في المملكة، يقر مغاربة بانضمامهم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، التي تتخذ من لندن مقرا لها ومقاما ل"أمير المؤمنين" و"الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام"، وهو ميرزا مسرور أحمد، وفق معتقداتهم التي مازالت تثير جدلا وسط الساحة الإسلامية، ومنها إيمانهم ب"نظام الخلافة"، وظهور "المسيح الموعود والمهدي المنتظر"؛ قبل قرابة القرن في قاديان الهندية. هسبريس أجرت حوارا مع أحد الأحمديين المغاربة، الذي فضل عدم الظهور باسمه الكامل مخافة التعرض لأي تضييق من طرف السلطات المغربية التي تراقب الجماعة عن كثب، في وقت تباشر سلطات الجارة الجزائرية حملة من الاعتقالات الواسعة منذ أشهر ضد أعضاء الطائفة، بمن فيهم زعيمهم محمد فالي، بمبرر أنهم "يجمعون تبرعات ويقومون بنشاطات غير مرخصة"، و"استشعاراً منها للخطر الذي يشكله تزايد عددهم". محاورنا إلياس، المقيم في كندا، والذي اعتبر أن ما سيرد في تفاصيل الحوار يعبر عن "أحمدي مغربي"، ولا يمثل بالضرورة رأي الجماعة الإسلامية الأحمدية ذات التوجه العالمي، كشف لهسبريس أن الطائفة "متواجدة تقريبا في كل مناطق المغرب وإن بنسب قليلة"، نافيا أن تكون الجماعة تتلقى أي دعم أجنبي، خاصة من الولاياتالمتحدة. وأثارت هسبريس مع الأحمدي المغربي الرغبة في تأسيس كيان قانوني في المملكة، فأقر بأن الأحمديين المغاربة تقدموا فعلا قبل سنوات بطلب لتأسيس فرع للجماعة بالمغرب، أو جمعية تحمل اسمها وتخضع لقانون الجمعيات، لكن دون أن يتم قبول الطلب إلى حدود الساعة، نافيا أن تكون هناك مضايقات تمارسها السلطات المغربية تجاه الأحمديين، مثلما فعلت الجزائر في الأشهر القليلة الماضية. مواضيع أخرى، مثل موقف الأحمديين من الملكية وإمارة المؤمنين وهويتهم الدينية والفكرية وما إن كانوا طائفة أو جماعة أو دينا جديدا، وهل يفكرون في الخروج إلى الشارع يوما أو الضغط على المغرب دوليا لأجل الحصول على حقوقهم في العمل العلني والقانوني، تطرحها هسبريس في لقائها الصحافي الذي جمعها بناشط أحمدي مغربي، هو أيضا عضو في لجنة الأحمديين في كندا لتتبع ملف رفاقهم في الجزائر. في ما يلي النص الكامل للحوار: بداية، كيف تفسر عقيدة الطائفة الأحمدية، هل فعلا تؤمنون بوجود رسول ثانٍ مبعوث للمسلمين بعد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام؟ عقيدتنا هي الإسلام، بلا زيادة ولا نقصان، فالجماعة الإسلامية الأحمدية هي جماعة من المسلمين الموحدين الذين لا يعتقدون بغير الإسلام دينا. نؤمن بأركان الإيمان الستة، ونتعبد بأركان الإسلام الخمسة. لا كتاب لنا إلا القرآن الكريم ولا رسول ولا شفيع إلا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا قبلة لنا إلا مكة.. نستن بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونهتدي بهديه وهدي صحابته. الاختلاف الجوهري الوحيد بيننا وبين غيرنا من المسلمين هو في شخصية الإمام المهدي والمسيح الموعود؛ فغيرنا يرون أنه لم يبعث بعد، ونحن نؤمن بأنه بُعث وفقا للوقت والأنباء المتعددة المتضافرة، وهو مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام. لم نأت بعقيدة مبتدعة، ولم نضف شيئا إلى الإسلام