شكل المهاجرون والأقليات العرقية والدينية حجر الزاوية في الخطابات الشعبوية خاصة بأوربا، ما أدى إلى سياسة انغلاق هوياتي يرفض الآخر ويحمّله مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لبلدان الاستقبال، حيث اعتُبروا الورقة الرابحة لقلب موازين القوى لصالحهم ،وهو ما لقي تقبلا وأقنع العديد من المنتقدين والرافضين لياساتا بلدانهم. وقد تطرقت الجلسة الثانية من ندوة «الشعبوية والخطاب الغربي حول الحكامة والديمقراطية» لتأثيرات هذا الخطاب على هذه الأقليات، محذرة من تداعياته على الاقتصاد والانتقال السياسي وقيم التعايش. قلل خيمي غاما رئيس التجمع الجمهوري البرتغالي ووزير الخارجية السابق من تأثير الخطاب الشعبوي، معتبرا إياه ليس بالجديد فقد استخدم دائما لاستمالة ميزان القوى لصالح جهة في مواجهة الأخرى، لكن عنصر الجدة، يضيف خيمي غاما، هو أن هناك بيئة جديدة بصدد خلق توازن وأقطاب سياسية متعددة، مشيرا الى أن السياسيين اليوم توجهوا الى هذا النوع من الخطابات بسبب تقادم آليات الاستقطاب التقليدية التي لم تعد فعالة في استقطاب الأصوات. من جهته اعتبر أنطوني بورغ، المفوض الأوربي سابقا ونائب رئيس الوزراء ووزير خارجية مالطا، أن ظهور النزعات الشعبوية لا يرتبط فقط بالبلدان غير الديمقراطية، بل إنها تجد أرضية حتى داخل الديمقراطيات العريقة كبريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوربي بداعي حماية الحدود. كما ربط بورغ بين انهيار الاقتصاد وتصاعد الشعبوية والأزمة المالية ل 2008، معتبرا أن الشعبوية لا تفرق في مستقطَبيها بين الفئات والاوساط التي تتسيد فيها، وأن الفرق فقط يكمن في طبيعة وكاريزما الشخصيات التي تروج لها، وهي الكاريزما التي جعلت 65 بالمائة من الناخبين ينساقون وراء سحرها، مؤكدا أن هناك اتفاقا بينها على تحميل المسؤولية في انهيار الاقتصاد الأوربي للمهاجرين، مشيرا الى أن اللعبة السياسية هي لعبة أحزاب تعتمد خطابات خطيرة رغم أنها غير شعبوية وذلك حماية لمواقعها عبر إطلاق وعود انتخابية لكسب جماهيرية أكبر، مقدما المثال بالرئيس الفرنسي ماكرون الذي رغم أنه لا ينتمي الى حزب شعبوي إلا أنه استعمل خطابا شعبويا لكسب المزيد من الأصوات. ولم يبرئ الكاتب والصحفي اليمني والسفير السابق باسبانيا مصطفى نعمان الى ان كل الدول والحكومات من صفة الشعبوية في الخطاب، مؤكدا أنها جميعا معنية بانتشار هذا النوع من الخطابات بما أنها تستعمله، ويبقى الإشكال قائما في الدول غير الديمقراطية التي – وفي ظل غياب المؤسسات – لا تمارس خطابا شعبويا سياسيا بل تمارس خطابا شعبويا ذا طابع اقتصادي يكون ضحيته الأوائل المهاجرون والمقيمون، ويستثنى من تأثيراته االمواطنون الاصليون كمسألة فرض الضرائب على المقيمين فقط . ولم يفت نعمان الإشارة الى دور وسائل الاعلام في انتشار الخطاب الشعبوي من خلال قنوات السلطة الحاكمة التي تصرّف عبره تصوراتها ، مقدما المثال بالرئيس الأمريكي ترامب الذي رغم افتقاده لأي مشروع سياسي واجتماعي واضح، إلا أن استطلاعات الرأي تشير الى أنه يحظى بشعبية 80 بالمائة. من جهته تطرق عمر مشهور حديثة الجازي المستشار الاردني الدولي في القانون، الى التبعات الدولية لوصول الأحزاب الشعبوية الى السلطة كاليمين الشعبوي في إيطاليا وفوز ترامب بأمريكا وإجراءاته الحمائية تجاه بعض الدول والأقليات، متسائلا: هل ستسمح وول ستريت والمؤسسات المالية بهذا الخطاب خاصة بعد خروج أمريكا من معاهدة باريس للمناخ والتلويح بالانسحاب من حلف الناتو وإلغاء معاهدة نافتا واتفاقية التجارة الحرة، لأنه امتدادات هذا الخطاب تتعدى الحدود الجغرافية للدول، مرجحا أن يكون رد الفعل الثقافي أول الأسباب في ظهوره ، وهو ما يفسر تصاعد هذا الخطاب في دول تعيش حالة رفاه اجتماعي ولا تعاني من غياب العدالة الاجتماعية كالدانمارك مثلا.