فضلها الله سبحانه وتعالى على باقي أيام السنة، وجعلها ليلة بثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر من الأعمال الصالحة والعبادة، فيها نزل القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والرسل، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فضلا عن كونها ليلة خص الله سبحانه وتعالى بها أمة محمد عليه أفضل الصلوات بالفضل والثواب ليغفر لمن أعطاها حقها من العبادة ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيها تتنزل الملائكة إلى السماء الدنيا ليسلموا على المؤمنين الصالحين. وعن هذه الليلة المباركة، قال الله تعالى في كتابه العزيز، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمان الرحيم، "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ". وتتسم ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان الفضيل، "لليلة القدر"، بإقليم ميدلت، بنوع من التميز عن باقي المناطق الأخرى بجهة درعة تافيلالت؛ حيث تمتزج الأجواء الروحية بالعادات والتقاليد المتوارثة أبا عن جد، وتجتمع الأسر والعائلات على مائدة واحدة وتتبادل الحديث والزيارات، وهي فرصة لصلة الأرحام، والصلح بين المتخاصمين، والإكثار من الصلاة والدعاء، من أجل نيل رضا الله ورسوله. ومع حلول اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك، واستعدادا لليلة القدر العظيمة التي ينتظرها الجميع بشوق كبير، تنتعش، بمختلف مناطق إقليم ميدلت، تجارة موسمية، خصوصا بيع البخور والعطور والشموع، فضلا عن أنواع كثيرة من المواد التقليدية التي تستعمل للتزيين في هذه الليلة المباركة، التي تعد آخر احتفال روحي في شهر رمضان قبل عيد الفطر، كما تقبل الأسر والعائلات على اقتناء ألبسة جديدة خاصة بالعيد "الصغير" للأطفال، واقتناء أجود البخور العطرية التي تليق بهذه الليلة. المساجد عامرة غالبية المواطنين بإقليم ميدلت لازالوا يحافظون على إقامة طقوس روحية واجتماعية متنوعة، منها مرافقة أبنائهم إلى المساجد مرتدين اللباس التقليدي الجديد، من أجل تشجيعهم على الصلاة والعبادة. وأوضحت سعيدة مرغيش، ربة بيت، أن لليلة القدر، أو ليلة السابع والعشرين من رمضان، في مركز مدينة ميدلت، مكانة خاصة وأهمية بالغة في قلوب المواطنين، مشيرة إلى أنها ليلة بالدرجة الأولى للتسابق نحو المساجد من أجل العبادة والاستغفار، وكذلك موعد للإكثار من الدعاء، فضلا عن كونها فرصة لصلة الأرحام وتلاقي الأسر والعائلات. فلا يكاد يخلو بيت من بيوت آهل ميدلت من مظاهر الاحتفال بالليلة المباركة من خلال خلق أجواء كل حسب إمكاناته، غير أنها تشترك في أنها أجواء مغمورة بالفرحة والبهجة بالليلة التي ينزل فيها الملك بإذن ربه، كما أن العائلات والأسر بميدلت معروفة بقوة إيمانها وحبها لبيوت الرحمان "المساجد"؛ فلطالما كانت هذه المساجد وطيلة أيام شهر رمضان ممتلئة عن آخرها بجموع المصلين، السائلين للمغرفة ومسح الذنوب. الكسكس والبطبوط تتميز ليلة القدر بمناطق إقليم ميدلت بعادات وتقاليد وطقوس راسخة متوارثة أبا عن جد، رغم أن شريحة مهمة من المجتمع بدأت في التخلي عن هذه العادات والتقاليد، وسارت خلف كل ما هو جديد وما تقدمه التكنولوجيا الحديثة للمستهلك؛ فأغلب العائلات بميدلت لازالت تحافظ على إعداد طبق الكسكس في ليلة القدر، ويجتمع أفراد الأسر والجيران على "القصعة"، التي تتكون من الكسكس والخضروات واللحم أو الدجاج البلدي، كل على قدر استطاعته. كما يتم في وجبة السحور إعداد "البطبوط"، الذي أضحى وجبة مفضلة لدى غالبية المواطنين بميدلت ونواحيها. كما يشكل يوم السابع والعشرين من شهر رمضان فرصة لا تعوض بالنسبة للعائلات لتعويد أطفالها على الصيام أول مرة؛ حيث تقام للصغار احتفالات خاصة بهدف تشجيعهم على أداء شعائر الصيام وتحبيبه لهم في الشهر الكريم؛ إذ يحظون بالتمييز من أجل دفعهم أكثر إلى المواظبة على أداء ثالث أركان الإسلام، وتقوم الأمهات بإلباس بناتهن أفضل ما يملكن من ألبسة ليجلسن كملكات على مائدة الكبار، وهو الأمر نفسه بالنسبة للذكور، ويعتبر هذا الاحتفال بمثابة مكافأة للصغار على صبرهم طيلة يوم شاق. ويتم إعداد وجبة فطور خاصة بهؤلاء الأطفال؛ حيث تحرص الأسر على أن يكون أول ما يتذوقه الطفل في هذا اليوم هو التمر وكأس حليب بارد، فيما تحرص بعض الأسر الأخرى على أن يكون أول فطور صغيرها بيضة مسلوقة، وتعامله معاملة طيبة إلى درجة أنه يعتبر نفسه ملكا على رأس عائلته، ما يشجعه ويدفعه مرة أخرى إلى خوض التجربة إلى أن يتم التعود على الصيام. ينتظرون أن تفتح السماء رغم اختلاف بعض الطقوس والعادات الخاصة بشهر رمضان من منطقة إلى أخرى، تبقى احتفالات ليلة القدر المباركة، بجميع مناطق درعة تافيلالت، خصوصا إقليم ميدلت، هي الموحدة لتلك العادات والطقوس؛ حيث تجتمع الأسر والعائلات على مائدة واحدة، وكثيرا ما تقام صلاة الجماعة في البيوت، خصوصا بالنسبة للذين لم يذهبوا إلى المساجد أو الذين عادوا منها، ويضاعفون في دعوة الله عز وجل أن يجعل الصيام مغفرة للذنوب وعتقا من النار. كما أن ليلة القدر هي مناسبة روحية يزداد فيها حب العبد للمعبود، وتكثر فيها الدعوات إلى الله. وهناك من يقضي ليلة القدر خارج البيت وعيناه إلى السماء، ينتظر أن تفتح له من أجل تحقيق أمانيه، التي لا يراها، حسب مخيلتهم، إلا المؤمنون الذين أطاعوا الله في ذلك اليوم. ولذلك تعمل الناس هنا، بحسب سعاد ماسروف من نواحي امشليل، على إكرام الفقراء والتصدق بألذ وأشهى الأطعمة قصد نيل رضا الله، الذي يدعونه أن يمكنهم من رؤية السماء وهي مفتوحة والتحدث معها لعلها تحقق لهم أمانيهم. وتحكي المتحدثة، في حديثها لهسبريس، أن القدماء "الأولين" يتداولون حكاية كون إحدى الفتيات كانت تطل من نافدة ضيقة فشاهدت السماء منفتحة، فأرادت أن تطلب منها أن تجعل شعرها أكبر من شعر جميع الناس، فطلبت أن يكون رأسها أكبر من رؤوس الناس، فأصبحت معلقة ولم تستطع الخروج. كما أن بعض العائلات والأسر تقوم بوضع الحناء على أيادي ورؤوس الصغيرات والصغار، خصوصا المواليد الجدد الذين لم يسبق أن مر عليهم شهر رمضان المعظم، مع تمني موفور الصحة والسلامة لهم.