في مقر مؤسسة محمد شكري بطنجة، شارك كتاب وأصدقاء صاحب "الخبز الحافي" والروائي الإسباني العالمي خوان غويتيصولو، الذي توفي شهر يونيو الماضي بالمغرب، في الملتقى الثاني عشر لتخليد "أدب محمد شكري- خوان غويتيصولو: جسر بين ثقافتين"؛ وذلك في إطار اليوم الثالث من فعاليات الدورة 13 من مهرجان "ثويزا". الملتقى، الذي أداره الشاعر والإعلامي عبد اللطيف بنيحيى، سلط الضوء على العلاقة التي كانت تجمع الكاتب العالمي الكبير خوان غويتيصولو بمحمد شكري الذي استطاع أن يربط طنجة بالعالمية؛ وذلك من خلال كتاباته المثيرة للجدل التي تُرجمت إلى العديد من اللغات العالمية. شكري وخوان في الصدد ذاته، قال إبراهيم الخطيب، الكاتب والمترجم المغربي، إن العلاقة بين الكاتب الإسباني وشكري ارتبطت من خلال العديد من الترجمات، مشيرا إلى أن الترجمة التي قام بها الراحل عبد الله جبيلو لرواية "الخبز الحافي" إلى الإسبانية وضع مقدمتها "خوان غويتيصولو"، الذي أبرز فيها أهمية تجربة محمد شكري المتفردة التي اعتمدت على أسلوب مغاير في الكتابة للتخلص من التهميش والنسيان. وأشار الخطيب إلى أن هذه العلاقة تعود بالأساس إلى فترة إقامة الروائي الإسباني في طنجة؛ حيث تعرف على محمد شكري والكاتب الأمريكي بول بولز، ومنذ ذلك الحين أصبح يقضي كل سنة شهراً كاملاً في طنجة، بالإضافة إلى عشقه الأبدي لمدينة مراكش، التي عاش فيها منذ سنة 1996 حتى وافته المنية قبل شهور، ليختار أن يدفن بجانب صديقه الكاتب العالمي جون جوني بمدينة العرائش. "تعرفت على خوان سنة 1986، ومنذ تلك الفترة تواصلت علاقاتنا عن طريق الرسائل المكتوبة لأنه لم يكن يستعمل الإنترنت؛ وهي العلاقات التي امتدت حتى آخر لقاء لي به يوم 24 نونبر سنة 2016، عندما زرته في منزله بمراكش بعد الكسر الذي تعرض له"، يقول الخطيب الذي لخص جلسته هذه في مقالة نُشرت في وسائل الإعلام بعنوان "لقائي الأخير مع خوان غويتيصولو". وفي شهادة أخرى، قال نبيل الدريوش، الإعلامي المتخصص في الشأن الإسباني، إن "الكاتب الإسباني المحتفى به اليوم بيننا عُوقب مرات عدة، وتم توقيف العديد من رواياته، كما أنه لم يحصل على جائزة سيرفانتيس العريقة إلا سنتين قبل وفاته؛ وذلك بسبب سطوته العلمية والأدبية التي كان يهابها الملوك قبل الزعماء". "خوان لم يكن فقط روائياً، بل كان أيضا صحافياً من خلال عموده الثابت في صفحة الرأي بجريدة إلباييس الإسبانية، وهي النقطة التي اشتركت معه فيها من خلال ترجمتي لسلسلة مقالات له من اللغة القشتالية إلى اللغة العربية"، يضيف الدريوش. أما الكاتبة والمخرجة المغربية فريدة بليزيد، فعادت بذاكرتها إلى أيام الشباب عندما كانت تجمعها علاقات صداقة مع محمد شكري و"خوان". وقالت في هذا الصدد: "كنت أزوره في مراكش دائما، وشاركت معه في أعمال مشتركة. إنه حقاً مناضل من طينة الكبار، كان يكتب عن قضايا المغرب وفلسطين، وعشقه لهذا البلد". "لم أكن أعرف من هو شكري عندما قرأت الخبز الحافي وأعجبت بها، واشتريت منها خمسة نسخ بالفرنسية"، تضيف ابنة مدينة طنجة، التي أكدت أن محمد شكري بصمة في تاريخ المغرب، ولا يمكن له أن يمحى من ذاكرته. وشددت المخرجة المغربية، في تصريح لهسبريس على هامش اللقاء، على أن الجيل الجديد عليه أن يحمل مشعل الحفاظ على ذاكرة محمد شكري وجميع الكتاب العالمين الذين مروا من طنجة، وزادت: "لا زال هناك تهميش لهؤلاء، مع الأسف فنحن لا نهتم بالثقافة رغم أنها هي أساس التنمية والتقدم". شكري وكتاب طنجة تعتبر طنجة من بين المدن المغربية التي حظيت أكثر من غيرها بالنصيب الأوفر من كبار الكتاب العالميين والفنانين الذين استقروا بها، وجعلوا منها مكاناً لاستلهام أعمالهم الأدبية، وكتابة مذكراتهم ورواياتهم من الثقافة الشعبية المغربية. "طنجة في مرحلة من تاريخها خضعت لحماية دولية بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا، الشيء الذي جعل العديد من الكتاب العالميين يتقاطرون عليها إما للعبور أو للإقامة بها"، يقول عبد اللطيف بنيحيى، الإعلامي والشاعر المغربي. وأوضح بنيحيى، وهو ينبش في ذاكرة مدينة "البوغاز"، أن هذه المرحلة تزامنت مع تيار Big Genaretion؛ وهو جيل غاضب من الحضارة الأوروبية والغربية كان يبحث عن ذاته بعيداً عن تعقيدات العصر، ووجد ضالته الطبيعية في هذه المدينة الساحرة. وأورد بنيحيى، في حديثه مع هسبريس، أن زعيم هذه الموجة الثائرة على النمط الغربي هو الكاتب الأمريكي الشهير وليام بورو، الذي يعتبر من أوائل العالميين الذين استقروا في مدينة طنجة حيث قضى عمره في فندق بسيط بسوق الداخل، واستطاع أن يكتب العديد من الروايات المذهلة التي ما زالت تشد انتباه قراء الرواية الغربية. "شكري تربى في كنف هذه الوضعية واختلط مع العديد من الكتاب العالمين الذين استقروا في مدينة البوغاز، وعلى رأسهم بول بولز، وتينيسي وليامز، وجين بولز، وترومان كلوب، وغيرهم من الأسماء العالمية"، ومن هنا، يقول الصحافي السابق في إذاعة طنجة: "جاءت فكرة الملتقى الثاني عشر لتخليد أدب محمد شكري وخوان غويتيصولو كجسر بين ثقافتين". وأوضح رئيس مؤسسة محمد شكري أن علاقة "خوان" بالمغرب لا تتلخص فقط في شكري، بل أيضا في تبنيه لقضايا جوهرية كقضية الصحراء التي دافع عنها من خلال كتاباته.