بإعلان حكومة سعد الدين العثماني عن تحويل ما ورد من انتقادات للطبقة السياسية، وعدد من المسؤولين عن الشأن العام، والدعوة إلى بذل جهود إضافية في مجالات يرى الجالس على العرش أن طريقة تدبيرها لم تتم بالشكل المطلوب، خلال خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، نكون عمليا أمام برنامجين؛ الأول سبق للحكومة أن أعلنت عن تفاصيله قبيل تنصيبها بشكل رسمي من قبل البرلمان، والثاني هو البرنامج الجديد ذو الطابع الاستعجالي الذي تريد الحكومة تنزيل مضامينه في أقرب الآجال. رئيس الحكومة أفاد بأن البرنامج الجديد، المتضمن لإجراءات تتماشى مع ما ورد في الخطاب الملكي، سيحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة؛ وهو ما يؤشر على أن البرنامج الحكومي لم يتضمن الأجوبة السياسية الكافية لمواجهة التحديات التي يواجهها المغرب منذ سنوات، والتي جاء الخطاب الملكي لتأكيدها ودق ناقوس الخطر بشأنها أكثر من أي وقت مضى. الحكومة رأت أن الخطاب الملكي طرح 5 إشكالات مهمة، سيقوم البرنامج الجديد بمحاولة الإجابة عنها؛ وعلى رأسها تفعيل مضامين دستور 2011 وربط المسؤولية بالمحاسبة، إلى جانب خدمة المواطن والتفاعل الإيجابي مع قضاياه، ثم تشجيع الاستثمار، وتحسين شروط التنمية البشرية وتحقيق العدالة الاجتماعية، فضلا عن إصلاح الإدارة العمومية. عبد الرحيم العلام، المحلل السياسي، يرى أن هذا البرنامج الجديد المعلن عنه من لدن حكومة العثماني "لا يعدو أن يكون إجراءات من أجل الاستهلاك الإعلامي"، مضيفا أن الحكومات المتعاقبة دأبت على الإعلان عن برامج وخطط مناسباتية، كلما انتقد الملك ظاهرة معينة ل"تظهر حسن نيتها ورغبتها في الإصلاح". واعتبر العلام، في تصريح خص به هسبريس، أن "الوقت الفاصل بين الخطاب الملكي والإعلان عن هذه الإجراءات من لدن الحكومة يبيّن بشكل جلي أننا أمام كذب واضح"، وزاد أنه "من المستحيل إعداد برنامج في هذه المدة القصيرة"، على حد تعبيره. وسجّل الباحث في العلوم السياسية أن الخطاب الملكي لم يكن يحمل توجيهات بشأن مواضيع بعينها، بقدر توجيهه سهام النقد إلى عدد من الفاعلين، مضيفا أن الاختيارات الكبرى كانت صائبة في عمومها كما أعلن عن ذلك الملك؛ وهو ما يعني أن المشكل لا يكمن في هذه الاختيارات، بل يهم أساسا طريقة تنزيلها. "التنزيل لا يتطلب إصدار برامج، بل يحتاج إلى تفعيل هذه الاختيارات بالشكل المطلوب"، يورد العلام. وزاد المتحدث ذاته أن التعامل الإيجابي مع الخطاب الملكي يقتضي بالأساس تطبيق الدستور، وتفعيل البرنامج الحكومي الذي "لا يجيب عن خطاب الملك فقط، بل يجيب أيضا عن مطالب وحاجيات واهتمامات عموم المواطنين"، مذكّرا بأن هذا الأمر كان بالإمكان تفعيله خلال احتجاجات الريف التي انتظرت الحكومة بحسبه ثمانية أشهر لتعلن مشروعية هذه المطالب. وعاد العلام للتأكيد على أن الخطاب الملكي ينتقد المسؤولين وينزه الاختيارات الكبرى من الفشل، معتبرا في المقابل أن رئيس الحكومة في ظل هذا الوضع يجب أن يفصح، بدل الإعلان عن برنامج جديد مواز للبرنامج الحكومي، عن إجراءات لربط المسؤولية بالمحاسبة ومعاقبة المخلين بواجباتهم، و"في غياب مسطرة للمحاسبة لا يمكننا الحديث عن تفعيل لما ورد في الخطاب الملكي"، يؤكد الباحث ذاته. وخلص المتحدث ذاته إلى أن المطلوب للتفاعل بالشكل المطلوب مع خطاب العرش هو "إصدار إقالات، والإعلان عن تعديل حكومي، وتقديم مسؤولين للقضاء، بناء على التقارير التي دأب على إصدارها المجلس الأعلى للحسابات أو بناء على شكايات المواطنين".