في غضون أقل من شهر، اضطرت الدبلوماسية المغربية إلى استدعاء القائم بأعمال السفارة الجزائرية المعتمد لديها بالرباط مرتين؛ الأولى حينما عمدت السلطات الجزائرية إلى طرد لاجئين سوريين من أراضيها وإرغامهم بالقوة على دخول التراب المغربي، في تحد سافر لكل المواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية ومبادئ حسن الجوار. المرة الثانية، حينما اعتدى سفيان ميموني، المدير العام بوزرة الخارجية الجزائري، على دبلوماسي مغربي أمام مرأى من دبلوماسيي العالم، على هامش اجتماع لجنة ال 24 التابعة للأمم المتحدة، الذي احتضنته دولة سان فانسانت والغرينادين، بشرق الكاريبي. وعوض أن تقوم الدبلوماسية الجزائرية بتقديم توضيحات حول تداعيات الحادثين، لجأت كعادتها إلى أسلوب المراوغة والمناورات المكشوفة. بخصوص الحادث الأول، استدعت الخارجية الجزائرية، من جانبها، السفير المغربي من أجل "طلب توضيحات" حول طلب التوضيحات التي تقدمت به الخارجية المغربية. أما بخصوص الحادث الثاني، فقد استدعت أيضا الخارجية الجزائرية السفير المغربي، وبشكل يثير الكثير من الشفقة، من أجل تبليغه احتجاج الجزائر على واقعة تحرش دبلوماسي مغربي بزميلته الجزائرية خلال فعاليات الاجتماع نفسه الذي شهد واقعة الاعتداء. الواقع أن الموقفين اللذين استدعيا الاحتجاج المغربي كانا واضحين وموثقين بالدليل والبرهان. فبخصوص طرد اللاجئين السوريين، فقد وثقت الصور الجوية عملية الترحيل القسري للعائلات نحو الأراضي المغربية. أما عملية الاعتداء الجسدي على الدبلوماسي المغربي، فقد تمت على مرأى ومسمع من دبلوماسيي العالم الذين حضروا الاجتماع. في حين كان استدعاء السفير المغربي غير مبرر ومستفز إلى أبعد الحدود. فواقعة التحرش المفترضة، لا يملك تفاصيلها إلا من صاغ بيان الخارجية الجزائرية؛ فلا أحد يعرف من هي الدبلوماسية الجزائرية الفاتنة، ولا أحد يعرف، في المقابل، من هو الدبلوماسي المغربي المفتون. بشكل موضوعي، ما أقدمت عليه وزارة الخارجية في هذا الصدد يعكس حقيقة العقيدة الدبلوماسية للنظام الجزائري. فلسنوات طويلة كانت سلطات هذا النظام تجند مرتزقة البوليساريو للتشويش على الوفود المغربية المشاركة في المحافل الدولية، إلى حد استعمال العنف المادي والمعنوي. في الاجتماع الأخير للجنة 24 للأمم المتحدة، وصل الحقد والغيظ من المكاسب الأخيرة للدبلوماسية المغربية إلى حد أن يلجأ المسؤول الثالث في وزارة الخارجية الجزائرية إلى استعمال العنف الجسدي. العقيدة ذاتها تنطبق على عملية طرد اللاجئين السوريين؛ فقد سبق هذا الحادث في الآونة الأخيرة طرد مجموعة كبيرة من مواطني دول الساحل والصحراء، بدواع واهية تقدح في كرامة الإنسان الإفريقي. كما أن جراح الذاكرة المغربية لم تندمل بعد بعد طرد عائلات مغربية خلال سبعينات القرن الماضي، خلال أيام عيد الأضحى المبارك. خلال بداية شهر يونيو، ورغم تحملها المسؤولية المباشرة في ما يقع، أعلنت السلطات الجزائر بشكل يدعو إلى الاستغراب أنها "قررت استقبال مجموعة من اللاجئين السوريين العالقين منذ منتصف شهر أبريل في منطقة فكيك الحدودية مع المغرب". ورغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع، وفي عز شهر رمضان الأبرك، تلكأت السلطات الجزائرية في تنفيذ ما أعلنت عنه، وتركت العائلات السورية لقدرها المأساوي. مع اقتراب أيام عيد الفطر السعيد، أعطى الملك محمد السادس تعليماته بالتدخل الفوري لوضع حد لمعاناة العائلات السورية الثلاث عشر العالقة بالحدود. فقد اعتبر بيان الديوان الملكي أن هذا "الإجراء الاستثنائي يعكس القيم الإنسانية"، إجراء سبقه تسوية الوضعية القانونية لمجموعة من العائلات السورية المقيمة بالمغرب. من جانبنا، نعتقد أن النظام داخل الجارة الشرقية قد افتقد هذه "القيم الإنسانية". أولا حين طرد، بدون موجب حق، العائلات السورية المقيمة على أراضيه. ثانيا، حين تركت العائلات عالقة بين الحدود لمدة طويلة دون إحساس بالمسؤولية الإنسانية، وبعيدا عن التعاليم الإسلامية. وثالثا حين تملصت من تنفيذ ما التزمت به أمام العائلات السورية وأمام المجتمع الدولي بحل المشكل، وإعادة اللاجئين إلى وضعهم الأصلي. في ظل الوضع الراهن، فالمطلوب من الدبلوماسية المغربية أن تتعامل بأقصى درجات الحزم مع نظيرتها الجزائرية، وتضع النقط على الحروف في الحقوق والواجبات المتبادلة بين الطرفين، وأن يكون الفيصل هو القانون الدولي والمؤسسات الأممية. أما السفير فوق العادة، الأستاذ حسن عبد الخالق، فالمطلوب منه أن يستثمر تاريخه الطويل في النضال السياسي، وتجربته الكبيرة في العمل الدبلوماسي، من أجل تدبير النزوات الدبلوماسية، وحالة التصابي التي يعاني منها النظام الجزائري. *كاتب صحافي [email protected]