ذلك شرع الرئيس في توزيع الأحكام التي تنوعت بين المؤبد وخمس سنوات نافذة. قام ممثل النيابة بمجهودات جبارة لإخفاء حقيقة التعذيب الذي مورس على المعتقلين بمستويات متفاوتة، إلا أن مجهوداته ذهبت سدى لأن الحقائق كانت بارزة للعيان. وكان توفير الدليل بصمت، دون كلام: انتصب عبد الله زعزع وغيره أمام الهيئة، وجها لوجه، وخلع حذاءه ومكن الهيئة من معاينة آثار التعذيب، وكان ذلك بمثابة إدانة صامتة لم تكن في حاجة لا إلى كلام ولا إلى تعليق. وكلما كان أحد المحامين، وما أكثرهم، يثير إساءة معاملة المعتقلين والتعذيب الذي مورس عليهم، كان ممثل النيابة يردد إجابة أصبحت اعتيادية لديه، يرددها بالحرف الواحد دون تغيير، وهي النفي وكون ما يقال هو مجرد اختلاق من طرف المتهمين تهربا من ثبوت التهم الموجهة إليهم، وذلك رغم علمه علم اليقين بعدم صحة ما يردده، وكان كلما ردد ذلك تبرز المهزلة أكثر لأن علامات التعذيب كانت لا تزال بارزة على الأجساد. رغم أن المحامي الفرنسي بمساندة هيأة الدفاع، طالب بإبعاد محاضر الشرطة وعدم اعتبارها لأنها نتاج لتعذيب وحشي ذهب ضحيته الشهيد عبد اللطيف زروال، أصرت المحكمة على ضرورة الاعتماد عليه، وبذلك كذبت آثار التعذيب الماثلة أمامها وصدقت كل ما ورد في المحاضر من اعترافات منتزعة بالدم وما فبرك منها، وهذا في حد ذاته مشهد من مشاهد فصول مسرحية المحاكمة الصورية. وقف المحامي الفرنسي، الذي جاء لبلادنا للدفاع عن منظمتنا " إلى الأمام" وبعض الرفاق وقال:" إن مرافعتي ستبدو لكم غريبة نوعا ما، لكن الظروف هي التي فرضتها " تم صمت ولم ينبس بكلمة..وبعد مدة أردف: هذه مرافعتي، ابتدأت عندما صمت وانتهت عندما نطقت من جديد معلنا عن نهايتها، وذلك اعتبارا للظروف التي طبعت هذه المحاكمة والطريقة التي سارت بها مجرياتها. وللإشارة فإنه هو المحامي الذي قدم ملتمسا للمحكمة يطلب فيه إبعاد محاضر الشرطة لأنها ملطخة بدماء الشهيد عبد اللطيف زروال. كما أن محامية فرنسية هي كذلك، جاءت لبلادنا لمؤازرة بعض المعتقلين، وأثارت بدورها إشكالية المعاملة والتعذيب، لكن ممثل النيابة أجابها أكثر من مرة قائلا إن جميع الاعترافات أخذت طواعية وبمحض إرادة المتهمين دون اللجوء إلى أي نوع من الضغط والإكراه بدنيا كان أو معنويا..وتبسمت المحامية الفرنسية طويلا...وبرزت المهزلة بصورة أكثر فظاعة. نعتنا من طرف إدارة سجن القنيطرة بالسياسيين لم يكن اعترافا منها بصفتنا ولكن من باب ترهيب سجناء الحق العام بهدف إبقاء جدار العزلة بيننا.