أو نحذف شيئا والعياذ بالله. أما مسألة النبوة، فجماعتنا أصلا قامت دفاعا عن خاتمية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو النبي الأخير الذي لا دين بعد دينه ولا كتاب بعد القرآن ولا شريعة بعد الإسلام، وأنه لا يمكن أن يبعث نبي بعده بدين جديد أو شرع جديد أو ينسخ حرفا أو يضيف حرفا إلى الإسلام، بينما يؤمن غيرنا بأن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل منها نبيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وسوف ينسخ أحكاما من شرع الإسلام ويعطل أحكاما. وهل تؤمنون بغير هذا فعلا؟ نحن نؤمن بأن عيسى عليه السلام ميت بأدلة قاطعة من القرآن الكريم، وأنه لن يعود بنفسه مطلقا، وأن الإيمان بهذه العودة هو كسر لختم النبوة، لذا نفسر أنباء نزول المسيح في آخر الزمان التي وردت في الحديث الشريف على أنها تعني بعثة خادم تابع للنبي صلى الله عليه وسلم من الأمة الإسلامية، لا يكون نبيا جديدا ولا يأتي بشرع جديد، بل ينال مقام النبوة تشريفا بسبب اتِّباعه للنبي صلى الله عليه وسلم. فلا نبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولن يبعث بعده نبي كالأنبياء السابقين، سواء كان قديما أو حديثا. باختصار، نحن نقول إننا الجماعة الموعودة التي أنبأ عنها القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، والتي سيؤسسها خادم للنبي صلى الله عليه وسلم الذي أشار إليه القرآن الكريم وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الجمعة، بأنه رجل فارسي تارة، وبأنه المسيح الموعود النازل في آخر الزمان في الأحاديث تارة، وأنه المهدي في الأحاديث الأخرى تارة أخرى. وماذا عن "نبي آخر"؟ الادعاء بأننا نؤمن بنبي جديد هو تزييف وتحريف من قبل خصومنا، لأنه سيتبادر إلى الذهن مباشرة أننا نؤمن بدين جديد وكتاب جديد ونبوة جديدة، وهذا كله ليس صحيحا. علما أن خصومنا هم من يؤمنون بنبوة بعد نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي نبوة عيسى الذي يرونه حيا في السماء، بينما نبينا صلى الله عليه وسلم ميت! هل تعتبر الأحمدية طائفة أم ديانة أم جماعة إسلامية؟ نحن أولا وأخيرا جماعة من المسلمين، وهي وفق اعتقادنا الجماعة الموعودة التي جاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم في سورة الجمعة، خاصة في قوله تعالى "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم"، ونؤمن بأننا الجماعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون الفرقة الناجية عند اختلاف المسلمين وتفرقهم وتشتتهم. وما نعتقده هو أننا تحقيق لنبأ النشأة الثانية للإسلام التي أخبر عنها القرآن الكريم والحديث الشريف، والتي ستنشأ بعد عصر انحطاط المسلمين وضعفهم لتنهض بهم من جديد، وأن جماعتنا هي الجماعة التي تحمل لواء الإسلام لتحقيق نشر رسالته ومن ثم ظهوره على الدين كله وفقا للأنباء. وهذه الدعاوى تدل قطعا على أننا لسنا دينا جديدا ولا طائفة مبتدعة، بل نحن حركة في الإسلام ترتكز ارتكازا كاملا على عقائده وأنبائه وتقدم نفسها تحقيقا لها. وما صلتكم بالسياسة كتوجه ديني؟ قطعا لسنا جماعة إسلامية سياسية أو اجتماعية أو غامضة الأهداف والملامح – كشأن الجماعات الأخرى- قامت على اجتهاد أو نتيجة ظروف معينة. وبالطبع أيضا فنحن لسنا طائفة بالمفهوم الذي أصبح سائدا والمرتبط بالانغلاق والتركيز على تحقيق الحقوق أو المكاسب الخاصة، أو التي تسعى إلى الاعتراف بها والحفاظ على هويتها فحسب. فنحن جماعة منفتحة، من أهدافها خلق الانسجام والتعايش والتآلف بين أفراد المجتمع. ورغم أننا جماعة دعوية تبليغية إلا أننا نؤمن انطلاقا من فهمنا للإسلام العظيم بأن المسلم الحقيقي هو المتفاني في عبودية الله تعالى وفي خدمة خلقه. لذلك فإن الانضمام إلى هذه الجماعة أو التعامل معها يجعل الشخص أكثر انسجاما مع محيطه ويصبح منسلكا في خدمة مجتمعه ومنفتحا عليه. كم تقدر عدد الأحمديين المغاربة ولماذا لا يظهرون في العلن؟ كما سبق وتقدمت، ليست لي مسؤوليات في الجماعة بالمغرب، وليست لي الصفة لكي أكشف معطيات أنا شخصيا لا أتوفر عليها. لكني أقول إن الجماعة الإسلامية الأحمدية في المغرب متواجدة تقريبا في كل مناطق المغرب، وإن بنسب قليلة. أما عن الظهور في العلن فهذا أمر اختياري ولم يسبق للجماعة أن منعت أحدا منه. بالعكس نحن نرفض التقية والكذب والتحايل رفضا مطلقا. الانتماء إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية هو فخر لكل مسلم أحمدي. وحسب تجربتي ومعرفتي فالمسلمون الأحمديون أكثر الناس نشاطا في نقاش المواضيع الدينية وتفسيرات القرآن، سواء في حياتهم الواقعية أو على وسائط التواصل الاجتماعي. في الجزائر مثلا يتعرض الأحمديون لحملة منع مستمرة من طرف السلطات بتهم غالبها زعزعة عقائد المسلمين.. ما موقفكم من هذا التوجه، وهل تخافون من التعامل ذاته في المغرب؟ أنا عضو في لجنة شكلتها الجماعة في كندا من أجل تتبع ملف الإخوة الأحمديين في الجزائر. وقد مكنني هذا من الاطلاع عن كثب على هذه القضية. الاضطهاد في الدين هو سنة الظالمين من معارضي الأنبياء والمجددين والمفكرين عبر التاريخ، وكما لم يفلحوا في الماضي فلن يفلحوا في المستقبل. الجماعة الإسلامية الأحمدية تقدم فكرا قويا، والفكر لا يمكن أن يقضي عليه إلا فكر أقوى منه وأكثر انسجاما. أما الاعتقال والمنع والاضطهاد فلا يزيد الفكر إلا مصداقية ولا يزيد حامله إلا إصرارا وقوة وثباتا وإيمانا. فمن كانت عقيدته قابلة للزعزعة فالمشكلة فيه لا في من يحمل عقيدة كفيلة بزعزعة ما عنده. لا يسعنا أن نقول حول ما يحدث في الجزائر إلا حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله. وندعو الله أن يهب مسؤولي المغرب الحكمة والبصيرة لعدم السقوط في نفس المستنقع النتن الذي وقعت فيه الجزائر. وكلنا تفاؤل في هذا الباب. يشاع أن الأحمديين تدعمهم دول أجنبية، خاصة أمريكا، هل هذا صحيح؟ إن كان هناك من وباء دمر أوطاننا وعقول شبابنا فهي نظرية المؤامرة. الاتهام بالدعم الأجنبي والعمالة للعدو الخارجي وتلقي الأموال من الصهاينة والأمريكان هو للأسف من التهم الجاهزة نفسها التي يلفقها الضعفاء فكريا من أجل التغطية على عجزهم الفكري والبياني في إثبات صدق ما عندهم وطمس كساد بضاعتهم. الجماعة الإسلامية الأحمدية لا تتلقى ولا دولارا واحدا من أي طرف أجنبي، وكل مواردها ذاتية، مصدرها تبرعات المسلمين الأحمديين عبر العالم، إذ يدفع كل مسلم أحمدي 6.25٪ من دخله الشهري، وهناك من يدفع أكثر من ذلك بكثير. وتصرف أموال الجماعة في تسيير أمورها، وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات وطباعة الكتب، إضافة إلى مصاريف القنوات الفضائية والإذاعية. وأذكر أن الحكومة الكندية منحت للجماعة أرضا لبناء مسجد لها عليها، إلا أن حضرة الخليفة رفض العرض وشكر الحكومة، وبين أن الهدف ليس بناء المساجد بقدر ما يكون هو مساهمة المسلمين الأحمديين في بنائها وتضحياتهم من أجل إعلاء راية الإسلام. ولماذا زعيم الأحمديين ومقر الأنشطة العالمية في لندن وليس في دولة إسلامية؟ تأسست الجماعة الإسلامية الأحمدية على يد المسيح الموعود عليه السلام سنة 1889 في قاديان بالهند، بعد أن أمره الله تعالى بأخذ البيعة من أتباعه. وظل المركز في قاديان بعد وفاة المسيح الموعود إلى عهد خليفته الثاني، حيث انتقلت بعيد تأسيس باكستان سنة 1947 إلى مدينة لاهور لفترة قصيرة، ثم بعدها إلى مدينة ربوة التي أسسها الخليفة الثاني للمسيح الموعود سنة 1949. واستمر المركز هناك في ربوة إلى سنة 1984 بعدما أصدر الرئيس العسكري ضياء الحق بتحريض من مشايخ باكستان قانونه الغاشم القاضي بسلب المسلمين الأحمديين الحريةَ الدينية والحقوقَ الإنسانية الأساسية وحرمانهم من التمسكَ بشعائر دينهم الإسلام. في تلك السنة تلقى حضرة الخليفة الرابع بشارة من الله تعالى بحتمية هجرته سالما إلى بلد آخر. وكانت الوجهة لندن لسبب بسيط هو توفر جماعة من المسلمين الأحمديين هناك، ووجود مسجد الفضل الذي افتتحته الجماعة سنة 1924، وكان أول مسجد للمسلمين في لندن. هذا بالإضافة إلى مساحة الحرية الدينية والفكرية التي توفرها بريطانيا ليس للأحمديين فقط، بل لكل التيارات السياسية والدينية والفكرية في العالم. إذن هذا مبرر تواجدكم الكبير في لندن.. لكن هناك دول إسلامية أخرى تتوفر على أجواء من الحرية، لماذا لم تختاروها كمقر؟ أن يكون المركز في دولة إسلامية هو منتهى حلم الجماعة قيادة وأفرادا. لكنك ترى أن بلداننا أنظمة وشعوبا أبعد عن استيعاب الحرية الدينية والقدرة على التعايش مع المختلف. فكيف لمن يصدق فتوى تكفيرنا وردتنا ويعتقد بوجوب قتل المرتد أن يتعايش معنا أو حتى يقبل السماع منا؛ ناهيك عن أن يسمح لنا بالتبليغ وتنظيم المحاضرات والمؤتمرات في أرض يعتقد أن سماءها لا تتسع لغير مذهبه، على حد تعليق أحد الأصدقاء. من أجل استجلاء الحقيقة على لسانكم ودرءًا للاتهامات الموجهة إليكم، هل أنتم مسلمون عقيدة وسلوكا وعبادات؟ كنت قد أجبت على ذلك سلفا في البداية، ولكن أرى أن أفضل جواب هو ما كتبه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام بنفسه في هذا الباب. يقول حضرته: "أما عقائدنا التي ثبَّتنا اللهُ عليها، فاعلم يا أخي، أنّا آمنَّا بالله ربًّا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وآمنَّابأنه خاتَم النبيين، وآمنَّا بالفرقان أنه من الله الرحمن، ولا نقبل كلَّ ما يعارض الفرقانَ ويخالف بيِّناتِه ومحكماتِه وقصصَه، ولو كان أمرًا عقليًّا أو كان من الآثار التي سمَّاها أهل الحديث حديثًا، أو كان من أقوال الصحابة أو التابعين". (تحفة بغداد) ويقول: "نحن