إن التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع المغربي في هذه المرحلة الدقيقة، التي تتسارع فيها الأحداث بوتيرة مقلقة، جعلت المتتبع للمشهد السياسي والإجتماعي يجد صعوبة في مواكبتها من جهة، وفك خيوط ملابساتها وحيثياتها من جهة أخرى. ولعل تنامي بؤر التوتر والاحتجاج في مناطق عديدة من المغرب وفي مقدمتها منطقة الريف تجعلنا نطرح عدة علامات استفهام حول الغياب والتغييب الغير مبرر للنخب المثقفة سواء في قيادة الحراك أو على الأقل في تحليله و توجيه حتى لا يزيغ مساره. لقد كثر الجدل وتضاربت الآراء حول المواقف والسلوكات الصادرة عن قادة الحراك والتي كان أبرزها حادث ولوج ناصر الزفزافي ورفاقه لمسجد ومقاطعة الإمام، بالإضافة للعديد من الخطابات التي اعتبرها العديد من المتتبعين انزلاقات منحت الدولة فرصة من ذهب للانقضاض على رموز الحراك واغراقهم في سيل من التهم الجنحية والجنائية. إن الأمر ليس بالغريب، خصوصا وأن التكوين السياسي والثقافي المتواضع لهؤلاء الشباب بالرغم من حسن نواياهم وسلمية احتجاجهم جعلهم فرسية سهلة في أيدي الدولة، لا سيما وأن مثقفي هذا البلد قد استقالوا منذ مدة ليست بالقريبة عن مهامهم في تأطير الحراك الاجتماعي وتوجيهه والتواجد الميداني مع المحتجين تحقيقا للمطالب المنشودة، في بعدها الوطني، بعيدا عن النزعات القبلية أو المحدودة جغرافيا. إن المثقفين هم وحدهم القادرون على منحنا مشروعا مجتمعيا حداثيا وديمقراطيا كفيلا بإعادة الإعتبار للمناطق التي طالها التهميش لسنوات عدة سواء في الريف أو في غيره من مدن المملكة. مشروع بديل عن الحلول الترقيعية التي جاءت بها الحكومة بشكل ارتجالي يفتقد لرؤية شمولية، لرفع واقع التهميش وتحقيق العدالة الاجتماعية. مشروع يفهمه الشباب ويؤمنون به ويدافعون عنه باستماتة، حتى لا تتغير المطالب و يزيغ الإحتجاج عن أهدافه ومراميه. لقد أصبح المثقف في المغرب يعيش معزولا منعزلا عن قضايا وطنه، بعيدا كل البعد عما يجري حول من أحداث، وصار يقيم في برج عاجي يعمل في الحقل الأكاديمي أو الأدبي أو غيره ولا يتناول الواقع إلا من بعيد. وما زاد الطين بلة هو نهج الدولة بحكوماتها المتعاقبة لسياسة اضعاف الهيئات والمؤسسات المدنية والنقابية والسياسية عبر تدجينها وزج عناصر انتهازية ضمن هياكلها عجلت بإفراغها من النخب المثقفة والمناضلين المبدئيين الذين اختاروا في ظل تبخيس عمل المؤسسات والهيئات إلى الوقوف في صف المتفرج أمام واقع التمييع والبلقنة والبيروقراطية. ان المطالب الاجتماعية والثقافية والحقوقية التي انتفض المواطنون من أجلها في العديد من المدن والقرى المغربية تناشد مثقفي هذا البلد للتفاعل الإيجابي معها والمساهمة في تأطيرها بالشكل الذي يضمن سلميتها ومشروعيتها وحمايتها من المتربصين الذين يتقنون فن الركوب على الأشكال الاحتجاجية واستغلالها. وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في التفاعل السريع والحقيقي مع المطالب العادلة والمشروعة وتفادي الالتفاف عليها لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية ستعصف لا محالة بالبلاد نحو المجهول.