كثير من المصطافين لا يعيرونهم أدنى اهتمام، حتى وهم يرونهم فوق تلك المنصات الحديدية وهم ينظرون جهة المواطنين الذين يسبحون، أو يقفون قبالة اليم المزمجر وفي أفواههم صفارات وملابسهم بلونها الكاشف تميزهم عن بقية رواد الشاطئ. يشتغلون بشكل موسمي 12 ساعة في اليوم، من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساءً، ونمر بجانبهم دون أن نعيرهم أدنى اهتمام، وكأنهم أو أوانٍ في دولاب البيت، لا نقصدها إلا وقت الحاجة، فيضيع صفيرهم وسط هدير الأمواج وصياحات المصطافين، ولا نبحث عنهم إلا عندما نكون في ورطة حقيقية، فتسمع الجميع يصرخ: "فينا هوما لي متر ناجور؟". إرشاد وإنقاذ "مهمتنا ليست هي الإنقاذ فقط، بل التوجيه والإرشاد أيضا؛ لكن الكثير من المصطافين لا يستمعون إلى ما نقول لهم من نصائح تهم حياتهم قبل كل شيء، ويعتقدون أننا نتحدث من فراغ"، يقول أحد هؤلاء السباحين المنقذين بشاطئ أكادير، في تصريح لهسبريس الإلكترونية. ثم يزيد المتحدث نفسه: "مشكلتنا تكمن في أن غالبية رواد البحر، سواء من الشباب أو الأطفال، لا يلتزمون بإرشاداتنا؛ فعندما نقول له ابتعد عن هذا المكان لأن فيه حفرة، يقول لنا: أنا سباح ماهر.. ولا يتذكر تحذيرنا إلا بعد أن يكون الوقت قد فات أو أوشك على ذلك". ويردف هذا السباح المنقذ بشاطئ أكادير وهو يشير بأصبعه جهة البحر: "أنا مثلا مكلف بتأمين هذا المكان بشاطئ أكادير، ومهمتي أن أمنع السباحة قرب ثلاث حفر خطيرة توجد هنا. المصطافون الذين يرغبون في السباحة لا يعرفون هذه الحفر، وأنا أقوم بتحذيرهم من ذلك، وإذا أصر أحدهم على السباحة، أزيل ملابسي وأسبح لأرشده إلى المكان الآمن، حيث يمكنه أن يسبح دون خوف من أن تجذبه التيارات القوية". مهمة نبيلة أغلبهم من الفئات الشابة، وهم من أحياء أكادير الشعبية أو من الدواوير المجاورة، كانوا يرتادون الشاطئ منذ نعومة أظافرهم، وتعلموا مواجهة الموجات بشجاعة بطرقهم الخاصة، بعد أن تعلموا ذلك من شبان يكبرونهم سنا، إلى أن اكتسبوا خبرة كبيرة، فوضعوها رهن إشارة المصطافين، لعلهم ينجحون في إنقاذ روح بشرية، لشخص جرفته التيارات، فيجتهدون لتطبيق تعلماتهم في تدريب الإسعافات الأولية وإنقاذ الغرقى. "لن تتصور ما يشعر به سبّاح يتمكن من إنقاذ طفل كاد يموت غرقا، مهما وصفت لن أفلح في ذلك، ولن تتصور أيضا مقدار المشاكل التي نمر منها إذا تأكد أن شخصا ما مات في منطقة مسؤوليتك، إذا ثبت أي تقصير منك أو لم يثبت"، يقول سباح آخر يشتغل بشاطئ أكادير وعينه لا تبرح منطقة مسؤوليته. ثم يستطرد: "قبل مدة، نجحت بتوفيق الله من إخراج شاب يافع، عمر 14 سنة، كان قد فقد وعيه.. وبعد مجهود كبير ومساعدة مصطافين، استعاد وعيه، وتم إنقاذه، ومن وقتها يعتبرني أهله كأنني فرد منهم، ويدعونني إلى بيتهم وأحضر مناسباتهم كابن لهم". يجتازون امتحانا في أواخر أبريل أو ماي، يتم فيه اختيار عدد كبير حسب الحاجة، ويتم تشغيلهم في الشواطئ المحروسة مدة 12 ساعة في اليوم، بمقابل 2500 درهم في الشهر هذه السنة، بعد أن كان الأجر 2000 فقط في السنوات الماضية. بعضهم يلتحق بشواطئ أكادير لإنقاذ الغرقى، والبعض الآخر يلتحق بالعمل في بعض الفنادق التي تتوفر على مسابح كبيرة، تتطلب حراسة مستمرة، "حسب خبرة السباح والعلاقات التي تربطه بالناس"، حسب الذين استقينا آراءهم من هذه الفئة. قلة العدد والمعدات يشتغل بشاطئ أكادير، خلال موسم الاصطياف، 90 سباحا موسميا تابعين لمصالح الوقاية المدنية، لإنقاذ الغرقى وتقديم الإسعافات الأولية، و9 سباحين قارين تابعين للمصالح البلدية، كما تم تخصيص 8 سباحين موسميين لشاطئ أنزا. والعدد يبقى قليلا مقارنة بشاطئ أكادير وطوله، خاصة في نهاية الأسبوع، حيث يكثر زوار بحر أكادير ويعج بالراغبين في السباحة في مياهه. لا يتوفر هؤلاء المنقذون على معدات كافية تساعدهم على أداء مهامهم على أحسن وجه، والحيلولة دون غرق مرتادي البحر، أغلب الذين استفسرناهم عن وضعيتهم لم يرغبوا في ذكر أسمائهم أو التعبير عن مشاكلهم مخافة طردهم، بالرغم من أن العمل لا يدوم سوى 3 أشهر فقط في السنة؛ لكنهم يخشون ألا يتم قبولهم في السنة المقبلة. "لن يخسروا علينا سوى: حط داك التيشورت والصفارة وسير بحالك"، يقول أحدهم لهسبريس ثم يوضح، "لقد وقّعنا عقدا منذ البداية، نعلن فيه قبولنا بكل شروط العمل، وعدم تحمل الهيئة التي تشغلنا أي مسؤولية، حتى في حالة غرقنا نحن المكلفون بإنقاذ الغرقى؛ فعائلتنا لن ينالوا أي تعويض، لقد وقعنا على ذلك منذ البداية". حاولنا أخذ رأي بعض المسؤولين عن هؤلاء المنقذين في شاطئ أكادير؛ غير أن أغلب المسؤولين الميدانيين يرفضون الإدلاء بأي تصريح، ما لم يتلقوا إذنا من رؤسائهم.