"طاكسي طاكسي طاكسي"، تنادي فتاة في ريعان شبابها، تحمل ملفا طبيا بممر الأمير المحاذي لساحة جامع الفنا، فتجري نحو مركبة أولى، تتبادل الكلام مع سائقها، ثم تضرب برجلها الأرض، ثم تجري لمركبة ثانية وثالثة، والجواب دائما رفض السائقين نقلها، تقترب منها هسبريس لتعرف ما السبب؟ فكان الجواب: "رفضوا نقلي إلى باب دكالة، وهي المسافة التي يمكن قطعها في 10 دقائق مشيا لمن يملك قوته البدنية". حالة الفتاة سابقة الذكر عاينت هسبريس مثلها وأكثر بالقرب من السوق البلدي، بباب الملاح؛ حيث ترابط عدة سيارات للأجرة مقفلة، والسائقون منهمكون في الحديث بينهم، فيما سيدة في عقدها الثالث تصاحب والدتها التي بلغت من العمر عتيا، ولا تجد سيارة أجرة تقلهما. وفي مكان آخر قرب مقهى إمزان والمقر السابق للقنصلية الفرنسية، عاينت هسبريس سيارات أجرة من الصنف الأول ترابط ولا تتحرك سوى إذا حضر زبناء من ذوي السحنة الشقراء...سيدة رفقة اثنين من أبنائها تشير هنا وهناك، تقف "طاكسي"، لكن بابها لا يفتح، لأن سائحا أجنبيا يعانق زوجته في المكان ذاته. هذا هو الإيقاع الذي يعيشه قطاع النقل على مستوى سيارات الأجرة بمدينة مراكش، بمواقع عدة، منها الساحة المحاذية لقصر البديع وحي الملاح، وبالقرب من جامع الفنا، وبمنطقة جليز، وأمام فنادق بعينها بالحي الشتوي، لأن فئة من السائقين يفضلون نقل السياح الأجانب عن خدمة المواطنين المغاربة. أحمد، سائق قضى بالمهنة أكثر من 24 سنة، أوضح لهسبريس أن تفضيل السائح الأجنبي عن المغربي والقاطنين بمدينة مراكش بدأ بالتراجع أمام عدة عوامل، منها كثرة الرخص، ولأن حاملي الشواهد العليا دخلوا المجال، مستدلا على قوله بأن أغلب سيارات الأجرة تقل المواطنين بالمنطقة المحاذية لساحة جامع الفنا. ملاحظة السائق سابق الذكر عززتها تصريحات متطابقة لعدد من المواطنين الذين استقت هسبريس آراءهم، مؤكدين أن الأمر يعرف بعض التحسن، لكن القطاع يحتاج إلى مزيد من المجهود من طرف كل الأطراف للرقي بالخدمات التي يقدمها. إدريس أيت الرايس، رئيس فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال لهسبريس إن مراكش، باعتبارها قطبا سياحيا ووجهة مفضلة بالنسبة للسياحة الخارجية والداخلية تعرف إقبالا كبيرا، وزاد: "لكن ما نسجله ونرصده هو أن فئة من سائقي سيارة الأجرة من الصنف الأول لا تهتم بالسائح المحلي، والمواطن المراكشي، فيما كل العناية تعطى للسائح الأجنبي". وأضاف الفاعل الحقوقي ذاته: "رغم أن رخصة الثقة التي تعطي للسائق شرعية قيادة سيارة أجرة، فإن بعضهم يخرقونها، وهي التي تنص على خدمة المواطن وضيوف مدينة سبعة رجال. وهذا الوضع يؤدي إلى تذمر سكان مدينة مراكش من الحرفيين"، مشيرا إلى أن "هذا يسيء إلى القطاع وسياسة المدينة وتجويد الخدمات السياحية". ولتسليط الضوء على هذه السلوكات التي تثير تذمر سكان مراكش، أوضح مصطفى عطي، الكاتب العام لنقابة سيارات الأجرة الصغيرة، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، أن "هذا النوع من التصرف يشكل حالة نشازا داخل قطاع سيارة الأجرة من الصنف الأول (10 في المائة)، لأن معظم السائقين المهنيين يستنكرونه". وتابع الفاعل النقابي نفسه: "على كل زبون رفض سائق نقله إلى وجهته أن يسجل رقم رخصة ثقة سيارة الأجرة ويضع شكاية لدى دائرة الأمن أو مباشرة لدى المصالح المعنية بولاية جهة مراكش أسفي". ومن الحلول المقترحة من النقابة سابقة الذكر، لتجاوز هذا المشكل، اعتماد مشروع طرح على ولاية جهة مراكش أسفي، ينص على بناء العلاقة بين سائق سيارة الأجرة وصاحب المأذونية على عقد عمل يوضح حقوق وواجبات كل منهما، وكل من خرق التعاقد يعرض نفسه للعقوبة. وأرجع عطي ما تعرفه مدينة مراكش من تجاوزات بعض السائقين إلى "بعض الشروط المجحفة لثلة من أصحاب المأذونيات، الذين يفرضون على السائق من جهة مبلغا ماليا في نصف اليوم، أو اليوم كله، فوق طاقته، ومسافة كيلومترية لا يجب عليه تجاوزها، ومن ناحية ثانية مناطق سياحية بعينها، ونوع خاص من الزبائن". "طالبنا في مشروعنا بضبط ثمن كراء رخصة الاستغلال، حتى نحارب من جهة ما يسمى لدى الحرفيين "الحلاوة"، والتي تتراوح بين 150 و200 ألف درهم تقريبا، ونحدد ثمنا معقولا للكراء و"الروسيطة"، يمكن السائق هو الآخر من أداء واجبه وفق قواعد مضبوطة، لأن ما يعرفه القطاع الآن يدفعه إلى تصرفات تخل بالقيم الأخلاقية للقطاع"، يقول عطي، مضيفا: "كل ما يقع الآن من سلوكات يندى لها الجبين بقطاع سيارات الأجرة نابع من عدم ضبط الجهات الوصية للمجال، وتهربها من العمل على بناء علاقة تعاقدية معقولة بين السائق وصاحب المأذونية، ما يجعل السائق يعمل بكل الوسائل الأخلاقية منها وغير المقبولة، لتحصيل ما سيؤدي به واجبات الكراء و"الروسيطة"". أما هذا الوضع، وحتى لا تستمر حالة اللاقانون لدى فئة من الحرفيين بهذا القطاع، يطالب إدريس أيت الرايس بتفعيل الجهات الوصية المساطر القانونية، والعمل على إخضاع العلاقات السائدة بالمجال لقوانين واضحة، تحمي مصالح كل من المواطن والسائق وأصحاب المأذونيات، "بدل استمرار حالة الحياد السلبي، ما يفسح المجال للوبي الفساد ليعبث كما يشاء"، حسب تعبيره.