(2/5) هل الدولة في خدمة المقاولة، أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها. المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهذه الأخيرة تراهن عن الأخرى اقتصاديا واجتماعيا. إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا، لا لحضانة ولا لرهان، بل لتعايش، تعايش ثلاثي الأضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هذه الأخيرة بالنقابة. تعايش لا يجب أن يكون على مضض بل على اختيار وحرية، قوامه التوازن والاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون. أما بالنسبة إلى باقي المواضيع التي تناولها "دليل" الاتحاد العام لمقاولات المغرب، موازاة مع ما يقابلها بمدونة الشغل، خصوصا تلك التي له تحفظا في شأن بعض مقتضياتها نذكر: ج - الإجراءات التأديبية في حق الأجير في مجال السلطة التأديبية، التي يمنحها المشرع للمشغل لضبط سلوك الإجراء، في إطار الالتزامات المهنية المتبادلة بينهما، والتي اعتبرها جزءا لا يتجزأ من تدبير شؤون المقاولة، يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب صعوبة تطبيق ما جاءت به المدونة بهذا الخصوص، من حيث ملاءمة العقوبة المفترضة، الموجهة إلى الأجير عن الخطأ غير الجسيم المرتكب من لدنه مع الالتزام بالتدرج فيها، كما تنص على ذلك المادة 38 من المدونة، والتي تفرض توجيه الإنذار في أول الأمر في شأن الخطأ غير الجسيم مهما كانت درجته. كما يثير الاتحاد الصعوبة في تطبيق المادة 39 من المدونة، التي حصرت حالات الأخطاء الجسيمة، التي قد يرتكبها الأجير، وفضل أن تكون تلك الأخطاء واردة على سبيل المثال لا الحصر. إن الصياغة التي جاءت بها المادة 39 من المدونة: "تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة، يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء التالية المرتكبة من طرف الأجير : ...." لتمييز الخطأ الجسيم عن غير الجسيم، جاءت واضحة من لدن المشرع، بذكر هذه الأخطاء على سبيل الحصر، تراجعا منه، عن الصياغة الواردة بالفصل 6 من ظهير 23 أكتوبر 1948 بمثابة "النظام النموذجي" الذي كان ساري المفعول قبل صدور المدونة والتي جاءت كالتالي: "يمكن طرد الأجير فورا وبدون سابق إنذار، في حالة ما ارتكب خطأ شنيعا؛ وتعد على الأخص المخالفات التالية..."، وهو ما يعني أن تلك الأخطاء وردت على سبيل المثال. والواضح أن تراجع المشرع عن صياغة الفصل 6 المذكور غايته حماية الأجير من أي قياس، أو توسيع لمفهوم الخطأ الجسيم. وقد جاءت المادة 40 من المدونة المحددة للأخطاء الجسيمة المرتكبة من لدن المشغل، لتكرس هذه الحماية، وعلى سبيل المثال فقط من خلال تعدادها، لما يمكن أن يعد خطأ جسيما في حق الأجير من لدن المشغل أو رئيس المقاولة، كل هذا اعتبارا لكون الأجير الطرف الضعيف – حسب تقدير المشرع - في المعادلة. الأمر الذي قد يطرح العديد من الصعوبات في التطبيق، بالنسبة إلى حصر الأخطاء الجسيمة المرتكبة من لدن الأجير، خاصة أن وسائل العمل أصبحت تتطور بشكل سريع خصوصا في المجال المعلوماتي، فهناك جرائم إلكترونية أصبح يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، وجنح السير التي يرتكبها سائقو العربات، والتي قد تكبد المقاولة خسائر باهظة؛ لكنها لا تعتبر أخطاء جسيمة بالنسبة إلى مدونة الشغل، إلا إذا صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية، وهو ما كان معه من المستحب أن يبقى للقضاء، في هذا المجال هامشا من سلطة تقدير جسامة الخطأ المرتكب. تنص المادتان 39 و62 من مدونة الشغل، في حالة إقبال المشغل على فصل أجير من عمله، أو توقيفه مؤقتا أو نقله من عمله كإجراء تأديبي أو توجيه التوبيخ الثاني أو الثالث إليه، على أنه يجب أن يتيح له فرصة الدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة إن وجد الذي يختاره بنفسه؛ وذلك في أجل لا يتعدى ثمانية أيام من ارتكاب الفعل المنسوب إليه، ويحرر محضرا في الموضوع؛ وإذا رفض الطرفان إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل. إن هذه المقتضيات جاءت بناء على مطلب من المنظمات النقابية، خلال مفاوضاتها مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، للتوافق في شأن مشروع مدونة الشغل. وكان هذا المطلب يسعى إلى حماية الأجير من "تعسفات" رب العمل- حسب ادعائهم - من القرارات التأديبية أحادية المصدر. ونقل هذا الاختصاص إلى مجلس تأديبي، يتكون من ممثلين لإدارة المقاولة وللأجراء على السواء، تناط به اتخاذ قرارات العقوبات التأديبية؛ وذلك على غرار ما هو جاري به العمل بالنسبة إلى العلاقات المهنية النظامية، بالوظيفة العمومية، وما شابهها من مؤسسات، وهيئات عمومية، والتي تنص أنظمتها الأساسية على ذلك؛ إلا أن هذا المقترح ووجه بالرفض من لدن ممثلي أرباب العمل؛ بدعوى أن العقوبات التأديبية هي جزء من تدبير شؤون الموارد البشرية، والتي هي جزء لا يتجزأ عن تدبير شؤون المقاولة ككل؛ وبالتالي لا يجوز تفويضه للغير، ما دام رب العمل يبقى المسؤول الوحيد عن سوء التدبير، في حالة إعسار المقاولة، وبأن أي تفويض من هذا القبيل قد يدخل المقاولة في النفق المسدود، في حالة لجوء الأجراء لإضراب تضامني مع إجراء اتخذت في حقهم إجراءات تأديبية، لا يوافق عليها ممثلوهم. ولكل ما ذكر، وبعد مفاوضات بين الطرفين تم التوافق في الموضوع، على أساس أن يعطى للأجير على الأقل حق الدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه من لدن المشغل، أو من ينوب عنه، لتفادي أية تجاوزات تقترف من لدن رؤساء الأجير المباشرين، وذلك بحضور مندوب للأجراء أو ممثل نقابي، هذا إضافة للاستماع له خلال أجل لا يتعدى ثمانية أيام من ارتكاب الفعل المنسوب، إليه لحمايته من العقوبات الكيدية بناء على أخطاء قديمة، إلا أنه بالرغم من كل هذا، وبالرغم من وضوح الغاية من النص – حسب اعتقادي – فإن تفسيره اختلف فيه العديد من الممارسين في المجال بما فيه القضاء، فيما يلي: * تنص الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل على: ".... إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة (مسطرة الاستماع) يتم اللجوء إلى مفتش الشغل". فالمشرع لم يحدد لنا دور مفتش الشغل عند اللجوء إليه، فهل لإجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية المنصوص عليها بالمادة 532 من المدونة، التي تحدد مهام الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل؟ فالمدافعون عن هذا التفسير يستندون على كون المادة الأخيرة لم تنط بمفتش الشغل هذه المهمة. والاتجاه الثاني، والذي أميل إليه، ينيط بمفتش الشغل إجراء أو إتمام مسطرة استماع لمشغله لأجيره؛ بالإشراف على عقد لقاء بين الطرفين للاستماع لبعضهما البعض، وتحريره لمحضر في الموضوع نيابة عن المشغل وذلك قبل اتخاذ قرار العقوبة التأديبية المفترضة، لضمان حق الاستماع للأجير، وللدفاع عن نفسه الذي هو روح المادة، والغاية الأساسية من سنها. وكإجراء شكلي حمائي للأجير. أما إجراء محاولة التصالح فهي