في هذه الجولة المقتضبة سنعيد نوسطالجيا عيد الأضحى بمدينة شفشاون إلى عقاربه القديمة، بعدما صاغ بطقوسه لسنوات خلت هويتنا وما زال في الحاضر.. وسنقف على بعض عاداته وتجلياته الجماعية الغنية التي تختزن الكثير من الدلالات، لنتذكّر ما تراكم وتغيّر ومضى، ونستحضر بعض عناوين الأجداد. يؤكد محمد بن يعقوب، الباحث في التراث المحلي لشفشاون، أن من طقوس هذه المدينة المرتبطة بعيد الأضحى حضور تيوس من المناطق القروية المجاورة، المتميزة رشاقة وامتلاء وقروناً، ويبدأ تقاطرها على المدينة منذ دخول شهر ذي الحجة، وتكون فترة ذروة التقاطر في الأيام الثلاثة التي تسبق عيد الأضحى. ويواصل بن يعقوب: "سوق الأضاحي كان يوجد بساحة سيدي بلحسن بدءاً بالطرافين، وقد يكون اقتناء بعضها وهي في طريقها إلى السوق عند دخولها من "باب العنصر" المجاورة لنبع رأس الماء، في مجموعات تسمى "الدُّلة"، وكان هذا التقليد مقترناً بالزمان والمكان؛ فالزمان مرتبط بالأيام السابقة لعيد الأضحى حتى صباحه، والمكان هو المدينة وأحياؤها جُملة". ويروي الحاج امحمد العبودي، قيدوم الجزارين بشفشاون وذاكرة تحفل بالكثير من العادات والتقاليد التي ارتبطت بالمدينة، أن سكانها كانوا يتزودون قديماً بالأضاحي من اغمارة المعروفة بمراعيها الطبيعية الجيدة والتي تضم مداشر بني زجل وبني امحمد ودَلدَالْ .. حيث كان الجدي (ذكر الماعز) متوفراً بكثرة، بل كان هناك من يأتي لاقتنائه من طنجة وتطوان وفاس، لتوفره على العديد من المزايا الصحية، كما كان يتم تعليفه ب: "إيبَاوَنْ" (الفول الصلب ذو القشور البنية والسوداء) و"الشعير" و"الكُورْسنّةْ" (حبوب مُكورة صغيرة). ويضيف المتحدث نفسه أنه من عادات العيد المنتشرة آنذاك بين الشباب واليافعين وبعد اقتناء الأضحية، يتم القيام برعيها جماعيا بغابات سيدي أحمد الوافي وسيدي عبد الحميد وجنان القايد، بحيث كان ثمن الجدي يتراوح ما بين 200 درهم للحجم المتوسط إلى 500 درهم للحجم الكبير.. وعن أسماء من كانوا يتاجرون في الماشية بمدينة شفشاون، يذكر قيدوم الجزارين بشفشاون والذاكرة التي تحفل بالكثير من العادات والتقاليد التي ارتبطت بالمدينة: الحاج التويجر والهواري والهراس، فضلا عن "كسّابة" آخرين بضواحي المدينة من مداشر لوبار ومشكرالة وتيسوكة. كما كانت أدوات العيد من أكياس الفحم والمجامر الطينية والسفافيد والشوّايات و"الشّطْبة" ( كلأ الماشية) تباع بأدراج الرمّانين. وكانت البيوتات الأندلسية الفسيحة بالمدينة القديمة تتوفر على فناءات واسعة يتم بها إيواء رؤوس الماشية، وهناك من كان يتركها لأصحاب البساتين (الغرسات) الموجودة بالمدينة إلى حلول يوم العيد.. وفوق ذلك كان بعض الأشخاص يلتقون أصحاب التيوس المتوافدة على المدينة بمحاذاة "باب دورزة " (الجبل المطل على المدينة)" أو بباب "العنصر" أو "باب السوق" بالأحياء القديمة. وعن طقوس صلاة العيد التي كانت تنطلق في موكب كبير يترنّم بالجلالة من المسجد الأعظم بساحة "وطاء الحمام" عبر حي "المدقة" إلى أن يصل إلى المصلى القديم الواقع خارج "باب السوق"، أورد العبودي أنه كان يتم اقتناء (كبش) لهذا الغرض، من قبل نظارة الأوقاف ويفرشون ظهره بمنديل مخطط بالأبيض والأحمر، ويُذبح بعد صلاة العيد بين الحاضرين والمتابعين نساءً ورجالا وأطفالا وفعاليات المدينة والسلطات.. وكذا فرقة "الكشافة" الموسيقية، ويرسل إلى بيت القاضي محملا على كتف أحد الأشخاص، محفوفاً بالزّغاريد وبلغط الصبية الذين كانوا يصدحون بكلمات: " هَاوْ قْراعْ.. هَاوْ فرْطاسْ ". وبعد ذلك بسنوات بدأ يتم إحالة الذبيحة على الجمعية الخيرية. وأكد العبودي أن مظاهر التلاحم والتآزر والأزقة كان قائمة بين الأسر وسكان الأحياء، وكان ممن يتحلون بعمل الخير يقومون بداية بنحر ذبائح الأرامل، ثم بعدها باقي ذبائحهم، حتى لا يشعر الأطفال اليتامى بأي غبن أو نقص وفي عيونهم لحظات تختصر الآمال والفرح. واختتم المتحدث بأن طقس شراء تيوس العيد كان يتم ولسنوات طويلة بتواتر لا انقطاع فيه، إلا أنه في الوقت الحالي أضحى الجميع تقريبا يُضحّي بالأكباش، وهناك من يعتمد على الأكباش والتيوس معاً والتي تتناول في وجباتها "العلف" الاصطناعي وغيره.