وحدد مشهور ثلاثة مؤشرات تتحكم في تنامي هذه التيارات: مؤشر السن، إذ أن غالبية المتبنين لها من كبار السن. مؤشر التعليم: محدودية المستوى التعليمي للمصوتين على الأحزاب الشعبوية. مؤشرالبطالة، حيث تعتمد هذه التيارات على كثير من القيم الثقافية وتحمل المسؤولية للمهاجرين. وسجل مشهور أن الأقليات العرقية والدينية أقل تصويتا بحكم القوانين الانتخابية المتشددة بخصوص تصويت المهاجرين، مما يجعلهم غير فاعلين في الحد من هذا التنامي المضطرد، محذرا من إمكانية التحالف بين هذه التيارات والتي قد تؤدي الى حروب عالمية جديدة. رودنونيل غوش الصحافي والناشر الهندي حمل مسؤولية ظهور وتنامي الخطاب الشعبوي للنخبة الليبرالية التي لم تحقق وعودها على أرض الواقع وأهمها العدالة الاجتماعية، مشيرا الى أن استعمال العولمة لم يتم بشكل أفضل لتقاسم المعارف والمعلومات. كما أن عملية التحول من الليبرالية اليسارية الى الشعبوية كانت لها أسبابها الموضوعية والتي تتحمل فيها النخبة دورها، حيث أن هذه النخبة التي دعت إليها في البداية، كانت نخبة مثقفة قامت بالدعاية والدفاع عن هذا التوجه لكنها لم تواكب المستجدات خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع المد الليبرالي وما صاحبه من تقلص مساحة حرية التعبير، والأجواء السلطوية ضد المعارضات الداخلية. كل هذه العوامل مهدت لظهور الخطاب الشعبوي، بالإضافة إلى تأثير العولمة وتدويل الأفكار التي لم يوازها تدويل للقيم الليبرالية. وأشار غوش إلى خصائص الخطاب الشعبوي بالهند، حيث النخبة تستمد قوتها من القبيلة ما يجعلها سريعة التأثر بهذا بالخطاب، بالإضافة الى فشل السياسات التعليمية التي أغفلت التعليم الأساسي وجعلته تحت مسؤولية المنظمات غير الحكومية وهو ما أدى إلى انعدام الوعي الذي يدفع بدوره إلى عدم التمييز بين الخطابات المقدمة ، مركزا على محدودية وسائل الإعلام التقليدية ودينامية شبكات التواصل الاجتماعي في ظل فجوة كبيرة في الاستفادة من الثورة الرقمية بين فئات المجتمع الواحد. برنادينو ليون رييس أستاذ الفلسفة السياسية والعلاقات الدولية، ركز في تدخله على أن المد النخبوي آخذ في التهام رقع انتخابية من كعكة الأحزاب التاريخية كما حدث في إسبانيا، حيث برزت هناك حركتان شعبويتان بإسبانيا «بوديموس» و»سيودادانوس» لقيتا دعما بين صفوف الشباب، وحققتا مكاسب كبيرة على مستوى الأصوات، في تهديد حقيقي للحزبين الرئيسيين الحزب الشعبي الحاكم والحزب الاشتراكي، بسبب تقادم خطابهما، مضيفا ان من بين الأسباب الكامنة وراء هذا الانتشار الفشل في تدبير شؤون المواطن خاصة في الدول التي انتهجت طريق اللبرالية الجديدة، غياب العدالة الاجتماعية، الأزمة الاقتصادية، الانتقال السياسي وتنامي القلق من تداعيات العولمة. ولفت رييس الانتباه الى أن الخطاب الشعبوي لا يهتم بالمضمون، بل بالطريقة التي يتم بها استخدام اللغة لإغواء الجمهور، مشيرا الى أن العديد من الحركات الليبرالية في أوربا والتي كانت ضد القوى الاستعمارية، وجدت نفسها تعيد إنتاج نفس أساليبها القمعية وخطاباتها اليوم خاصة تجاه المهاجرين.