مهمة أخرى مناطة بهذا الجهاز ، وإن كانت وحدة الموضوع تربطهما. إما لكون المادة 532 لم تشر إلى هذه المهمة، فمهام مفتش الشغل وردت متفرقة في العديد من مواد المدونة، كالمادة 437 على سبيل المثال، التي توليه مهمة التحكيم، في حالة عدم اتفاق المشغل وأجرائه، على توزيع المؤسسات بالمقاولة، أو توزيع الأجراء الأعضاء بين الهيآت الناخبة، وعلى توزيع المقاعد بين هذه الهيآت أثناء إجراء انتخابات مندوبي الأجراء؛ هي مهمة لم ترد بالمادة 532. *أما فيما يخص حضور مندوب الأجراء، أو الممثل النقابي، بجلسة الاستماع؛ فكلمة "حضور" لا تحدد بدقة دور هذا الأخير، لكون البعض حصر هذه المهمة في الاستماع فقط لدفوع الأجير، وليس لمؤازرته، إلا أنه يؤاخذ على أنصار هذا الاتجاه أنهم يضعون ممثلي الأجراء في صف المشغل، وهو ما يتناقض مع مهامهم الأساسية المشار إليها في المادة 432 من المدونة، المتجلية في تقديم الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل، الناتجة عن تطبيق تشريع الشغل، أو عقد الشغل، أو الاتفاقية الجماعية، أو النظام الداخلي، إلى المشغل. وفي حالة عدم الاستجابة لها يحيلها إلى العون المكلف بتفتيش الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها؛ وبذلك لا يمكننا أن نتصور دورا آخر غير المؤازرة والوقوف إلى جانب الأجراء، والدفاع عنهم. * بالمادة 62 من مدونة الشغل: "يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من لدن المشغل..." إن صيغة الوجوب تجعل من المقتضى شرطا شكليا، وإجباريا. وهنا يطرح سؤال، هل عدم اللجوء إلى هذه المسطرة، يجعل من قرار رب العمل التأديبي قرارا تعسفيا، مهما كانت خطورة الفعل المرتكب المنسوب للأجير؟ وإن كان موضوعه لا يعني العلاقة المهنية التي تربطه بمشغله، فالمادة 39 من مدونة الشغل تعتبر ارتكاب جنحة ماسة بالشرف، أو الأمانة، أو الآداب العامة، صدر في شأنها حكم نهائي وسالب للحرية، بمثابة الخطأ الجسيم، يمكن أن يؤدي إلى الفصل. ففي هذه الحالة إجراء مسطرة الاستماع أمام المشغل يصبح من غير جدوى، فالاستماع للأجير للدفاع عن نفسه من ماذا؟ فهل في موضوع الجنحة الذي صدر في شأنها حكم قضائي نهائي سالب للحرية، والتي قد تكون لا علاقة لها بالتزامات الأجير المهنية أي مرتكبة ضد الغير خارج المقاولة ؟ كجنحة خيانة الأمانة أو إصدار شيك بدون رصيد، أو ارتكاب جنحة السكر العلني خارج مقر عمله. * ثم إن حق الأجير في الاستماع إليه بمؤازرة مندوب للأجراء أو ممثل نقابي، تطرح مشكلة عدم وجود هؤلاء الممثلين للأجراء بالمقاولة؛ بالنسبة إلى المقاولات التي تشغل أقل من عشرة أجراء، والتي تكون فيها تمثيلية مندوبي الأجراء اختيارية؛ ولا الممثل النقابي الذي لا يوجد إلا بالمقاولات التي تشغل مائة أجير وما فوق. أو بسبب عزوف الأجراء عن تأسيس ممثلين، عنهم سواء تعلق الأمر بمندوبي الأجراء أو الممثلين النقابيين. فهل إجراء مسطرة الاستماع في غياب هؤلاء الممثلين للأجراء، في هذه الحالات يعتبر مخلا بمسطرة الاستماع للأجير؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فما ذنب المشغل في غياب ممثل للعمال؟ إن دعوة المشغل لإجراء مسطرة الاستماع قبل اتخاذ القرار التأديبي المذكور في حاجة إلى قيود واستثناءات تشريعية تحفظ التوازن المنشود في العلاقات المهنية، من خلال ضمان دفاع الأجير عن نفسه، وبالمقابل تحرير المشغل من كثرة القيود الشكلية حين يكون قراره التأديبي التأديبي موضوعيا. يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب إشكالية تفسير وتطبيق المادة 41 من مدونة الشغل، التي تمكن الأجير الذي فصل عن الشغل، لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي من أجل الرجوع إلى شغله، أو الحصول على تعويض؛ وفي الحالة الأخيرة يوقع الطرفان توصيل استلام مبلغ التعويض، مصادق على صحة إمضائه، ويوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل. ويعتبر هذا الصلح التمهيدي نهائيا غير قابل للطعن أمام المحاكم. والصعوبة في هذا الإجراء تتجلى في توقيع العون المكلف بتفتيش الشغل بالعطف، فما المقصود بعبارة "العطف" وما مدى حدود مسؤوليته في إبرام هذا العقد النهائي غير القابل للطعن أمام المحاكم؟ فهذا الأمر يثير تحفظا من لدن بعض أعوان تفتيش الشغل، في ممارسة هذا الإجراء لكونه حاسما في النزاع، يمس حق التقاضي الذي يضمنه القانون للأجير، إضافة إلى لجوء بعض المشغلين إلى هذا الإجراء بالرغم من عدم تمكين الأجير من مجموع مستحقاته القانونية الناتجة عن الفصل التعسفي، بالاكتفاء بمبلغ جزافي يتم التراضي بشأنه، لا يتضمن التعويضات عن الضرر المشار إليها في المادة نفسها المحدد مبلغه على أساس أجر شهر ونصف عن سنة عمل أو جزء من السنة في حدود سقف 36 شهرا، التي تشترطها المادة 41 من مدونة الشغل، للجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي النهائي. إن وجود مفتش الشغل في صلب إجراء الصلح التمهيدي بين الأجير والمؤاجر بتوقيعه بالعطف على الاتفاق بينهما يتطلب تفسيرا لهذا العطف الذي يوقع به، فإن كان ذلك للحرص على تطبيق المادة 41 بحذافيرها؛ حماية للأجير كطرف ضعيف من إرغام المؤاجر له عن ذلك كما فعل المشرع حين اشترط المصادقة على صحة توقيع استقالة الأجير من العمل، حماية له من الضغوط التي قد تمارس عليه بمنحه مهلة كافية لاتخاذ قراره ذاك بالمصادقة عن التوقيع أمام السلطات المحلية، فإن ذلك يضع مفتش الشغل في خانة المسؤولية، قد توسع من صلاحياته لصالح هذا الطرف أو ذاك؛ وتحكمه في الخلاف بينهما، أما إن كان توقيعه هذا بالعطف لا يتجاوز شهادته على تمكين الأجير أمامه من التعويضات المتفق عليها، ولو كانت دون التعويضات الكاملة المحددة على أساس أجر شهر والنصف شهر عن كل سنة؛ ففي هذه الحالة يكون في دوره حيفا في حق الأجير، الذي يلجأ إلى مفتش الشغل ليضمن له حقوقه، والتي يكون جاهلا لها في غالب الأحيان، وأقلها الحق في التقاضي كما ينص على ذلك القانون. إن المادة 41 من مدونة الشغل في حاجة إلى مذكرة توضيحية تصدرها وزارة الشغل والإدماج المهني، لتوحيد التفسير، صيانة لإرادة المشرع وضمانا لحقوق كل من الأجير والمقاولة المشغلة على السواء؛ فالاتحاد العام لمقاولات المغرب يرى في تمكين الأجير المعفى من عمله من التعويضات الكاملة، في إطار مسطرة الصلح التمهيدي أمرا لا ينبني على التوافق والتراضي، بل إذعانا من المشغل للأجير، لتساوي هذه التعويضات مع الحد الأقصى من التعويضات التي يمكن للمحكمة الحكم بها إن رفع النزاع لها. د - التعويض عن فصل الأجراء: أثارت المادة 59 من قانون رقم 99/65 بمثابة مدونة الشغل جدلا حقيقيا بعد دخولها حيز التطبيق، والتي تقر باستفادة الأجير عند فصله تعسفيا من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار. واعتبر البعض هذه التعويضات ذكرت على سبيل الحصر، وبالتالي لا يجوز الجمع بينها وبين التعويضات عن الفصل المنصوص عليها بالمادة 53 من القانون نفسها. وقد أثيرت الإشكالية أول الأمر على مستوى مفتشية الشغل، حيث