وضعت حكومة سعد الدين العثماني "مخططا تنفيذيا" يرمى بالخصوص الرفع من حجم الدعم الممنوح للصحافة المكتوبة، أجل "انقاذ" صحافتنا الورقية المهددة ب"السكتة القلبية " في أي وقت وحين، تجعلها في حالة "موت غير معلن" لأسباب متعددة ذاتية وموضوعية التي الجزء الأكبر منها للثورة التكنولوجية التي ساهمت في تراجع نسب الاقبال على الصحافة المكتوبة. وهكذا جعل المخطط التنفيذي للبرنامج الحكومي لقطاع الثقافة والاتصال 2017-2021 ، مجال الصحافة المكتوبة على رأس أولويات قطاع الاتصال، اعتبارا لحجم التحديات التي تواجه هذا المجال والمرتبطة بالزحف التكنولوجي، وسرعة انتشار الخبر الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، وضعف نسب المقروئية وهشاشة النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية، بالإضافة إلى دخول مدونة الصحافة والنشر الجديدة حيز التنفيذ مع ما يستلزم ذلك من مجهودات لمواكبة تنزيلها. ويتمثل الهدف الاستراتيجي، من هذا المخطط الذى قدمه الاسبوع الماضي (ثالث غشت الجاري) أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب محمد الاعرج وزير الثقافة والاتصال، في "مواكبة تطور قطاع الصحافة الورقية والإلكترونية وصيانة استقلاليته وتعدديته ودعم المقاولات الصحفية وتعزيز نموذجها الاقتصادي". ولتحقيق هذا الهدف حدد هذا المخطط ثلاثة برامج، تتعلق ب"تنزيل مقتضيات مدونة الصحافة والنشر"؛ و"تنمية قطاع الصحافة الورقية الوطنية والجهوية والإلكترونية وتتبع مؤشراته"؛ فضلا عن "دعم المقاولات الصحفية وتأهيلها وتعزيز احترافيتها "مركزا على تخصيص عدة مشاريع للدعم العمومي الموجه للصحافة، بدءا بإصدار المرسوم المتعلق به والزيادة في قيمته ليتناسب مع الطلبات المتزايدة. في ظل ما أصبح يعرفه دعم الصحافة، من ضغط كبير رغم الارتفاع المستمر في حجمه والذي ناهز 60 مليون درهم. ويعزى هذا الضغط، حسب وزير الثقافة والاتصال، للحاجة المتزايدة للمقاولات الصحفية للدعم لمواجهة التحديات التي تعرقل مسارها و تكاد تؤثر على استمراريتها، وليس أقلها تراجع الموارد الإشهارية وتحكم الشركات العملاقة للأنترنيت في أسعار هذه السوق، هذا بغض النظر عن تراجع المقروئية الذي تفاقم بفعل انتشار الصحافة الإلكترونية. وإذا كان مفيدا وجميلا أيضا، ان تتوفر الحكومة على " مخططها " لدعم الصحافة المكتوبة والذى يرجع التحديات التي تواجه الصحافة الورقية الى ما أسماه "الزحف )ليس الأخضر طبعا (، وإنما التكنولوجي، وسرعة انتشار الخبر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وضعف نسب المقروئية وهشاشة النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية". إلا أن هناك أسبابا أخرى سكت عنها مخطط حكومة العثماني في قطاع الاتصال، ربما لدواعي " بروتوكولية " في الوقت الذى كان يتعين فتح نقاش عمومي وحوار مجتمعي من أجل اقناع الصحف ب"التخلص من عقلية الورق" عوض الاقتصار على الرفع من الغلاف المالي المخصص للدعم الذي لا تصرفه بعض المقاولات في المجالات المخصصة له، حسب ما ترصده الهيئات المهنية في تقاريرها، وذلك للإبقاء على "صناعة تعيش على أنقاض مهنة، انتهت" كشكل، ولكنها يمكن أن تبقى وتصمد كمهنة رغم المنافسة الشرسة لما يسمى بالبدائل الاليكترونية. وإلى جانب هذه الاسباب المرتبطة بالثورة الرقمية، والتي أدت الى تراجع مستوى روجان الصحف الورقية بالمغرب وبسائر بلدان المعمور، فإن هناك أسباب ذاتية لهذا الانحسار منه فشل جزء كبير من صحافتنا، في المحافظة لدى الرأي العام على مصداقيتها واستقلاليتها، ومنهيتها، وتراجع وظيفتها، كسلطة مستقلة مضادة، وكذا منسوب الوعي والالتزام بمبادئ أخلاقيات مهنة الصحافة. لقد كان حريا بالحكومة أن "تطلق رصاصة الرحمة " على المنهجية " ليست الديمقراطية لسنة 2002" والأسلوب والطريقة التي يقدم بها حاليا الدعم للصحافة الورقية، ليس بأساليب "المنع والاعدام بالقانون الجنائي "، ولكن ببذل جهد حكومي من أدل توسيع هوامش حرية التعبير وفي مقدمتها حرية الصحافة، وتحديث ترسانة قوانين الصحافة والاعلام وتفعيل الحق في الوصول الى المعلومات . كما يتطلب الامر الاستفادة من التراكمات الموجودة في مجال الاعلام وطنيا ودوليا ، فضلا عن ارساء قواعد الحوار البناء، المنتج والمثمر، مع المقاولات الصحفية والهيئات المهنية التمثيلية، تفعيلا للمقاربة التشاركية، وذلك من أجل "البحث عن خلطة " بين الشكل والمضمون لتعزيز حضور صحافتنا الورقية في فضاء النيت المفتوح، و"اجتياح "صحافة الاعلام الجديد، المواطن الصحفي، بهدف إنقاذ "الصحافة التقليدية" من " موت لم يعلن بعد" لكنه يبقى مؤجلا، إن لم يؤخذ بعين الاعتبار مجمل هذه التحولات المتسارعة التي يعرفها مجتمع الاعلام والمعرفة. فربح الرهان يتطلب الاقرار، من طرف مختلف الفاعلين، أيضا بأن وسائل اعلام اليوم، ليس هي وسائل اعلام الأمس، ولن تكون حتما هي نفسها وسائل إعلام الغد، و أنه يتعين على هؤلاء الفاعلين الاستجابة الى المتطلبات الجديدة لجمهور القراء وتوجهات الرأي العام، بمهنية، عبر استيعاب الجوانب الشكلية والتقنيات الحديثة ، فكما يقال ان " موت أسلوب في سبيل ولادة اسلوب جديد ليس موتا".