في خروج مثير، جدد مصطفى كرين، رئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية، مطالبه بضرورة إلغاء الوظيفة العمومية بشكلها الحالي، "لدورها الكبير في عرقلة تطور ونمو البلاد، ولأنها أثبتت عقمها وعجزها وكونها بابا من أبواب الريع". وطالب كرين، في هذا الحوار مع هسبريس، باستثناء القطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم والأمن والسيادة، بالقول: "هذه قطاعات يجب أن تظل تحت وصاية الدولة، وما دون ذلك يمكن إلغاؤه"، مضيفا أن "الإدارة العمومية ليست إبداعا مغربيا، بل إرثا استعماريا". وبخصوص الامتيازات التي يستفيد منها السياسيون، من تقاعد وغيره، اعتبر كرين ذلك "نوعا من العقد غير المكتوب بينهم وبين الدولة في زمن الحرب الباردة، إذ كانت الأخيرة تسعى إلى ضمان استقرار النظام السياسي عبر فتح أبواب الريع"، موضحا أن "تقاعد الوزراء والبرلمانيين ليس غريبا عن هذه المنظومة المتسمة بشراء ولاء السياسيين، وهو أمر موروث عن فترة يجب القطع معها". طالبتم في وقت سابق بإلغاء الوظيفة العمومية، هل ترون أن هذا المطلب أصبح ملحا، خصوصا بعد الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش؟. المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية أنجز تقييما موضوعيا لعوائق تطوير المغرب، وخلص إلى أن للإدارة العمومية والهيئات السياسية دورا كبيرا في عرقلة تطور ونمو البلاد. ولتجاوز هذا الأمر قلنا لا بد من إلغاء الوظيفة العمومية بشكلها الحالي، لأنها أثبتت عقمها وعجزها وكونها بابا من أبواب الريع، وتبذير المال العام وانعدام العدالة الاجتماعية وجميع الآفات الاجتماعية التي تعيق تطور المجتمع. لكن هذا المطلب يتعارض مع العدالة الاجتماعية التي تدافعون عنها، خصوصا أن هناك قطاعات اجتماعية تستفيد منها فئات عريضة من الشعب المغربي.. نعتبر أن المدخل لتطوير المغرب هو إلغاء الوظيفة العمومية بشكلها الحالي، لكننا طالبنا باستثناء القطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتها الصحة والتعليم والأمن والسيادة؛ وهي قطاعات يجب أن تظل تحت وصاية الدولة، وما دون ذلك يمكن إلغاؤه، لأن الإدارة العمومية ليست إبداعا مغربيا، بل إرثا استعماريا. خلال عقد الحماية كان هناك ما يسمى الإصلاح الإداري، الذي عمدت من خلاله فرنسا إلى استنزاف خيرات المغرب بدل تنميته عبر استعمال مقدراته وطاقاته. والإدارة التي بنتها فرنسا استمرت مع كامل الأسف مع الاستقلال، فظل المغرب يسير بترسانة قانونية مورثة من الاستعمار، وكذلك ببنية وعقليات وشخصيات استعمارية في بعض الحيان. آن الأوان لتحرير المغرب عبر إلغاء الوظيفة العمومية بالشكل الحالي، وإبداع طرق تدبيرية أخرى، لأن القطاعات غير الاجتماعية يمكن أن تدبر خارج منظومة الوظيفة العمومية. لكن لماذا اعترضتم عندما اقترحت الحكومة إجراء لتخليص الدولة مما قالت إنها أعباء التعليم؟.. نعتبر أن مساهمة الأسر في التعليم هو باب لخوصصته، بالإضافة إلى القطاعات الاجتماعية.. لا بد أن تستمر هذه الخدمات الاجتماعية، مع تعزيز ميزانياتها لتفادي دفع الأسر لتغطية المصاريف. لكن دعني أقول لك إن المنظومة التعليمية أخذت منحى خطيرا.. ما وصل له النظام التعليمي والمنظومة اليوم نتيجة لسوء التدبير الذي طبع برامج ما سمي إصلاحا، وخصوصا البرنامج الاستعجالي في عهد المستشار الملكي مزيان بلفقيه؛ والذي كان جزءا من رؤية تدبيرية