دعوة عاجلة لوزيري العدل وحقوق الإنسان إلى إدخال جريمة الإيذاء المبهج أو ما يعرف بالتسجيل والنشر الرقمي لمشاهد العنف ضمن القانون الجنائي المقبل. حملة وطنية من أجل تضمين القانون الجنائي المقبل لجريمة الإيداء المبهج تناقلت وسائل الإعلام خبر جريمة محاولة اغتصاب جماعي لفتاة يقال إنها تعاني من خلل عقلي داخل حافلة تابعة لشركة للنقل العمومي، وتصوير مشاهد العنف الجنسي هذه، ومن ثم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الجريمة التي عرفت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة في العالم، وخاصة في المغرب، لدى المراهقين، تعرف بالإيذاء المبهج (Happy Slaping) أو التسجيل والنشر الرقمي لمشاهد العنف، لا يتضمنها القانون الجنائي الحالي، ولا توجد في مسودة مشروع القانون الجنائي الموجود على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل. هذا الفراغ القانوني شجع ويشجع المراهقين على ارتكاب هكذا جريمة، أو على الأقل يجعل مرتكبي هذا الفعل الإجرامي يفلتون من العقاب. فما هي جريمة الإيذاء المبهج؟ وما هي أركانها؟ وكيف عالجها المشرع الفرنسي الذي مر بنفس ما يمر به المغرب اليوم؟. الإجابة عن هذه الأسئلة ستساعد المشرع المغربي لا محالة على أخذ هذا الفعل الإجرامي الشنيع بعين الاعتبار، واستغلال فرصة تعديل القانون الجنائي من أجل ذلك. مقدمة: لقد كان التطور الذي عرفته الهواتف النقالة التي أصبحت تقريبا كلها مزودة بكاميرات رقمية وتعميم الهواتف الذكية وازدهار شبكات التواصل الاجتماعي وراء ظهور أشكال جديدة من الجريمة الإلكترونية التي تمس بحقوق الأشخاص. ومن بين هذه الجرائم جريمة الإيذاء المبهج التي تتمثل في تسجيل ونشر مشاهد العنف باستخدام الوسائط الإلكترونية. يتعلق الأمر بتسجيل مشهد عنيف في الغالب عن طريق هاتف نقال مزود بكاميرا رقمية، ثم نشر هذا التسجيل عبر الشبكة الهاتفية (الرسائل متعددة الوسائط، بلوتوث ....) أو على شبكة الإنترنت (بريد إلكتروني، موقع إلكتروني، مدونة، يوتيوب، مواقع التواصل الاجتماعي...). ومن المعلوم أن تسجيل صور أو مقطع فيديو لاعتداء كان ضحيته أحد الأشخاص ونشرها، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، يمس بشكل خطير بكرامته وسمعته ومستقبله. فليس هناك من شك أن هذا الفعل الإجرامي يؤدي إلى تفاقم الأضرار التي يتعرض لها المجني عليه، نظرا إلى أن الصور ومقاطع الفيديو التي يتم تسجيلها ونشرها تتم مشاهدتها من قبل الملايين من الأشخاص، وخاصة معارف الضحية. وأمام خطورة هذه الجريمة، تدخل المشرع الفرنسي وأصدر بتاريخ 05 مارس2007 قانون الوقاية من الإجرام، أحدث بموجبه جريمة الإيذاء المبهج من خلال الفصل 222-33-3 من القانون الجنائي الفرنسي. وتعالج هذه المقالة، غير المعروفة، بل وحتى غير الموجودة إلى وقت قريب، الطريقة التي تمت بها مواجهة جريمة الإيذاء المبهج في القانون الفرنسي، الذي غالبا ما يأخذ عنه المشرع المغربي. من المعلوم أن أفعال الاعتداء والعنف محل التصوير والنشر لا تطرح أي مشكلات قانونية بشأن تكييف هذه الأفعال أو العقاب عليها وفقا للقوانين الجنائية العادية؛ ذلك أن مرتكبي هذه الأفعال يعاقبون وفقا للنصوص العقابية التي تجرم الاعتداء الجسدي، كالضرب والجرح والقتل أو الاعتداء الجنسي، وغيرها من الجرائم التقليدية. غير أن المشكلة تتطور بصدد الشخص الذي يقوم بتصوير أو تسجيل هذه الأفعال عبر الهاتف النقال خاصة من أجل نشرها بعد ذلك على الوسائط الإلكترونية. 