اكتسب شاطئ الكزيرة شهرة عالمية خلال السنوات الأخيرة، وأضحى قِبلةً لعشاق الشواطئ الصخرية وهواة ركوب الأمواج، ويجذب السياح من مختلف الجنسيات على مدار شهور السنة، إضافة إلى آلاف المصطافين القادمين من مختلف المدن المغربية خلال شهور الصيف. ويقع الشاطئ سالف الذكر على بُعد عشرة كيلومترات شمال مدينة سيدي إفني على الطريق الساحلية المتجهة إلى مير اللفت، واشتهر أساساً بأقواس صخرية طبيعية ضخمة نحتتها مياه المحيط على مدى آلاف السنين على الجبال القريبة من الشاطئ، وصنعت حركات المد والجزر ممرات طبيعية تعطي للشاطئ سحراً خاصاً فتح له باب الشهرة على الصعيد الدولي، ويجذب صناع السينما والتصوير الفوتوغرافي وهواة المناظر الطبيعية. انهيار قوس "الكزيرة" انهار أحد الأقواس الجميلة لشاطئ الكزيرة بشكل مفاجئ أواخر شتنبر من العام الماضي، وخلّف صدمة لدى أبناء المنطقة وعشاق شاطئ الكزيرة. ويقول رشيد نجيم، وهو مصور فوتوغرافي ودليل سياحي بالمنطقة، في حديث لجريدة هسبرس الإلكترونية، إن "انهيار القوس كان صدمة كبيرة لنا جميعاً، لم نصدق وكأننا فقدنا عزيزا بيننا، وكنا خائفين من مستقبل الكزيرة بعد فقدان أحد الأقواس؛ ولكن إقبال الناس الحمد لله من جديد على شاطئ الكزيرة هذا الصيف يبيّن أن للشاطئ معجبيه وعشاقه". ويضيف نجيم أن "المنطقة تتوفر على مؤهلات طبيعية كثيرة؛ منها قوسان طبيعيان آخران وأسد صخري وجزيرة صخرية صغيرة، إضافة إلى شواطئ جميلة تعد مكانا مفضلا لهواة ركوب الأمواج ورياضة القفز بالمظلات، وجذبت المنطقة خلال السنوات الأخيرة كبريات الشركات ومنتجي أفلام السينما والإشهارات العالمية". على أتربة القوس المنهار لا يزال عشاق المكان يزورونه ويقفون على الأنقاض ويتذكرون آخر زيارة، يقول أوليفي وهو سائح فرنسي إنه زار القوس قبل سنوات واليوم أحس بحزن وتأثر بعد رؤية الأنقاض، وعبّر السائح الفرنسي عن تفاؤله بالمستقبل لأن "الطبيعة تنحت أقواس جميلة أخرى قريبا من المكان". ويرى الحسن مبركي، الباحث في الجيومورفولوجيا والسياحة الجيولوجية بجامعة ابن زهر بأكادير، في حديث لجريدة هسبرس الإلكترونية، أن أقواس الكزيرة "تعد من المناظر الجذابة والمثيرة بشكلها وتمركزها بين البحر واليابسة". ويضيف المتحدث أن تهاوي القوس البارز في شهر شتنبر من السنة الماضية كان "نتيجةً طبيعية لعوامل التعرية المتواصلة المتمثلة أساساً في قوة أمواج البحر، إضافة إلى التركيبة الجيولوجية والخصائص الصخرية للطبقات بتلك المنطقة، والتي تتكون من الصخور المتكتلة والرملية المترسبة على طبقات طينية". وزاد أن "هذا التباين في هذه التركيبة أسهم في تيسير التعرية الفارقية عبر نشاط مجموعة من الفوالق الصغيرة الذي أحدثت مناطق ضعف على مستويات في القوس؛ وهو ما أدى إلى كسره وانهياره نهائيا". ودعا المتحدث الباحثين والمنتخبين والسياح والمستثمرين والسكان المحليين إلى "بذل جهود متضافرة من أجل حماية هذا التراث الجيومورفولوجي الثمين الذي يسهم بإيجابية في التنمية المحلية"، لافتا إلى أن هذه الحماية تتطلب "إيلاء أهمية خاصة للتحسيس والتوعية، وردع كل أشكال التدخل البشري السلبية ومراقبة الأعمال السينمائية والموسيقية التي تنتج في هذه الأقواس والزيارات السياحية". شهرة دولية وبنية تحتية ضعيفة منذ بداية التسعينيات، بدأت في المنطقة مشاريع سياحية صغيرة وتطورت مع السنوات على شكل مآوي وفنادق سياحية صغيرة، وشقق مجهزة ومقاه تقدم أطباق من