بلورها الراحل، وأثبتت فشلها. كما أن ما يقع حاليا لا يمكن تحميله للإداريين والسياسيين، بل يجب أن يتحمله واضعو هذه البرامج. عبرتم في أكثر من مرة عن أن الدولة أقرت منظومة ريعية لاستمرار ما تعتبرونه استقرار النظام السياسي.. للأسف الشديد هذا أمر صحيح، فشؤون المغاربة تدبر من طرف مجموعة من المحميين، ومزدوجي الجنسية. والإدارة المغربية مازالت تدبر من طرف مجموعة من الأشخاص الذين وضعهم الاستعمار واستمروا بعد الاستقلال. وجاء هذا الأمر نتيجة للصراع السابق بين الملكية ومجموعة من الهيئات السياسية، وهو ما دفع الدولة إلى البحث عن الاستقرار واستمرار النظام السياسي، من خلال محورين أساسيين؛ أولهما مادي قائم على منظومة الريع، إذ إن الدولة أطلقت الريع بين يدي السياسيين والإداريين بشكل مطلق، ما جعل العديد منهم يستفيدون بشكل غير منطقي وغير قانوني. والمحور الثاني مرتبط بالواجهة السياسية، إذ قدمت الدولة تنازلات سياسية للأحزاب، ما ترتب عنه تردي الممارسة السياسية، واستمرار العديد من السلوكيات التي غيبت الديمقراطية الداخلية، مع إغراق الأحزاب بعديمي الكفاءة، الأمر الذي أوصلها إلى ما هي عليه الآن. الملك عبر عن عدم رضاه عن أداء السياسيين، في حين أن امتيازاتهم تثير نقاشا واسعا في الأوساط المجتمعية.. ما عبر عنه الملك كان موجودا منذ مدة، والسبب المباشر فيه هو انهيار القيم داخل المجتمع المغربي في مختلف القطاعات. فالامتيازات التي يستفيد منها السياسيون من تقاعد وغيره هي عقد غير مكتوب بين الدولة والسياسيين في زمن الحرب الباردة، إذ كانت الدولة تسعى إلى ضمان استقرار النظام السياسي عبر فتح أبواب الريع. قلنا أكثر من مرة إن تقاعد الوزراء والبرلمانيين ليس غريبا عن هذه المنظومة المتسمة بشراء ولاء السياسيين، وهو أمر موروث عن فترة يجب القطع معها. في هذا الصدد طالبنا بتخفيض عدد ممثلي الأمة في المؤسسات المنتخبة، وكذا تشريع قانون للقطع مع الريع بشكل نهائي، لأنه لا يمكن فصل تقاعد البرلمانيين عن منظومة الريع بشكل عام. هذا العدد الكبير من الوزراء ليس ضرورة، بل نوعا من الترضيات للأحزاب للخروج بحكومة، وذلك عن طريق خلق مناصب وزارية لا علاقة لها بمتطلبات التنمية وبالملفات السياسية المفتوحة في المغرب والإشكاليات التي تواجه المغاربة. يثار خلال العطل استعمال السياسيين لسيارات الدولة، وهو أسطول يكلف الكثير.. صحيح، ومن هنا أطالب الحكومة بإلغاء سيارات الخدمة ومعها السكن الوظيفي، لأن توفير هذه الأمور كان عملا استعماريا لإغراء الموظفين، وهي منظومة متجاوزة. لا يمكن القبول بأن مغربيا يسكن في المغرب وتتحمل الدولة سكنه وتنقله ليقوم بعمله.. هذا أمر غير معقول ويتطلب تشريعا لوقفه. هل يزيد هذا من تأصيل الريع في المغرب؟ أبواب الريع السياسي مفتوحة، والوصول إلى المنصب ليس هدفه تنمية البلاد وتطويرها، ولكن الوصول إلى منابع الريع السياسي. ورغم وجود قانون من أين لك هذا، ونص الدستور على ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومقتضيات قانونية حول مدى قانونية الاغتناء، إلا أن هناك ما يمنع تفعيل مبدأ المحاسبة. وما دام الوضع على ما هو عليه سيظل السياسيون يغتنون وسيدافع عنهم الأصوليون، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد. كما أن منظومة الإفلات من العقاب مستمرة منذ سنوات الرصاص، ومازال هناك من يدافع عنها باعتبارها شكلا من أشكال النضال.