رغم كل عوامل الحداثة، ما زال مدفع الإفطار في الكويت يدوي مع كل غروب شمس في شهر رمضان الفضيل، مستأنفًا تقليدًا سنويًا منذ أطلقت أولى قذائفه عام 1907، معلنًا أنه باق لا يندثر. الأمر لا يتوقف على تقليد تُراثي سنوي، بل يبدو متجددًا سنويًا في مشهد احتفالي يبث من قصر "نايف" بالعاصمة الكويتية، عبر برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة، بمشاركة جمهور من الكويتيين. وبدأ الكويتيون في استخدام المدفع، لمعرفة وقتي الإفطار والإمساك ، منذ عام 1907؛ في عهد الشيخ مبارك الصباح الذي حكم البلاد من 1915 إلى 1986. يقول الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح إن "المدفع هو جزء من تراث رمضان في مدينة الكويت، وكان يتم إطلاقه مرتين؛ الأولى في موعد السحور، والثانية في موعد الإفطار، حسب توقيت المدينة المحلي". وأضاف في تصريح صحافي أن مكانه السابق كان بجوار قصر "السيف"، في الكويت العاصمة، في موقع يسمى "سيف الطوب"، لكنه نقل عام 1953 إلى قصر "نايف"، بعد أن تسلّم الأمن العام الكويتي المسؤولية عنه عام 1951. وبسؤاله عن الاختلاف بين الماضي والحاضر، أوضح المسباح أنه "في السابق كان الجميع ينتظرون سماع صوت المدفع الذي يدوي في المكان، أما الآن فقد اتسعت البلاد، والمتابعة عبر التلفزيون، إلا من رغب باستعادة التراث فيحضر إلى قصر نايف ويعيش هذه اللحظات، مسترجعًا ذكريات الزمن الجميل". وأشار إلى أن "أول من أطلق مدفع رمضان في الكويت هو علي بن عقاب بن علي الخزرجي، الذي تعلم استخدامه من العثمانيين آنذاك". وأردف: "ليس معروفًا نوع المدفع الأول، ويُقال إن الشيخ مبارك الصباح قبل المدفع كهدية من حاكم إيران في ذلك الوقت". ويتولى الجيش الكويتي إحضار هذا المدفع إلى قصر "نايف" قبل شهر رمضان المبارك بيومين، ويقوم على مدفع رمضان ضابط و3 جنود، ويفتح القصر أبوابه أمام الجمهور، بعد صلاة العصر، حتى يشاهدوا لحظة إطلاق المدفع معلنًا حلول الإفطار. من جهته، يقول الكاتب الصحافي طارق إدريس: "قديمًا لم يكن هناك مكبرات صوت، فكان الناس يعتمدون على المدفع في الإفطار، واليوم هناك الكثير من الناس يتجمعون في قصر نايف لسماع صوت الطلقة ويفطرون فيه". وأضاف في تصريح صحافي أن "قصر نايف أضحى معلمًا رمضانيًا بوجود المدفع، يزوره عشرات المواطنين والوافدين يترقبون اللحظات المدوية لمدفع الإفطار؛ حيث تتوافد إليه حشود كبيرة تزور ساحته لالتقاط الصور التذكارية، والمشاركة في المسابقات ولقاءات تلفزيونية تقام على الهواء مباشرة". وأشار المتحدث إلى تنظيم إفطار جماعي في فناء ساحة القصر نايف لنحو 2000 شخص يوميًا، لتتاح لهم معايشة تلك اللحظة التراثية القديمة، ومشاهدة مدفع الإفطار. وأوضح إدريس أن "مدفع الإفطار ما زال عنصراً أساسياً في حياة الكويتيين الرمضانية، يستمعون إليه يومياً عبر أثير الإذاعة الكويتية والتلفزيون". ويُعتبر إطلاق مدفع رمضان تقليداً متبعاً في العديد من الدول الإسلامية منذ عقود؛ حيث يقوم جيش البلد بإطلاق قذيفة مدفعية صوتية خلال شهر رمضان، لحظة غروب الشمس وفي موعد الإمساك، إيذانًا بدخول وقتي الإفطار والإمساك. *وكالة أنباء الأناضول