من التأسيس إلى الإفلاس تجاوزنا، اليوم، الستة عقود على انطلاق التجربة الحزبية المغربية. ولئن بدت الفترة قصيرة؛ إلا أنها تحتاج إلى الدراسة والبحث من قبل الباحثين المغاربة، بعدما انشغل بها أكثر الباحثون الفرنسيون على وجه الخصوص.. إن الباحث في تاريخ المؤسسة الحزبية بالمغرب والراغب في رصد منعطفات الظاهرة الحزبية بالمغرب، منذ نشأتها إلى الآن، يمكنه أن يتوقف على أربع محطات أو منعطفات وسمت مسيرتها: المنعطف الأول: جسدته لحظة النشأة أو التأسيس التي تمت في زمن الاستعمار، وعلى وجه التحديد بعد فشل الظهير البربري في التفريق "اِثْنِيّا" بين المغاربة، وهنا لعبت الأحزاب المغربية دور الأداة السياسية والتنظيمية المُوَجَّهَةِ لمكافحة الاستعمار. طبعا، مرّت قُرابة العقدين لتخرج المؤسسة الحزبية من معركة نيل الاستقلال بنصر وَثَّقَتْ له اتفاقية "إيكس ليبان" التي أعطت المغرب استقلالا ناقصا.. المنعطف الثاني: تجسد في لحظة النضال ضد السلطة والمخزن الذي تقوى على حساب أحزاب الحركة الوطنية، وتقويه هذا تم باستغلال إمكانات الدولة الحديثة التي وَطَّنَ لِبَعْضٍ من ملامحها المستعمر الفرنسي. وبخلاف المرحلة السابقة، خرجت المؤسسة الحزبية هذه المرة وهي منهزمة من الصراع؛ فالدولة استطاعت فرض سلطتها ومصادرة كل خيار أو توجه يتعارض مع اختياراتها باللجوء إما إلى القمع أو الاحتواء أو التجاهل... المنعطف الثالث: تجسد مع مرحلة التوافق مع المؤسسة الملكية، هذا التوافق أسفر عن قبول أحزاب الحركة الوطنية لدستور 1996 الذي كان الآلية القانونية التي عَبَّدَتِ الطريق لتجربة التناوب التوافقي، حيث تحولت أحزاب ما كان يسمى بالمعارضة إلى شريكٍ مصغر في الحكم، مشروعه وخياراته وأسلوب إدارته كان الغرض منها إخراج البلد مما سمي حينها ب«السكتة القلبية". المنعطف الرابع: يمكن القول بأنه سجل بدايته بعد أحداث ما سمي ب«الربيع العربي» واحتجاجات ما اصطلح عليه ب"حركة 20 فبراير"، والذي انحنت فيه الدولة نسبيا لعاصفة التغيير التي هبّت على مجموعة من الدول التي لنا امتداد إقليمي وتاريخي معها، وهو ما تجلى في إخراج دستور 2011، وهنا وجدت المؤسسة الحزبية نفسها أمام موقف الداعم لكل إجراءات الدولة والمنفذة لكل إملاءاتها، الأمر الذي جعل منها مؤسسات حزبية طَيِّعَة في يد الدولة، إلى درجة أن تماهيها مع الدولة شَكَّل لهذه الأخيرة حرجا، جعلها تنتقدها باستمرار، وتفكر في خلق جيل جديد من المؤسسات الحزبية الذي يقطع مع المشروعية التاريخية ويكرس لمشروعية الولاء للسلطة والعمل على تنزيل مشاريعها السياسية، ويتحمل مسؤولية إخفاقاتها.