بعد أن كثر اللغط على الانتاجات التلفزية المغربية, المقدمة في رمضان , جاءت تخريجة مركز قياس نسب المشاهدة , للدفاع عن المنتوج المقدم من طرف كل القنوات المغربية, بنوع من "الشفافية الإحصائية " التي تسد أفواه الملاحظين والمنتقدين لرداءة هذا الإنتاج , وتبرير التخلف بالإجماع عليه . ماذا يقع في رمضان؟ هذا الشهر أصبح شهر استهلاك , و بذخ , وتفاخر بامتياز , وشهر نفاق سوسيو-ثقافي بكل معنى الكلمة , وذلك عبر المناهج التي سلكتها الدولة لتضبيع , وتبضيع , الشعب المغربي لصالح الشركات الريعية التي تمص دم الإنسان المغربي , فنوفر للمستهلك المبضع كل السلع , بصيغة التوفر وحتى بصيغة الاحتكار , ونوهمه بأنه لن يجد أفضل من الاقتناء لسد الحاجيات , فيصبح متلهفا للاقتناء ولو أنه ليس في حاجة لكل تلك السلع , وهذا هو المهم للمتكالبين عليه , ففي بعض الأحيان قد يشتري المستهلك طاقم طهي لمجرد أنه يريد تغيير منظر مطبخه , وذلك عبر الاقتراض , فيغرق مصروفه في الضائقة المالية , ولكن كيف يأتي هذا التأثير ؟ طبعا عبر الوصلات الاشهارية التي يقصف بها التلفزيون كل البيوت قبل وأثناء رمضان , والصورة أشد تأثيرا كما نعلم على نفس كل المشاهدين , بل تكمن خطورتها في بيع الوهم, وتشكيل الحرج النفسي مع المحيط , من الأبناء إلى الزوج أو الزوجة إلى الضيوف الدين يفطرون معنا في بعض الأحيان , إلى الساكنة التي تقتسم معنا الحي والعمارة , وهذا الإحراج هو الذي يدفعنا إلى التفاخر بشراء أحدث ما تعرضه الشركات, عبر اشهاراتها عبر القنوات , أو اشهاراتها عبر الشركات التي تستغل الحائط العام , أي الشوارع والساحات , وحتى الدكاكين الصغيرة عند لحسن أو حماد فكيف تصل هذه الاشهارات إلى الناس ؟ أولا : عبر الانخراط المباشر للفنانين في إشهار هذه المنتجات , وذلك عن طواعية , وبتعاقد يخص الشركة المنتجة , والمنفذة للإشهار , والفنان حسب درجة شهرته , وغالبا ما يكون الفنان في موقع حرج عندما يجد نفسه يقوم بالدعاية لمنتوج فاسد , يخفي الغش في طياته كما وقع لأحد الفنانين عندما أشهر منتوجا مضرا بجلد النساء , وتورطت فيه القنوات التلفزية كذلك , وهنا نساءل الفنان , هل تريد المال فقط ؟ أم أنك مسؤول على سلامة جمهورك , وسلامة شعب يجب الدفاع عنه ضد الغش , والنصب؟ مع العلم أنك هنا ضحية جهلك بشروط السلامة الاشهارية . ثانيا عبر الميزانيات التي تخصصها الدولة من حصص دافعي الضرائب المباشرة , والغير مباشرة , للقنوات التلفزية , قصد إنتاج مواد ترفيهية , وكوميدية , يلتف حولها الجمهور , لا للاستفادة الفكرية , بل لاستفادة شركات الإشهار , والإنتاج الدرامي , والصناعي _التجاري, من هذه اللمة أمام التلفاز , حتى تتحقق شروط النصب الممنهج على جيوب المستهلكين , وهنا يصبح الفنان مجرد مادة تسهل الهضم التجاري , لا يقدم فنا ولكن يقدم سلعة , رغم توهمه بأنه يقدم فنا في رمضان , وهنا يكون الفنان ضحية فقره , أو جهله , أو جشعه , فيردي المتفرج ضحية كبيرة تقع في نصب هذه الشركات ,أضن أنه لنا الحق أن نتساءل عن: "لماذا لايكون الإنتاج الدرامي في رمضان أو غيره , باتفاق مباشر بين شركات الإنتاج الدرامي والفنانين , والزبون الذي يرغب في إشهار منتوجه ؟ في إطار "السبونسورين المباشر" وبعد ذلك يباع المنتوج للقنوات , ولماذا يتدخل التليفزيون في كل هذه العلاقات ؟ ويقطع الصلة بين أطراف التعاقد , لمجرد أن التلفيزيون يستفيد ,إضافة للميزانية التي تخصص من طرف الدولة , من المداخيل التي يجنيها من المستشهرين ,؟ ألا يعتبر هذا احتكار سافر لكل الأموال العمومية المتعلقة بهذا القطاع ؟ مع العلم أن الحلقة المستضعفة والضعيفة في هذه العملية هو الفنان , الذي أبان" برنامج 45دقيقة "حول إنتاج شهر رمضان, أنه غير قادر حتى على مواجهة مصائره المادية , لعدم فضحه لأجوره الضعيفة , ولو أنه يختبئ وراء "نجوميته" المزيفة , والتي يمن عليه بها موظفو التلفزيون كلما تطاول عليهم ,قائلين:" نحن من صنعناك ونحن من نملك أن نطيح برأسك ", وللأسف هذا صحيح, لأن المدعو فنانا , أو نجما لايمكن أن يعبر عن رأيه أمام منتج بليد , لا يفقه من لغة الإنتاج سوى تهيئ الساندويتش .فالإشهار حق وضرورة اقتصادية , تعبر بها كل السلع إلى المستهلك , ولكن يجب أن تكون مراقبة من المسئولين على المراقبة , من هاكا , وجمعية حماية المستهلك , ونقابات الفنانين , ووزارة الاتصال , والوزارة الأولى كمنسق عام للفضاء السياسي , والاقتصادي لهذا البلد , أذكر أول إشهار في التاريخ , والذي أبدعه شاعر عربي , عندما جاء أحد التجار وطلب منه أن يبدع قصيدة لبيع أثوابه السوداء التي بارت في يده , فأنشد الشاعر قائلا " قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا فعلت بناسك متعبد ." فأقبلت النساء على الشراء من التاجر . وللعودة إلى ماروك متري التي تدعي أنها تأتي بحقيقة المشاهدة في المغرب , وتقول أن :" تكبر وتنسى" تجلب نصف المسجلين في اللوائح الانتخابية في المغرب, حول مائدة التفاهة التي تقدمها هذه المادة , السمجة , وهو عدد 7ملايين متفرج , يا سبحان الله , مادة تبرمج بعد آذان المغرب , لايحمل أحد في يديه غير مغرفة الحريرة , بدل المحول التلفزي , والكل ينهم دون انتباه منطقي لما يقدم , وهناك من ينتظر عبر هذه المادة , المادة التي ستليها , فيفضل عدم قلب القناة , ويأخذ في ملأ بطنه دون حتى الاكتراث بما يقع , فالبطنة تذهب الفطنة كما يقال , إذن الإحصاء فقط غير كاف أيها الماروكوميتريون , وعليكم سلك وسائل علمية في تحليل التلقي , وظروفه وشروطه , ومقومات التعامل معه , بدل التبجح بالعدد ,هل تعلمون أن حكاية العدد هي التي تركت المغاربة قطيعا , يؤمن بالعدد ,والكم بدل النوع والكيف ؟ فالجامع يقاس نجاحه بالعدد , والعرس , والاجتماع , والخطابة الانتخابية وغيرها , والتواجد في الحلقة , وكل شيء له صلة بالسياسة , والمجتمع والدين , مع العلم أن القلة قد تكون مؤثرة في الأكثرية , بل هي المؤثر الفعلي لما تقدم عليه , عمليا ونوعيا في الممارسة والتفكير , وهنا يجب تغيير العقليات التي تشيد بالعدد , الذي لن يكون إلا غوغائيا في أغلب الأحيان . هذه دعوة لمراجعة المفاهيم , وعدم تبرير الأخطاء , والعودة إلى العقل , وتفعيل المؤسسات العلمية التي ستفيد الشعب والاقتصاد والإعلام وكل مناحي الشراكات ' السوسيو- اقتصادية , إذا أردنا أن نصنع دولة تشاركية , وليس نظاما استهلاكيا يهدم كل بناء اقتصادي حقيقي , يبشر بالتنمية البشرية ' والفكرية , والاقتصادية .