تضارب التفسير بين الممارسين بهذا الجهاز إلى أن صدرت مذكرة وزارية تفسيرية ترجح الطرح الذي يتبنى مبدأ عدم الجمع بين هذه التعويضات. إلا أن القضاء حسم الأمر بعد ذلك باعتماده ل"واو المعية" بين المادتين 53 و59 بالجمع بين هذه التعويضات؛ وهو الأمر الذي يعتبر منطقيا، لغياب نص صريح يدعو إلى عدم الجمع. ولأن عدم الجمع بين هذه التعويضات من شأنه أن يقلص من التعويضات التي كان يستفيد منها الأجير قبل صدور المدونة، فقد كان التعويض عن الطرد التعسفي يقدر في إطار نظرية التعسف في استعمال الحق المبنية على عدم أحقية المشغل في استعمال حقه في إعفاء الأجير من شغله إذا لم يكن يقصد من وراء استعمال حقه هذا سوى الإضرار بالأجير، وكذا إذا كانت غايته من الإعفاء قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الأجير من ضرر بعد تجاوزه الحدود المألوفة في ممارسته لحقه. وبذلك يبقى تحديد هذه التعويضات خاضعا لتقدير القضاء؛ إلا أنه وبعد صدور المدونة أصبح لكل من التعسف والضرر مفهوم مهني واجتماعي غير المفهوم العام الذي كان سائدا. وبذلك، حدد المشرع للتعويض عنهما سقفا وطريقة للاحتساب، وإن كان قد ضاعف مبلغ التعويض عن الفصل. وقد أثار الاتحاد العام لمقاولات المغرب الموضوع من جديد، مطالبا بإعادة النظر في هذه النصوص المحددة لهذه التعويضات، والتي يراها تثقل كاهل المقاولة عند إنهاء علاقات الشغل بإرادتها المنفردة، مما يؤثر سلبا على المبادرة في الاستخدام، بخلق مناصب شغل جديدة. إن مدونة الشغل حين صدرت سنة 2004، جاءت بناء على توافق بين ممثلي الأجراء في شخص المنظمات النقابية، وممثلي المشغلين الذين يمثلهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛ وهو ما يمكن اعتباره التزامات متبادلة وكل طرف من هؤلاء يعيش حاليا فترة تأمل نتائج هذا النص القانوني بعد عشر سنوات من صدوره، لتقييم المكاسب والخسائر التي جناها منه. ومن البدهي أن تكون للطرفين مطالب بتدارك ما اعتبره خسائر في تقديره؛ غير أنه ومن باب المنطق فإن أي مطلب للتعديل في هذا المضمار، سواء من هذا الجانب أو الآخر، لا يمكن تصوره إلا بالعودة إلى طاولة التفاوض بين الطرفين، تعزيزا للقداسة التعاقدية للأطراف الاجتماعية، وهو الأمر الذي أكده السيد عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية السابق، بالمحاضرة الافتتاحية الجامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش بتاريخ 22 نونبر 2014 حول موضوع "مدونة الشغل بعد عشر سنوات من التطبيق"، حيث قال: "... إن الوزارة ستواصل الحوار والتشاور مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين من أجل إدخال التعديلات الضرورية على بعض بنود مدونة الشغل، وذلك لمواكبة المتطلبات الجديدة لسوق الشغل، وكذا للتغييرات الكبرى التي شهدتها التشريعات المقارنة....". أما ما أثاره الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشأن تعويض الأجير عن فقدان الشغل المنصوص عليه بالمادة 59 من المدونة، فهو تعويض لا يعني المشغل بشكل مباشر، بل يتحمله الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أما تحملات المشغل في هذا الباب فهي غير مباشرة، تضامنية، ونسبية، بينه وبين الدولة وباقي المشغلين والأجراء، عن طريق مساهمات جزئية وطفيفة إضافية. يتبع... أنقر هنا لقراءة الجزء الأول الاتحاد العام لمقاولات المغرب .. بين الانفتاح والتحفظ على مقتضيات مدونة الشغل *ممارس وباحث في قانون الشغل [email protected]