تتزين مائدة إفطار الجزائريين في رمضان بشتى أنواع المأكولات، سواء التقليدية أو الحديثة، ومنها حلوى "الزلابية" التي يزداد الإقبال عليها في هذا الشهر ويلقبونها ب"ملكة السهرات الرمضانية". وينتشر صنع الحلوى الشعبية "الزلابية"، التي تتربع على عرش الحلويات الرمضانية في عديد محافظات البلاد، حيث لا يكاد يخلو تجمع سكاني من محلات صنعها خلال الشهر. لكن المدينة الأكثر شهرة في صناعة هذه الحلوى التقليدية هي "بوفاريك" بمحافظة البليدة، والتي باتت قبلة الصائمين. ويصبح استهلاك "الزلابية" في رمضان عادة وتقليدًا لا يمكن التخلي عنهما من قبل المواطن الجزائري، الذي يقبل عليها بصفة كبيرة، مع اهتمامه ببعض الحلويات الأخرى، على غرار "القطايف" و"قلب اللوز" و"المقروط" و"البقلاوة"..وغيرها. وتتعدد أشكال وأنواع الزلابية في الجزائر، بحيث توجد ذات الحجم الكبير والمستطيل، ومنها الدائرية الصغيرة، كما تتنوع أذواقها وألوانها حسب مكوناتها وطريقة تحضيرها. أصل الزلابية بالحديث عن تاريخها، تتضارب الروايات حول أصل تسمية الزلابية، فيرجعها البعض إلى اسم زرياب الأندلسيّ الذي ابتكرهَا عندما سافرَ إلى الأندلس ثم المغرب العربي، وحُرف اسمه من زرياب إلى زلياب. ومنهم من يقولُ إن أحدَ التُجّارِ أمرَ طبّاخَهُ بطهِي الحَلوى، فلم يكن في المطبخِ إلا الزيت والسكر والدقيق، فعجنها ووضعها في المقلاة، وعندما رأى الزلابية غريبةَ الشكلِ قال باستهجان: "إنها زلَةٌ بيَ!"، أي أخطأت في إعدادِها، طالباً بذلك عفو سيده، فأصبحت من هنا: "زلةُ بي" ..أو زلابية..! وتبقى هذه الرواياتُ الأكثرُ شيوعاً. وفي السياق يصف بعض الذين شاركوا في ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962) "زلابية بوفاريك" بالأكلة المجاهدة، لأنها كانت تعتبر من الإكراميات التي تغدق بها أُسر المدينة على الثوار في الجبال وفي السجون، خاصة "سركاجي"، وهو أقدم وأشهر سجن في الجزائر خلال فترتي الاحتلال والاستقلال. الزلابية من زرياب يقول الباحث في تاريخ الحضارة الأندلسية فوزي سعد الله: "يشيع الاعتقاد بأن الزلابية شهدت النور في الربوع الأندلسية وأنّ اسمها ذاته مشتق من اسم مبتدعِها المفترَض الفنان مُتعدِّد المواهب زِرْيَاب، وهو أبو الحسن علي ابن نافع، مُغني بلاط قرطبة الأموية خلال العقود الأولى من القرن التاسع الميلادي". ويضيف سعد الله في تصريح صحافي: "ويُقال إنّ اسمها هذا، "الزلابية"، ليس سوى تحريفا ل:"الزِّرْيَابِيَة" نسبة إلى العندليب القرطبي الذي أبدع في المأكولات والمشروبات والحلويات ومختلف الطيبات، وحتى في الأزياء، مثلما فعل في الموسيقى والعزف والغناء". ويشير صاحب كتاب "الشتات الأندلسي" أنّ جوهر "الزلابية" لم يتغيَّر كثيرا منذ أكثر من 10 قرون. لكن الإبداعات المتتالية شكلا ومضمونا ألقَتْ ببعض الضبابية على ما كانت عليه هذه الحلوى خلال فُتُوَّتِها وشبابها، ويؤكد في السياق أنّ كيفية تحضير عجينها وطهيها لا تبدو متباينةً كثيرا اليوم عما كانت عليه بالأمس، حسب