1- ما هي جريمة الإيذاء المبهج؟ يقصد بالإيذاء المبهج تلك الممارسة المتمثلة في تصوير أو تسجيل مقاطع فيديو يوثق لاعتداء على شخص يستوى أن يكون جسديا أو جنسيا أيا كانت جسامته بأي وسيلة كانت، وعلى أي دعامة كانت، ثم نشر هذه الصور أو مقاطع الفيديو عن طريق الوسائط الإلكترونية. ولارتكاب هذه الجريمة يستعين الجاني بكاميرا تصوير رقمية مدمجة في هاتف محمول أو أي أداة تصوير أخرى، ثم يقوم بتخزين الصور أو مقاطع الفيديو كتمهيد لنشرها على الجمهور. وبصفة عامة استهدف المشرع الفرنسي طائفتين من المس بسلامة الأشخاص: الاعتداءات الجسدية والاعتداءات الجنسية. فما هي الأركان المكونة لجريمة تصوير وتسجيل الاعتداءات الجسدية أو الجنسية وجريمة نشر الصور ومقاطع الفيديو التي توثق لهذه الاعتداءات باعتبارهما جريمتين مكونتين لجريمة الإيذاء المبهج؟. 2- أركان جريمة الإيذاء المبهج: المشرع الفرنسي ميز بين فعلين مختلفين: فعل تصوير أو تسجيل أطوار اعتداءات جسدية أو جنسية وفعل نشر صور ومقاطع الفيديو التي توثق لهذه الاعتداءات عبر الشبكة الهاتفية الخليوية أو عبر شبكة الإنترنت. لهذا السبب سنعرض بالتتابع للأركان المكونة لجريمة تصوير وتسجيل الأفعال العنفية، ثم للأركان المكونة لجريمة نشر صور ومقاطع الفيديو التي توثق لهذه الاعتداءات عبر الشبكة الهاتفية الخليوية أو عبر شبكة الإنترنت. - جريمة تصوير وتسجيل الاعتداءات نلاحظ أن المشرع الفرنسي عامل الشخص الذي يقوم بتسجيل صور أومقاطع فيديو تتعلق باعتداءات تمس سلامة أشخاص محددي الهوية كشريك في هذه الاعتداءات. ونظرا إلى أنه تم نصيا اعتبار فعل المشاركة كجريمة قائمة بداتها فإنه من الطبيعي أن تتكون هذه الجريمة كباقي الجرائم منركنين: ركن مادي وركن معنوي. الركن المادي تتحقق جريمة تسجيل الصور ومقاطع الفيديو بمجرد قيام الجاني بتصوير أو تسجيل فعل الاعتداء في مسرح الجريمة، حتى ولو انتفت العلاقة بينه وبين مرتكب الاعتداء. الركن المعنوي ينتج القصد الجنائي في هذه الجريمة من كون مرتكبها يعلم علم اليقين بلا شرعية الفعل الذي يقوم به أثناء تسجيل الاعتداء. - جريمة نشر صور أو مقاطع فيديو تتعلق باعتداءات المشرع الفرنسي عامل الشخص الذي يقوم بنشر صور أومقاطع فيديو تتعلق باعتداءات تمس سلامة أشخاص محددي الهوية كمقترف لجريمة مستقلة بذاتها. فنظرا لأن الناشرين المتتاليين للصور أومقاطع الفيديو التي توتق لمشاهد العنف غالبا ما يكونون مختلفين عن الشخص الذي كان وراء عملية التسجيل اعتبر المشرع الفرنسي فعل النشر كجريمة مستقلة بداتها. وشأنها في ذلك شأن جريمة التسجيل، تتكون جريمة نشر صور أو مقاطع فيديو توثق لعملية اعتداء جسدي أو جنسي من ركنين: ركن مادي وركن معنوي. الركن المادي تتحقق جريمة النشر بمجرد قيام الجاني بنشاط من شأنه إطلاع الغير على محتوى الصور أو مقاطع الفيديو التي تتعلق بارتكاب الاعتداء المسجل. الركن المعنوي يفترض قيام هذه الجريمة علم الجاني بأن الصور ومقاطع الفيديو التي قام بنشرها تهم اعتداءات تمس بسمعة شخص أو عدة أشخاص. خاتمة: نأمل صادقين أن يتدارك المشرع المغربي هذا الفراغ الذي يعتري القانون الجنائي المغربي في التعديل المقبل ويعاقب على هذه الجريمة التي لا يختلف اثنان على أنها أصبحت مستشرية، إلى درجة أنه لا يمكن تجاهلها. *خبير ومكون في القانون الإلكتروني