مع حلول شهر الصيام والقيام، يحرص المغاربة على أداء صلاتي التراويح والتهجد في مساجد بعينها، تحولت إلى قبلة يحجون إليها أفواجا، ليس لقلة المساجد بالأحياء التي يقطنونها، ولكن بحثا عن إمام يتميز بصوت رخيم ومتقن لتلاوة القرآن الحكيم. فقد بات عدد من المصلين يهاجرون ويقطعون المسافات للصلاة خلف هذا الإمام أو ذاك، فتكتظ مساجد معينة بجموع غفيرة من المصلين دون غيرها، وتمتد الصفوف إلى الساحات والممرات العمومية المجاورة لها، في وقت تشهد مساجد أخرى حضورا "ضئيلا" بعد أن هجرها أهلها بحثا عن هذه الأصوات الندية. مسجد "الحاج بنهمو" وسط العاصمة الرباط، أحد هذه المساجد التي يحج إليها المصلون من كل حدب وصوب خلال شهر رمضان، إذ يتحول على الرغم من مساحته الصغيرة إلى قبلة لا يقصدها فقط سكان العاصمة، بل أيضا سكان المدن المجاورة كسلا وتمارة، للصلاة خلف موهبة قرآنية خطفت الأضواء وجذبت إليها آلاف المصلين، خاصة الشباب منهم. إنه الإمام الظاهرة "ياسين كصوان"، أو كما يحلو للبعض تلقيبه ب"شبيه السديس"، الذي استطاع بفضل تلاوته الحسنة أن يستقطب آلاف المصلين الذين يحجزون الأرصفة والشوارع، في مشهد يضطر السلطات الأمنية إلى الاستعانة بتعزيزات أمنية لتنظيم حركة السير والجولان في محيط المسجد وفي الشوارع المحاذية له. ولا تقف موهبة الشيخ كصوان عند تلاوته المتقنة للذكر الحكيم، بل تتعداها إلى قدرته الهائلة على تقليد أصوات أشهر القراء، خاصة أئمة الحرم المكي، من قبيل الشيخ عبد الرحمن السديس وماهر المعيقلي، وياسر الدوسري، وإمام الحرم النبوي على الحذيفي، إلى جانب إتقانه للقراءة بالصيغة المغربية. وأجمع عدد من المصلين الذين يقصدون هذا المسجد، في تصريحات صحافية، على انجذابهم نحو الأصوات الجميلة والقراءات التي تترك الأثر العميق في النفوس، مؤكدين أن صوت الإمام يشكل مدخلا نحو الخشوع والتدبر والتأمل في ما يتلوه من آيات قرآنية، خلافا لأصوات أخرى لا يكون لها الأثر نفسه. وفي هذا الصدد، قال عمر فتيحي (موظف): "أحرص على تأدية صلاة التراويح بمسجد الحاج بنهمو، حيث توجد أجواء روحانية استثنائية تصنع فصولها، بمهارة واقتدار باهرين، جمالية تلاوة القرآن من قبل الإمام كصوان". وأشار فتيحي إلى أنه يقصد المسجد قبل إقامة الصلاة بحوالي 45 دقيقة حتى يتمكن من الصلاة داخله، وذلك قبيل حدوث الازدحام الذي يضطر معه المتأخرون إلى الصلاة خارجه، مضيفا: "على الرغم من حدوث الازدحام فإن المصلين حريصون على الصلاة خلف الإمام لتحصيل الخشوع وتدبر القرآن". ولا يقتصر الإقبال الكثيف على مسجد "الحاج بنهمو" على الرجال، إذ إن نسبة كبيرة من المصليات تقصدنه من أجل أداء صلاة التراويح خلف الإمام كصوان. وتؤكد حليمة الوافي، وهي ربة منزل، أنها حريصة كل الحرص على أداء صلاة التراويح بهذا المسجد، معتبرة أنها "تعيش أجواء خشوع وتأمل استثنائية". وأشارت حليمة، التي تقطن بمدينة سلا، إلى أنها تركت مسجدا فسيحا بحيها وتتحمل عبء التنقل، مع مقدم كل رمضان، لتصلي في مسجدها المفضل. وإذا كان أغلبية المصلين يرون في الهجرة نحو المساجد حرصا على اقتفاء أثر الأصوات الحسنة واستشعار الطمأنينة والخشوع أثناء أداء الصلوات، فإن علماء الدين يؤكدون أنه ليس هناك في الشريعة الإسلامية ما يمنع من الذهاب إلى القراء أصحاب الأصوات الجميلة، إذ إن "النفس البشرية تميل بالفطرة إلى كل ما هو جميل وحسن". وفي هذا السياق، أكد عدنان زهار، العضو بلجنة الإفتاء التابعة للمجلس العلمي المحلي بمدينة الجديدة، أن تحسين قراءة القرآن بالأصوات الجميلة مطلوب للشارع ومرغب فيه في الدين لقوله ﷺ ''زينوا القرآن بأصواتكم''، وعليه فإن "السعي إلى المساجد لصلاة التراويح خلف أئمة حسان الأداء، جميلي الأصوات، ظاهرة مستحسنة ومرغوب فيها". وأبرز زهار، في تصريح صحافي، أن إقبال الناس بكثافة على بيوت الله وقصدهم الصلاة وراء الأئمة المتقنين للقراءة فيه منفعة كبيرة من جهات كثيرة، ومنها اجتهاد الأئمة في تحسين قراءاتهم وإتقانهم لقواعد القراءة، لكن "شريطة الإخلاص لله تعالى وألا يكون غرض الإمام المصلي بالناس الوجاهة عنده ولا طلب الثناء منهم، وألا يكون له غرض في دنيا يصيبها حتى يصير كحال بعضهم مستعبدا بالبحث عن النجومية". وأشار المتحدث ذاته إلى أن ثمة شروطا أخرى لقراءة القرآن، إلى جانب الصوت الحسن، أهمها إتقان قواعد القراءة، كمعرفة مخارج الحروف وصفاتها، وأحكام الوقف والابتداء وغيرها، وزاد: "فقد يكون القارئ حسن الصوت لكنه بجهله لقواعد التلاوة لا تحسن منه الإمامة". وخلص زهار إلى القول: "إن الصوت الحسن وإتقان قواعد القراءة ليسا غرضين مقصودين للشارع بالأصالة، وإنما وسيلتين من وسائل تدبر كلام الله تعالى الذي هو القصد على الحقيقة لقوله تعالى "أفلا يتدبرون القرآن"، وهما وسيلتان لتحصيل الخشوع والخضوع، لكن شرط ألا يتعدى الأمر إلى حصر الغرض بالسماع في التطرب بالصوت الحسن كما هو حال كثير من الناس اليوم". *و.م.ع