مسلمون، نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد، قائلين: لا إله إلا هو. ونؤمن بكتاب الله القرآن، ورسولِه سيدِنا محمدٍ خاتمِ النبيين. ونؤمن بالملائكة ويوم البعث والجنة والنار. ونصلي ونصوم، ونستقبل القبلة، ونحرّم ما حرّم الله ورسوله، ونُحِلُّ ما أحَلَّ الله ورسوله، ولا نزيد في الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرة. ونقبل كلَّ ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنْ فهِمنا أو لم نفهم سِرَّه ولم نُدرك حقيقته". (نور الحق) ويقول أيضا: "لا يدخل في جماعتنا إلا الذي دخل في دين الإسلام، واتبع كتابَ الله وسُننَ سيدنا خيرِ الأنام، وآمَنَ بالله ورسوله الكريم الرحيم، وبالحشر والنشر والجنة والجحيم، ويعِدُ ويُقرّ بأنه لن يبتغي دينًا غير دين الإسلام، ويموت على هذا الدين دينِ الفطرة متمسكًا بكتاب الله العلام، ويعمل بكل ما ثبَت من السنة والقرآن وإجماع الصحابة الكرام. ومن ترك هذه الثلاثة فقد ترك نفسه في النار، وكان مآله التباب والدمار". (مواهب الرحمن) وما مواقفكم من الثوابت، كإمارة المؤمنين والملكية والإسلام وباقي القضايا الوطنية؟ نحن أولا قبل كل شيء مغاربة، ويسرنا ما يسر المغاربة ويسوؤنا ما يسوؤهم. بخصوص القضايا السياسية يجب التذكير بأن جماعتنا هي جماعة عالمية وليست جماعة قطرية محلية، وهي جماعة دينية وليست كيانا سياسيا، ولا جزءا مما يسمى الإسلام السياسي. ندعو إلى السلام، والعدل، للحرية، والمحبة وكل القيم السامية التي تتفق عليها كل الأديان وكل الفلسفات. الملكية وإمارة المؤمنين في المغرب منصوص عليهما في الدستور وتشكلان جزءا مهما من ثوابت الأمة المغربية. وكما قال الملك نفسه مؤخرا إنه أمير للمؤمنين بكل الأديان، وليس فقط للمسلمين. وفي نظري فإمارته تسع المغاربة جميعا، بمن فيهم الملحدون واللادينيون ما داموا يحملون الجنسية المغربية. ونحن كمسلمين أحمديين نعتقد أن طاعة أولي الأمر من صميم تعاليم الإسلام، وولي الأمر عندنا يبدأ من رب البيت إلى رب العمل إلى الحاكم المحلي والوطني. علينا طاعة كل هؤلاء في نطاق مسؤولياتهم. في الآونة الأخيرة ظهرت دعوات من أقليات دينية، كالشيعة والمسيحيين، تدعو السلطات إلى منحها حرية الاعتقاد والعبادة وعدم متابعتها بالقانون تحت ذريعة زعزعة عقيدة مسلم.. هل ترون أنفسكم معنيين بهذا النقاش.. هل ستخرجون يوما للمطالبة بحقوقكم؟ حرية الاعتقاد والعبادة والتجمع السلمي وتنظيم المؤتمرات والندوات الفكرية والعقدية، هي أمور يجب أن تبادر الدولة، قبل الأقليات الدينية، إلى توفيرها لكل مواطنيها بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم أو فكرهم، ما دام هذا الفكر لا يدعو إلى إقصاء الآخر ولا يحرض ضد سلامة الناس وأمن الوطن. هذه القيم التي أصبحت للأسف اليوم متوفرة في بلدان الغرب وغائبة في بلدان المسلمين، هي في أصلها قيم إسلامية قرآنية، فقد كان القرآن الكريم سباقا لإعلان الحرية الدينية في قوله تعالى: "لا إكراه في الدين"، "و من شاء فليومن ومن شاء فليكفر"، في وقت كانت دعوات الإكراه في الدين والتحذير من زعزعة عقيدة الآباء والأجداد وما يتلوها من اضطهاد وتقتيل صادرة عن معارضي الأنبياء إما خوفا على مصالحهم الدنيوية أو الدينية أو جهلا منهم بقيمة الإنسان وقيمة الحرية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من إنسانية الإنسان. وماذا عن الخروج إلى الشارع مثلا للتعبير عن مواقفكم؟ مبدئيا نحن معنيون بكل نقاش حول موضوع الحرية الفكرية والعقدية، وإن اختلفت مناهج تفاعلنا مع النقاش عن مناهج الإخوة الشيعة والمسيحيين. أما عن الخروج للاحتجاج في الشارع فلم يكن يوما أسلوبنا، حتى في أحلك الظروف في باكستان حيث تفجر مساجد الأحمديين ويقتل الأطفال والنساء. أسلوبنا هو أولا الدعاء، إذ نعتقد أنه لا يتم لنا أمر إلا به، وثانيا سلك سبل النصح والموعظة عن طريق الكتابة والتأليف والحوار، لعل الله يحدث من عنده أمرا. هل تفكرون في تأسيس هيئات مدنية أو سياسية تجمعكم أو تتحدث عن مواقفكم وتدافع عنها؟ وهل تتصورون تأسيس فرع للجماعة الإسلامية الأحمدية في المغرب؟ حسب علمي، فالإخوة في المغرب قدموا قبل سنوات طلب تأسيس فرع للجماعة بالمغرب، أو جمعية تحمل اسمها، وتخضع لقانون الجمعيات. لكن أظن أن الأمر مازال يتبع المسطرة الإدارية، وليس هناك تصريح للجماعة إلى حد الآن، وإن لم تكن هناك مضايقات للإخوة المسلمين الأحمديين في المغرب. أما العمل السياسي فهو أبعد ما يكون عن أهداف الجماعة وأنشطتها. وأرجو من الله تعالى أن يكون المغرب سباقا للترخيص للجماعة ولكل التيارات الفكرية السلمية بالعمل بكل حرية في إطار القانون. هل تتفقون مع ما يجري في العالم الإسلامي وأمة تقترن بالإسلام؟ لقد انحدرت الأمة الإسلامية إلى حضيض الأمم في كل ميادين الحياة المادية، أما على المستوى الروحاني فلم يعد من إيمان الناس إلا الاسم الموروث، وصرنا مضرب المثل في التخلف والفساد والمظالم والغش والنفاق. وخرج من أحيائنا ومداشرنا من حملوا سيف الإرهاب وسوط الجلاد، وكلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. هذا في وقت تتعالى أصوات المثقفين والمفكرين منادين بضرورة تجديد الخطاب الديني من أجل تحقيق نهضة إسلامية حقيقية. نقول لكل هؤلاء إن التجديد في الدين من المهام التي استأثر الله بها لنفسه وكان عز وجل كما تنبأ رسوله صلى الله عليه وسلم يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها، وقضت رحمته أن يبعث لهذه الأمة على رأس القرن الرابع عشر من يقوم بالتجديد الشامل في زمان الفساد الشامل، وقد قام هذا المبعوث بحق بمهامه التي أنيطت به، كما صحح عددا من العقائد الفاسدة التي توارثها المسلمون وأنتجت جيلا من الخرافيين وآخر من الدمويين الإرهابيين. تعليق أخير عما يجري في الجزائر من اعتقالات للأحمديين.. إذا كان العدل أساس الحكم فإن الحرية هي الضامن لاستمراره وتقويته. فقوة الدول تستمد أساسا من تعدديتها وتنوعها الديني والمذهبي والثقافي واللغوي والعرقي وليس من الدين الواحد والمذهب الواحد واللغة الواحدة والثقافة الواحدة. عندما تنجح بلداننا في استيعاب هذا الدرس ستكون قد أقامت الأساس الكفيل بتأسيس دول مدنية تحمي الجميع وتضمن حرية الجميع وتعامل الجميع بالعدل ويحس الجميع بفخر الانتماء إليها ويبذل الجميع جهده من أجل تطويرها. عندها فقط يمكننا القول إننا في طريق النهضة الحقيقية.