السمك المحلي وتعرف إقبالاً كبيراً من زوار المنطقة. ويرى عبد الله سركوكو، وهو أول مستثمر سياحي في المنطقة، أن هذا السنة سجلت "تراجعاً كبيراً في أعداد السياح الأجانب لمنطقة الكزيرة، وشهد توافد كبير للزوار من مختلف المدن المغربية". واشتكى المتحدث، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، "من الفوضى والعشوائية التي يعيشها القطاع السياحي بشاطئ الكزيرة". وطالب المستثمر السياحي المسؤولين بضرورة تنظيم وتقنين النشاط التجاري على الشاطئ، وتوفير كل شروط النظافة والسلامة والبنية التحتية اللازمة لشاطئ الكزيرة ذي الشهرة الدولية، إضافة إلى ربطه بشبكة الماء الصالح للشرب وشبكات التطهير السائل". للوصول إلى شاطئ الكزيرة، لا بد أن ينزل الزائر عبر سلاليم طويلة وممرا جانبيا ضيقا تشكل صعوبة للبعض، خصوصا أيام نهاية الأسبوع، حيث يكتظ موقف السيارات القريب من الشاطئ والذي تمت تهيئة الطريق المعبدة إليه هذه السنة. التقينا رشيد، وهو شاب من مدينة أكادير جاء رفقة عائلته لزيارة الشاطئ، ولا يخفي إعجابه بالمؤهلات الطبيعية التي يتوفر عليها الشاطئ، ودعا إلى المزيد من العناية بالمكان وتوفير الخدمات الضرورية، وعبر عن إعجابه بالأقواس الطبيعية التي يتميز بها الشاطئ. بالمقابل، يرى عبد الله الركيك، رئيس جماعة تيوغزة القروية التي يوجد الشاطئ على نطاقها الترابي، أن الجماعة "تبذل مجهودات منذ عامين؛ ولكن للأسف لا تتوفر على الموارد الكافية لتأهيل الشاطئ وتوفير الخدمات المطلوبة". وأضاف المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن جماعته "لديها الكثير من المشاريع لفائدة منطقة الكزيرة؛ ولكن يعوزها التمويل، وتواجه إكراهات كثيرة". ودعا المتحدث إلى "المزيد من دعم الجماعة القروية وخلق شراكات معها لتنفيذ مشاريع تليق بهذا الشاطئ الذي أعطى للمنطقة شهرة دولية". مخاوف من المستقبل قرب قوس الكزيرة، الذي لا يزال شامخا يتحدى إكراهات الطبيعة، التقينا مع الحسين الرايس وهو فنان تشكيلي يُحول أحجار الشاطئ إلى لوحات فنية، من خلال ريشة وصباغة يحاكي فيها جمال الشاطئ والجبل. ولم يخف الرايس مخاوفه من مستقبل الأقواس المتبقية للشاطئ، ويقول إن "الكزيرة بلا أقواس لا تساوي شيئا، ستصبح شاطئاً عاديا بلا سحر ولا خصوصية". وأضاف الفنان، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "من حسن الحظ لم يخلف انهيار القوس الأول أي ضحايا لأنه تهاوى في شهر شتنبر، حيث لا تشهد المنطقة اكتظاظاً كم تشهده في الصيف"، داعيا المسؤولين إلى "التفكير في حماية هذا الموروث الطبيعي من الانهيار". ولتنبيه الزوار إلى مخاطر تساقط الأحجار والانهيارات المحتملة على حواف الجبال المحيطة بالشاطئ، وضعت السلطات المحلية لافتة قرب قوس الكزيرة تتضمن تحذيرا من هذه الأخطار. تحت قوس الكزيرة التقينا شرف، وهو شاب في عقده الثالث، يقول إنه ابن المنطقة وخريج جيولوجيا، ويطالب الخبراء بإيلاء مزيد من الاهتمام بتراث الكزيرة الطبيعي. ويقول المتحدث إن الوقت حان لإجراء دراسات جيولوجية وعلمية للأقواس الطبيعية المتبقية في المنطقة، من خلال "أخذ عينات من الأحجار وإجراء مقارنة مع نسب الرطوبة وقوة الأمواج، لتحديد العمر المفترض للأقواس وهل تشكل خطراً أو لا؟". ويضيف الشاب ذاته أن الجبال الشاطئية التي تشكلت منها الأقواس لا تتكون من صخور قوية وإنما فقط من أتربة متماسكة، على شكل بنية رسوبية هشة، معرضة للمؤثرات الطبيعة.