منذ نكبة انقسام السلطة إلى سلطتين في يوليوز 2007 ونحن نسمع، بين فترة وأخرى، عن لقاء مصالحة أو اتفاق مصالحة أو مبادرة للمصالحة. لن نعود إلى حوارات المصالحة التي رعتها دول عربية وأجنبية عديدة، وما أنتجت من اتفاقات بقيت حبرا على ورق، ولن ننكأ الجراح بالبحث عن إجابات لتساؤلات مثل: لماذا توقفت الدول التي كانت ترعى حوارات المصالحة عن جهودها؟ هل لقناعتها بعدم جدية الفلسطينيين في المصالحة أم لاكتشافها أن إنهاء الانقسام يتجاوز حركتي فتح وحماس ويصطدم بالشرط الإسرائيلي؟ أم إن هذه الدول، وخصوصا الرئيسة منها، غير صادقة في جهودها وكانت تعرف مسبقا عبثية حوارات المصالحة؟ وهل كان مقصود إطالة عمر حوارات المصالحة وتوقيع اتفاقات والفشل في تنفيذها، حتى تكون النتيجة يأس وإحباط عند الجمهور الفلسطيني ومزيد من توجيه الاتهامات وتعميق حالة الكراهية وتكريس حالة الانقسام؟ ما سنعرج عليه في هذا المقال هو توالي المبادرات الداخلية للمصالحة وكأن الأحزاب والنخب الفلسطينية ليس لها عمل إلا تقديم مبادرات مصالحة، فلا يوجد حزب فلسطيني أو جماعة أو شخصية تزعم أنها مستقلة أو وطنية إلا وتقَدَم/تقدَمت بمبادرة مصالحة. وبطبيعة الحال فكل مبادرة جديدة تعني فشل سابقاتها، وكل مَن يطرح مبادرة جديدة يعتقد أنه يأتي بجديد ويقدر على ما لم يقدر عليه الآخرون. مع تقديرنا لذوي النوايا الحسنة، إلا أن من يقف وراء بعض المبادرات، حزب أو شخص اعتباري، يهدف إلى موقعة ذاته وكأنه خارج الانقسام وليس طرفا فيه أو مسؤولا عنه ولسان حاله يقول اللهم إني قد بلغت، وبالتالي تصبح عملية طرح المبادرة وكأنها تبرئة للذات من المسؤولية وإلقاؤها على الآخرين. الغريب أن بعض فصائل منظمة التحرير أو الشخصيات المحسوبة عليها تطرح مبادرات خاصة بها، بينما هناك اتفاقات مصالحة وقعتها منظمة التحرير، وهناك مبادرة الرئيس الذي يُفترض أنه رئيس منظمة التحرير وكل الشعب الفلسطيني. مبادرات من هذا القبيل تشكك في الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير والرئيس أبو مازن، كما تُظهر وكأن الانقسام خلاف بين حركة فتح أو تيار منها من جانب، وحركة حماس من جانب آخر، وهذا تفكير قاصر سياسيا وخطير وطنيا. دون تجاهل حسن نوايا بعض مقدميها، إلا أن توالي المبادرات جعل الموضوع مملا، وكثرة مبادرات المصالحة أصبح يرتد سلبا؛ حيث مع كل فشل مبادرة يزداد اليأس والإحباط عند الجمهور الفلسطيني، وينكشف عجز النظام السياسي برمته، ويظهر الفلسطينيون وكأن ليس لهم مرجعية وقيادة مسؤولة وأن المسؤولية عن الانقسام واستمراره ليست على إسرائيل، بل على الأحزاب الفلسطينية غير القادرة على توحيد مواقفها. من جهة أخرى، إن أردنا أن نتحدث عن أطراف الانقسام فلسطينيا فكل الأحزاب والفصائل تندرج في إطار "أطراف الانقسام"، ولكن بنسب متباينة بطبيعة الحال. ليس هذا تمييعا للمسؤولية، ولكن كشفا لحقيقة فشل كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني في إنهاء الانقسام وتَكيُف مَن لا يعتبر نفسه طرفا في الانقسام مع واقع الانقسام. للأسف، انزلقت النخب السياسية والأحزاب الفلسطينية إلى ما خطط له الإسرائيليون، وأصبح الانقسام وتداعياته والسلطة والصراع عليها يستنزفان الجهد الأكبر والوقت الذي كان يجب أن يوجه إلى الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية والتهويدية. استمرار حركتا فتح وحماس باتهام بعضهما البعض بالمسؤولية عن الانقسام واستمراره برأ إسرائيل من المسؤولية. هناك مبادرة قدمها الرئيس، ودون تجاهل التباس توقيت وبنود المبادرة وكيفية تسويقها؛ حيث للأسف تم تسويقها والتعامل معها وكأنها مبادرة حركة فتح أو مبادرة من شخص الرئيس، وليس مبادرة من الرئيس بصفته التمثيلية الشاملة: رئيس منظمة التحرير ورئيس حركة فتح ورئيس السلطة الوطنية ورئيس الدولة، بالرغم من ذلك، إلا أنه كان في الإمكان قبولها ونرى إن كانت حكومة الوفاق قادرة على الوفاء بوعودها بما يتعلق بالتراجع عن الإجراءات المالية الأخيرة وحل إشكالات قطاع غزة وإجراء الانتخابات وإنهاء الانقسام! أو أن تقول حماس والفصائل الأخرى بعدم الحاجة إلى مبادرات جديدة وعلينا العودة إلى اتفاق المصالحة في القاهرة المُحدَث في الدوحة والبدء بتنفيذه تدريجيا، بدلا من تقديم مبادرات جديدة آخرها مبادرة حركة حماس التي هي مبادرة مناكفة، وليست مبادرة للبحث عن حلول جادة. هناك مشترك ما بين "مبادرة الرئيس" ومبادرة حركة حماس، وهو انعدام ثقة كل طرف بالآخر وتشكيكه في شرعيته وأهليته لتقديم مبادرة مصالحة؛ فحركة حماس، وبالرغم من بعض تصريحاتها المراوغة، إلا أنها لا تعترف بشرعية الرئيس وكونه مرجعية وعنوانا للشعب الفلسطيني وتضع نفسها كندّ أو أكثر لمنظمة التحرير ورئيسها، أيضا معرفة الطرفين بحقيقةٍ لا يجرؤون على الجهر بها، وهي أن المشكلة ليست في الرواتب والموظفين ولا حتى في البرنامج السياسي، بل لأنهما أعجز من أن ينهيا الانقسام الذي يعني إعادة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة. [email protected] com