قال سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين بأبو ظبي، إن ظهور الشعبوية نتيجة للأعطاب التي تعاني منها الديمقراطية الغربية، وأشار إلى أن المغرب لا يوجد فيه تيار شعبوي، بل فقط مظاهر لهذا الخطاب. وأشار الصديقي، في ندوة نظمها مركز هسبريس للدراسات والإعلام، حول موضوع "ظاهرة الشعبوية السياسية"، إلى أن "النظام الديمقراطي الغربي له من المقومات ما يجعل له الحصانة والمناعة ضد وصول هذه التيارات إلى الحكم، لكن إن وصلت فهناك مؤسسات صنع القرار التي يمكن أن تقيد أي توجه لفرض هذا الخطاب، خصوصاً في مجال السياسة الخارجية". ويرى الصديقي أن هناك فرقاً بين الخطاب الشعبوي والحركات والأحزاب الشعبوية، وقال: "الخطاب البسيط السهل الفهم ليس بالضرورة شعبوياً..نعرف زعماء ناجحين عبر العالم لهم خطاب يتميز بالبساطة يفهمه الجمهور، لكنهم ليسوا شعوبيين". وأضاف المتحدث ذاته: "الشهيد المهدي بن بركة حين نعود إلى خطاباته نجد أنه كان يخاطب الجماهير باللغة التي تفهمها، ويستعمل لغة في مستواها، لكن ليس بالضروري شعبوياً"، مشدداً على ضرورة التمييز بين اللغة التي يفهمها الجميع والشعبوية، كتيار تتوفر فيه مجموعة من العناصر. وأوضح الصديقي أن الشعبوية كتيار "تظهر حين تجتمع أربع خصائص؛ أولها أن يكون الخطاب سطحياً وبسيطاً، ويقدم حلولاً بسيطة لمشاكل معقدة، إلى جانب دغدغته عواطف الناس، وتقسيم المجتمع إلى طبقتين، الشعب النقي والطاهر، والنخبة الفاسدة، سواء الحاكمة أو التي تصنع الرأي العام". أما الخاصية الرابعة لاعتبار أي خطاب شعبويا فهي "تقديم التيارات نفسها كممثلة حقيقية للجماهير وللشعب، وتعتقد أنه لو استفتي الشعب سيختارها بالضرورة". وحسب الباحث ذاته فإن "الشعبوية ظاهرة غربية بالدرجة الأولى، ظهرت في أوروبا الغربية وأميركا وأميركيا اللاتينية، إضافة إلى حالات قليلة في آسيا"، وزاد: "وفي العالم العربي هناك تجربة جبهة الإنقاذ الإسلامية"، ويضيف: "بالنسبة للمغرب هناك مظاهر للخطاب الشعبوي، وليس لدينا حتى الآن أي تيار شعبوي". ويشير الباحث إلى أن "حالات الشعبوية في الغرب يصعب إدراجها في خانة واحدة، بل لكل تيار سياقه المعين، وقد تتشابه في ظهورها لكن لا يمكن تعميم قواسم مشترك بينها". ويورد الصديقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب كمثال، ويقول إنه "لم يتبن الخطاب الشعبوي من تلقاء نفسه فقط، بل اشتغلت معه مراكز البحث التي تدرس اتجاهات الناخبين، فقالت له استعمل هذه اللغة وتبنى هذا الشعار"، قبل أن يضيف: "هو ليس بالضرورة شعبوي بطبعه، رغم طغيان الجانب العفوي على شخصيته". ومقابل هذا، يقول الصديقي إن "أميركا تتوفر على مؤسسة قوية لصنع القرار وإعلام قوي يتصدى للتيار الشعبوي في كل المراحل". وحسب الصديقي فالشعبوية ظهرت في بريطانيا في أوجها خلال مرحلة التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن "لم يستطع أي تيار أو أحد من المفكرين الكبار أن يعبروا عن رأي معارض لهذا الخيار"، ويُضيف أن "أي تشكيك في هذا الاقتراع هو تشكيك في الديمقراطية". ورغم إقرار الصديقي بأن الحياة السياسية في الدولتين مختلفة، ولكل حالة سياقها، إلا أن "مسألة عجز النخب عن تقديم حلول ترضي الجمهور تعد أحد العوامل الأساسية لظهور الشعبوية كظاهرة عابرة تتكرر كلما توفرت الشروط". مقارنة الوضع بين التيارات الشعبوية في الغرب ومظاهرها في المغرب يجعل الصديقي يؤكد أن الأولى نشأت في ظل ظروف موضوعية، أي أزمة النخب والنظام ونتائج العولمة وضعف قدرة الدولة على إنتاج فرص الشغل. وفي حالة المغرب يقول: "يجب أن نتساءل أولاً هل هذه الزعامات التي لديها خطاب شعبوي فعلاً أتت إلى سدة قيادة هذه الأحزاب بطريقة ديمقراطية أم صُنعت؟ هنا تتعطل أحياناً أجهزة التحليل". ويشير الصديقي إلى أن المفارقة في المغرب مقارنةً بالغرب تكمن في أن "هناك أحزابا مغربية أنشئت من عدم وزعامات أوتي بها لمواجهة حزب آخر يتقوى باستمرار"، وزاد: "هناك من يعتقد أن استعمال زعيم معين لخطاب شعبوي نجح في استمالة الناخبين لا بد من مواجهته بخطاب مماثل، لكن أقل جودة منه". الشعبوية في الغرب، حسب الصديقي، تفسرها "شروط موضوعية سواء من داخل النظام السياسي أو سياق العولمة، أما في المغرب فيوجد تدخل جهات من خارج هذه الأحزاب". ويخلص الباحث إلى أن "مظاهر الشعبوية في المغرب لازالت محدودة"، وأن "الشعبوية كتيار كما عاشتها المجتمعات الغربية لازلنا بعيدين عنها"، وشدد على أن البلاد في حاجة إلى عقلنة الحقل الحزبي نفسه بنفسه، وليس بتدخل طرف آخر من خارج المنظومة الحزبية، ويؤكد قائلاً: "ينبغي أن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب ليكون هناك فصل بين الدولة والحياة الحزبية". جدير بالذكر أن الندوة التي نظمها مركز هسبريس للدراسات والإعلام شارك فيها إلى جانب سعيد الصديقي، كل من محمد جبرون، الباحث في التاريخ الإسلامي والأستاذ في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة، ومحمد الهاشمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أبو شعيب الدكالي بالجديدة.