جهة تافيلالت منبت الحكم والكلام المرصع، بها الملحون نشأ وبها الأخلاق سارت وانتشرت، التواصل القديم بين ساكنتها يطبعه العجب بالرمز والإيحاء والدلالات العميقة، بالإيجاز تصل الرسائل وبالغمز تُقضى الحوائج، وتحصل المنافع. وكم هو مكروه عندهم "الدُّوايْ" الكثير الكلام باللغو الزائد عن الحد، وكم هو مقيت عندهم "الحَشّايْ" والمتحايل، وقلما ينتقمون لطيب أخلاقهم وتسامحهم خاصة خارج منطقتهم، فاشتهروا بالصبر وطيب الخلال والصدق والأمانة. رموز الكلام في لغة أهالي تافيلالت في كلامهم عند الانتشاء وحين يحلو الجلوس ويطيب يوظفون رموزا قد لا يتقن دلالتها غير أهالي المكان، فتسمع في لغوهم "هداك الزارعو" أو "الحشّاي".. والمقصود باللفظة هو الشخص الذي يزرع نفسه ويقحمها في كل شيء، وقد تعني الشخص الذي يكره العمل والتعاون مع الآخرين؛ لكنه يريد النصيب من كل شيء، بالاحتيال وحسن الكلام واللباقة والتوادد.. وقد ينعته الناس ب"الزارعو"، ويتعاملون معه بنوع من الاحتياط والسذاجة، ولا يستطيع أحد أن يعتدي عليه لأنه ابن البلدة أو ابن الدرب أو ابن القصر، له ما يميزه من بعض السلوكيات الاجتماعية، الذي شب عليه الجميع تحت جدران السقيفة أو بمدخل" إغرمان" بلغة أخرى. "الزارعو" يخيط ما لا يخيط "الزارعو" قد يكون "حمان" أو "عبد الرحمان" أو "قديدير" أو "وزّون"، بشكل عام من مواصفاته كثرة الحركة ومخالطة كل الناس بالكلام اللائق و"تخييط" ما لا يخيط، وقد يقترب من لغة الطفيليين عند العرب القدماء وال"قوالبي" بلغة لأهل العصر. وقد تتعدد مواصفاته حسب المناطق ولا يخلو أي قصر من قصور الجنوب الشرقي، قد يكون الشخص الذي يبحث عن الولائم، ويقحم نفسه بين أهل الحفل، وكأنه منهم من أجل تجنب المضايقة، يشبعك كلاما طيبا، ويكثر من الرحمة على والديك، وقد يخترع قصصا مع والدك أو والدتك من أجل تثبيت القدمين. وكم يكره أن يتطفل على مجلسه الأطفال أو الصغار الذين لا نفع فيهم، أو حتى الكبار الذين خبروا "قوالبه" جيدا، يتنقل في القيلولة وفي الضحى وقل ما يظهر ليلا ربما خوفا من الانتقام أو لكونه يخطط ل"تبزنيس آخر" في اليوم الموالي. الانشراح والضحك في السلوك "الزارعو" لفظة سلوكية ولغوية مليحة يتبعها الانشراح والضحك، وننعت بها في بعض الأحيان كل شخص يجنح إلى منفعته الخاصة دون التفكير بالمساس بالآخرين، وهو اسم له مرجعيته الثقافية بقصور تافيلالت، وهو إرث لغوي بعيد المنال والفهم عند شباب العصر وشباب "الدجين" المثقوب من كل الجوانب، ولكل زمان رجالاته. وليس هناك نموذجية ممكن لأن نقيس عليها كل الأشياء ليسير الزمان على نمط واحد، ويصعب أن نقول زماننا أفضل من زمانهم لأن الدهر في تحول والسلوكيات في تحول والإنسان أيضا في تقلب.. والاسم قريب من الاندثار والانتهاء؛ لأن مدة صلاحيته قد انتهت، وأصبح قليل التداول، وسيمحوه الزمان كما محا أهل الفضل والنهى، وكما محا الرجال الأشاوس. لكن السلوك الفعلي ل"الزارعو " ما زال مستمرا لأنه مبني على التحايل، حيث انتقل الفعل السلوكي إلى موظفين سامين وموظفين عاديين يشتغلون في الحقل التربوي للأسف، وهو الميدان الذي يجب أن يكون نظيفا، ففسدت بعض قيمهم، وامحت الخصال والخلال بزرع قيم تربوية غير شريفة في ميادين التواصل والعمل والتربية. *كاتب وباحث في التراث المحلي / الرشيدية