رغم سيادة أجواء الرعب والاضطهاد كان الرفاق يستغلون أي تحرك من تحركاتهم ليجمعوا خلسة أي جزء من جريدة مهما صغر حجمه، هكذا كانت أطراف الجرائد تطوف على الدرب بكامله رغم الحراسة المشددة 24 ساعة على 24. ويتساءل المرء...هل كانوا يهتمون بالمرضى ؟ ..نعم لكن بالقدر الكافي حتى ينتهي التحقيق ويتمكن المريض من " تذوق" مختلف أجناس التعذيب. يبدو هذا الأمر غريبا، لكن هذا ما وقع لأن الذي كان يهمهم هو الحصول على المعلومات ولذلك كانوا حريصين على بقاء المختطف حيا وواعيا لأطول فترة ممكنة...إلا إن حسابهم " زهق" لهم مع الشهيد عبد اللطيف زروال الذي لفظ آخر أنفاسه من جراء التعذيب الشرس. خلال النهار، بالإضافة إلى " الحجاج" يحضر الجلادون والمحققون يحشرون أنوفهم في كل شيء بحسب هواهم، و " الحجاج" كانوا أقل مرتبة من أهل الدار طبعا. فأهلها يتدخلون في أدق تفاصيل الأمور وفي مواقع وحركات وسكنات ضيوف الدرب وفي استعمال المراحيض، لذلك أصبح أغلب الرفاق يفضلون عدم النوم ليلا والنوم نهارا، وكانت هذه الحيلة نفعتني حتى في أوج مرحلة التعذيب والتنكيل...كنت أحاول بكل ما أوتيت من قوة مقاومة النوم ليلا حتى الصباح، فيتملكني تعب شديد يساهم في جعلي أفقد الوعي بعد فترة وجيزة من التعذيب في حصص التحقيق. ودرب مولاي الشريف، رغم أهواله، له كذلك قططه لا يغادرونه رغم أنه عالم مظلم بجميع المعايير والمقاييس، إنها قطط جبلت على مرافقة المعتقلين، وكان المحظوظ منا هو الذي ينعم بقرب إحدى القطط إليه يلاعبها ويداعبها محاولا التواصل معها. في هذا الفضاء ظل ضيوف الدرب اللعين في عداد المفقودين...وعندما كان بعض الأهالي يتصلون بالشرطة للسؤال عن مصير أولادهم في مختلف المدن المغربية، كانت الشرطة تجيب بعدم علمها بأي شيء. في درب مولاي الشريف كانت كل الإجراءات همجية منذ لحظة الاختطاف حتى التقديم للنيابة، وآنذاك تبدأ مرحلة همجية أخرى في السجن.