بحمولة النقد نفسها التي دأبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن تقدم بها تقاريرها السنوية حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، خلال السنوات الماضية، قدّمت الجمعية تقريرها المتعلق بسنة 2016، اليوم الثلاثاء بالرباط. تقرير يُمْكن تلخيصُ أهمّ مضامينه في أنّ "حقوق الإنسان في المغرب خلال السنة الماضية لم تشهدْ أيَّ تحسُّن يُذكر"، كما قال رئيس الجمعية، أحمد الهايج. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي أكبر المنظمات الحقوقية في المغرب، وأكثرها إزعاجا للسلطات المغربية، صدّرتْ تقريرها المطوّل عن وضعية حقوق الإنسان في المغرب خلال السنة المنصرمة بتقديم عام، تحت عنوان "انتكاسات متتالية"، رصدتْ فيه "أهمَّ الانتهاكات التي تطالُ حقوق الإنسان في مغرب القرن الواحد والعشرين"، والتي قالت إنها "تسير على نحوٍ مترنّح وعلى خطّ متعرّج". في ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، سردت الجمعية أرقام الوفيات المسجّلة في المملكة خلال السنة المنصرمة، سواء في السجون أو مخافر الشرطة، والوفيات باستعمال السلاح الناري، والوفيات الناجمة عن "الأوضاع المزرية للمستشفيات العمومية"، وتلك الناتجة عن حوادث الشغل، والتي قال الهايج إنّ الدولة تتحمل فيها المسؤولية؛ لأنّه من الواجب عليها توفير الحماية للمواطنين من خلال مراقبة مدى احترام شروط السلامة الصحية في أماكن العمل، وبلغ مجموع هذه الوفيات، حسب ما جاء في التقرير، 184 حالة وفاة. التقرير ذاته سجّل استمرار الاعتقال السياسي في المغرب، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وفي هذا الإطار، استعرضتْ زهرة قوبيع، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، جُملة من "مظاهر التعذيب" التي عرفتْها المملكة خلال السنة الفارطة وفي النصف الأول من السنة الجارية، وخاصّة تلك التي طالتْ سكان منطقة الريف، الذين قالت المتحدثة إنهم عاشوا تحت "تعذيب نفسي وجسدي" طيلة شهور. واستطردت قوبيع أنّ هناك "عودة إلى سنوات الرصاص في ما يخص التعذيب"، مضيفة: "كلّ المعتقلين في الحسيمة وقعوا على محاضر الشرطة دون أن يُسمح لهم بالاطلاع عليها، والمحاضر حفَلتْ بانتهاكات صارخة"، بينما قال رئيس الجمعية، أحمد الهايج، بعد أن قدَّم تعريفا للتعذيب، بناء على ما تنصّ عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، "التعذيب ليسَ بالضرورة أنْ يكون بالأساليب القديمة، مثل الطيّارة والشيفون والتريسنتي... هناك أنواع جديدة من التعذيب". وانتقد الهايج بشدّة عدمَ إجبار القضاة على إخضاع مدعي التعرض للتعذيب لخبرة طبية مستقلة، قائلا: "من غير المقبول أن تُعطى الحرية للقاضي بشأن عرْض الشخص المدّعي تعرّضه للتعذيب للخبرة الطبية من عدمه. الإخضاع للخبرة الطبية يجب أن يكون إجباريا لا اختياريا". كما انتقد التبريرات الصادرة عن الوزارات المعنية، معتبرا أنه "لا يمكن نفي مزاعم التعرض للتعذيب ببلاغات جوفاء". وفي ما يتعلق بمجال الحريات العامة، وقفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عند استمرار السلطات المغربية في رفض تسلّم ملفات تأسيس بعض الجمعيات، ومنع عدد من فروع الجمعية من عقد جموعها العامة في القاعات العمومية، ورفض تسّلم الملفات القانونية، ورفض تسليم وصولات إيداع الملفات القانونية، مشيرة في هذا الإطار إلى أنّ عدد الفروع المحرومة من الوصولات وصل إلى 69 فرعا، فيما فاقت أنشطة الجمعية التي منعتها السلطات 28 نشاطا خلال سنة 2016. علاقة بذلك، قالت AMDH إنّ وضعية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان في المغرب خلال السنة المنصرمة "لم تكن أحسن حالا"، متهمة الدولة وأجهزتها ب"التضييق على المدافعات والمدافعين بأساليب متعددة وملتوية، كالتهديد والتخويف والتشهير بحياتهم الخاصة، والتعذيب والاعتقال والسجن". وحسب الأرقام التي تضمّنها التقرير، فقد سُجّلت 57 حالة من الاعتداءات والاعتقالات والمحاكمات ضدّ المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، بينهم إعلاميون وحقوقيون وطلبة ونقابيون. وبخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أشار التقرير إلى أنّ الفوارق الاجتماعية في المغرب لا تزال كبيرة، كما أشار إلى استمرار تفشي البطالة، وهشاشة الشغل وضعف حماية الشغيلة. وانتقدت الجمعية في تقريرها الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة، من قبيل التراجع عن مجموعة من المكتسبات في مجال التقاعد، وتقليص ميزانية صندوق المقاصة. أحمد الهايج، رئيس الجمعية، ربَط ما سمّاه "الانقلاب على كلّ المكتسبات المُحقّقة في مجال حقوق الإنسان بالمغرب"، بالظرفية الإقليمية والدولية الراهنة وتأثيرها على الوضع الداخلي، قائلا: "هذه الظرفية وفّرت الشروط للدولة المغربية لتنقلب على كل المكتسبات التي وجدت نفسها مُجبرة على تقديمها، أو تلك التي أتت عبْر نضالات متراكمة للحركة الحقوقية المغربية"؛ مضيفا: "تحققت مكتسبات بعد الحراك الذي قادته حركة 20 فبراير، ومنها ما جاء به الدستور رغم علّاته الكثيرة، لكن الدولة عادت الآن إلى ممارساتها القديمة، وإن بطرُق مختلفة".