كُتب تراث الطبخ العربي الإسلامي. وعلّق: "وكأننا لم نخترع شيئا منذ العصر الذهبي لدمشق وبغداد والقاهرة والقيروان وتاهرت وبجاية وتلمسان وفاس وقرطبة". ويلفت المتحدث في السياق ذاته إلى أنّ الفضوليين، وحتى الدَّجَّالين الغشَّاشين المُحَرِّفين لوصفة تحضير الزلابية، فعلوا ذلك طمعًا في هوامش ربحٍ أعلى ويستغلون المناسبات.. ويؤكد المتحدث أنّ "الزلابية" طويلةُ العُمر تأبى الاندثار، وأصيلةٌ لا هي من "الاندماجيين" ولا من السِّلْبِيين الراضين بالذوبان الذَّليل في ثقافات الغير، بل اختارت منذ عصرها الذهبي خندق ما وصفه ب"محور المقاومة"، ولا ترضى بأقل منه، ولا تعبأ ب"المعتدِلين" ودعاة الاكتفاء ب"المُمانعة". سرّ عند الجزائريين وفي جولة بمحلات صناعة "الزلابية" بحي وادي الرمان، في العاصمة الجزائر، التقينا المواطن "مراد زبوجي" وهو بصدد شراء كمية من هذه الحلوى. يقول مراد إن عائلته لا تستغني عن حلوى "الزلابية" في شهر رمضان، لأنّها تزين السهرة مع كمية من الشاي، ويردف: "منذ أن كنت صغيرا وأنا أرى "الزلابية" على مائدة رمضان، فكبرت مع هذه الصورة، وبعد تأسيسي لعائلة صغيرة لم نفرّط يوما فيها". وعن نوعيتها، أوضح المتحدث أنّه يفضل شراءها من المحلات الموجود في حيّه، نظرا لعامل الثقة، لكن بين الفينة والأخرى يذهب لشرائها من "بوفاريك"، المدينة التي تشتهر بصناعة وبيع الزلابية في الجزائر بعد أن يقطع حوالي 30 كيلومترا. ولم يخف المتحدث أنّه يحب أن يقدم "الزلابية" كهدية للأصدقاء والعائلة الكبيرة، وكصدقة للفقراء والمساكين، أو يخرج قسطا منها إلى المسجد. من جهتها تؤكد الزبونة "نسيمة.ن"، وهي ربة بيت وجدناها داخل محل لبيع "الزلابية" بنفس الحي، أنّ الزلابية حلوى تقليدية ويجب أن تكون حاضرة في رمضان، باستثناء الأشهر الأخرى، إذ إن شراءها يخضع للرغبة أو لمناسبة معينة، وترى أنّ الجزائريين يستهلكون كثيرا "الزلابية" من خلال ما تشاهده من طوابير أمام مداخل محلات بيع هذا النوع من الحلويات، لاسيما في شهر رمضان. ويؤكد "منير زرواتي"، صاحب محل لبيع وصناعة "الزلابية"، في تصريح صحافي، أنّه يعمل في هذه المهنة منذ سنوات ولا ينقطع عمله طوال العام، لكن يشكل شهر رمضان الاستثناء في عمله من خلال الإقبال الكبير على ما ينتجه من حلويات تقليدية، بما فيها الزلابية، ويشير إلى أنّ الزبائن يتهافتون عليه من كل منطقة، بالنظر إلى النوعية الجيدة والخدمات الحسنة التي يقابلهم بها، فضلا عن الموقع الإستراتيجي لمحله، لكونه قريبا من مقرات الشركات ويقع في شارع كبير مكتظ دائما بالناس. وتوفر في الصدد صناعة "الزلابية" فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، إذ يلاحظ عند حلول رمضان ارتفاع أعداد محلات بيع "الزلابية"، فبالإضافة إلى تلك الناشطة على مدار السنة، يفضل البعض فتح محلات لبيعها في رمضان، في حين يوقف آخرون نشاطهم المعتاد ويتحولون إلى باعة للزلابية في هذه المناسبة نظرا لما تدّره من أموال عليهم في ظرف 30 يوما. *وكالة أنباء الأناضول