تؤكد العديد من المقالات وآراء المحللين السياسيين والاقتصاديين أن الحجز الذي قامت به سلطات بريتوريا على السفينة المغربية المحملة بالفوسفاط، على الرغم من أن الشحنة موجهة إلى بلد نيوزيلاندا، هو رد فعل على النجاح الدبلوماسي وكذا الاقتصادي الذي بات يحققه المغرب في السنوات والشهور الأخيرة، حيث تجسدت إنجازات الدبلوماسية المغربية المواكبة للتحركات المتعددة التي قام بها الملك محمد السادس في مختلف العواصم الإفريقية في العودة إلى الاتحاد الإفريقي. إن السياسة الاقتصادية والدبلوماسية المغربية زاوجت، لأول مرة في التاريخ، بين أهم محورين رئيسيين داخل القارة الإفريقية منذ قرون. يتعلق المحور الأول بالطريق الذي ربط تاريخيا بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء؛ أما المحور الثاني فهو الذي يمر عبر مصر والسودان وكينيا وتنزانيا. إنه الطريق الذي اقتحمته من قبل الطرق الصوفية المغربية، خاصة تلك المرتبطة بأحمد بن إدريس الفاسي الذي صار له باع في كل هذه المناطق بما فيها جزر القمر واليمن، وكان أتباعه من مؤسسي الدول كما هو حال المهدي بالسودان. هناك تداخل وتقابل بين الجمل والسفينة أو بين التجارة الصحراوية والطرق البحرية التي اكتشفت في عهد الكشوفات الجغرافية الكبرى، خاصة ما تعلق برأس الرجاء الصالح المار من جنوب إفريقيا. أتصور أن ماجلان ورفاقه سيستغربون قرار حكومة بريتوريا لو كانوا أحياء؛ ولكن هذه الأخيرة تستعمل لغة "القانون" للقول إن الفوسفاط-الشحنة قادم من "منطقة لا تخضع للسيادة المغربية" وأن هناك حركة "تحررية" - هي في الواقع انفصالية تحت قيادة النظام في الجزائر- تطالب بمنع استغلال ثروات الصحراء. تسعى هذه المقالة إلى تبيان أن ما يسمي ب"استغلال ثروات الشعب الصحراوي"، وبالأخص حقيقة الموقف الجزائري من الصحراء في ظل اكتشاف الفوسفاط ببوكراع، خاصة في زمن لم يكن فيه أي وجود لحركة انفصالية، هو مجرد ادعاء واهٍ من زاوية نظر الحقوق التاريخية والسياسية للمغرب على أقاليمه الجنوبية. إن حجز السفينة المحملة بالفوسفاط المغربي هو فقط حلقة من حلقات تحالف النظامين الجزائري ونظام جنوب إفريقيا، ومناورة تكتيكية تجد تفسيرها في الإستراتيجية الجزائرية التي ورثتها عن الاستعمار الفرنسي، وحينتها في سياق "أسطورة " حركات التحرير. فما هي الدلالة القانونية والسياسية بين موقف سلطات بنما التي أفرجت عن السفينة المحملة بالفوسفاط والمتجهة نحو كندا وسلطات بريتوريا التي ما زالت حبيسة مقاربة تحكمها حسابات سياسية خاضعة للتحالفات الضيقة وفي غياب أي اعتبار للمواقف المغربية التاريخية المشرفة وراء قضايا الشعب الجنوب- الإفريقي؟ إن التمويلات والأسلحة التي تلقاها الراحل نيلسون مانديلا من لدن المغرب لم يكن مصدرها الفوسفاط؛ لكنها الرغبة الصادقة من أجل مساندة حركة تحررية كان يتزعمها حزب المؤتمر الإفريقي. السفينة والجمل لقد بينا بما لا يدع مجالا للشك، في كتابنا "الصحراء على المحك الاستعماري.. من أجل رؤية جديدة لقضايا المجالات الترابية (صدر بالفرنسية وهو قيد الترجمة إلى اللغة العربية)، انطلاقا من أرشيف موثق، كيف أن الكونت هنري دي كاستر (ت. 1927)، كان أول من بلور فكرة توفير منفذ على المحيط الأطلسي لفائدة المستعمرة الجزائر منذ سنة 1879؛ وهي الفكرة التي سيقوم بتبنيها وتوظيفها الحاكم العام للجزائر Jules Cambon يعتبر هذا الأخير، رفقة أخيه بول كامبون، وهو بالمناسبة صانع نظام الحماية بتونس، ممن هندسوا الحدود الشرقية والجنوبية للمغرب على اعتبار أنهما شغلا مناصب سفراء لفرنسا في كل من الولاياتالمتحدة الأمريكية وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا، وبالتالي فهم من تفاوضوا وأمضوا كل المعاهدات الخاصة بالمغرب وبأقاليمه الجنوبية. لقد عمل الأخوان كامبون على اقتطاع مجالات واسعة من التراب المغربي لفائدة الجزائر أو لفائدة إسبانيا من خلال معاهدات 1900 و1904 و1912. اعتبر الإخوان كامبون، وهم من الجمهوريين الذين كانوا من وراء خلق الإمبراطورية الفرنسية التي جاءت كرد فعل لهزيمة 1870 أمام بروسيا وسقوط نظام الإمبراطورية وقيام الجمهورية الثالثة، أن المغرب الذي كانت كل المؤشرات تدل على عراقة نظامه السياسي لا يمكن أن يخضع لنظام استعماري كحال الجزائر، وبالتالي فالأولى أن تقتطع أراضي الإيالة الشريفة لفائدة المستعمرة التي كان الفرنسيون يعتبرون بأن ضمها صار نهائيا. لماذا الحديث عن الأخوين كامبون؟ السبب بسيط ومعقد في الآن نفسه؛ ذلك أن مشروع وضع خط الحدود جنوب مدينة طرفاية يفصل شمال المغرب عن جنوبه هو مشروع يهدف حسب أقوالهم إلى منع المغرب في المستقبل وربما بعد استقلاله إلى المطالبة بالأقاليم الصحراوية التي ضمت إلى الجزائر منذ سنة 1900 وإلى حدود سنة 1956. كما أن مسلسل الضم استمر حتى بعد استقلال المغرب، وأيضا استقلال الجزائر التي زحفت علي بعض النقاط الحدودية؛ وهو الأمر الذي تبينه الوثائق الفرنسية المفرج عنها في الآونة الأخيرة. كما أن هذا المشروع الكولونيالي هو نفسه المشروع الذي ستتبناه خفية ومنذ سنة 1961 القيادة العسكرية لجبهة التحرير الوطني، أي في وقت كانت فيه الجزائر لا تزال مستعمرة. لقد أثبتت وثائق الأرشيف أن جبهة التحرير، كما بيناه في كتابنا المشار إليه أعلاه، والقيادة العسكرية الجزائرية كانت تنسق مع الجيش الإسباني المحتل للصحراء المغربية من أجل منع تقدم المقاومة المغربية وأعضاء جيش التحرير نحو الساقية الحمراء ووادي الذهب؛ بل لقد أصبح بإمكاننا أن نبين أن المغرب تعرض لهجمة مدبرة فيما بات يعرف بحرب الرمال، وكون أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى مؤامرة للقيادة العسكرية الجزائرية للتخلص من تعهداتهم في اتفاقية سنة 1961 التي التزمت من خلالها الحكومة الجزائرية المؤقتة بعدم الاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار والتفاوض معه حين الحصول على استقلالها. فهل حان الوقت لمراجعة تاريخ هذه المرحلة، وخاصة ما يتعلق بمواقف الأحزاب من حرب الرمال وبالمواقف التي اتخذت في أجواء مشحونة عسكريا وملغومة سياسيا وإيديولوجيا؟ إن مفاوضات باماكو حول تحديد المسؤوليات في حرب الرمال أمر كان قد طالب به المغرب ورفضته الجزائر؛ لأنها كانت تعرف حجم مسؤوليتها في نشوب النزاع، وظلت تطالب بالحق في وقف النزاع والحفاظ على علاقات حسن الجوار التي تعني في الإستراتيجية الجزائرية بداية التملص من التفاوض مع المغرب حول المناطق المغربية التي ضمها الاستعمار للجزائر. ثم جاء انعقاد المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963 بأديس أبابا، وهي المناسبة التي استغلتها الجزائر لتضع من بين أجندات ومبادئ المنظمة مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار؛ وهو الأمر الذي فوّت على المغرب، الذي كان منشغلا بإرساء المسلسل الدستوري، فرصة فرض مبدأ تصفية استعمار على أراض اقتطعت من ترابه على أساس أن الموضوع يدخل في إطار تصفية خلافات بين بلدين شقيقين. كما دعا إلى ذلك مؤتمر باماكو ولقاءات إفران وتلمسان وأكادير. وانطلاقا من منظمة الوحدة الإفريقية، وكذا الأممالمتحدة بدأت الجزائر تستعمل الأقاليم المغربية المستعمرة لتسجيل نفسها كطرف مهتم بقضية الصحراء المغربية، خاصة بعد أن طالب المغرب بتصفية الاستعمار في هذه المناطق بموافقة ومؤازرة جزائرية موريتانية سابقة كما في مؤتمر أكادير ونواديبو. يجب ألا ننسى أن الجزائر ستسعى إلى أن تعتبر نفسها منذ سنة 1968 كطرف معني، على اعتبار أن القبائل والمناطق المغربية التي أصبحت جزائرية لها امتداد ومصالح في المجالات الممتدة غرب تندوف. وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا لا يمكن أن ننتظر حتى أحداث العيون سنة 1972 للقول، كما ذكرت السلطات الفرنسية عبر مختلف أسلاكها السياسية والدبلوماسية، إن الموقف الجزائري قد عرف منعرجا خطيرا منذ التغطية الإعلامية التي قامت بها جريدة "يومية وهران" للأحداث نفسها؛ ذلك أن الموقف الجزائري المتشبع بالإستراتيجيات العسكرية الكولونيالية لم يكن يفكر أبدا في إعادة الأقاليم الصحراوية الشرقية للمغرب. ومن هنا، بدأ أتباع "إستراتيجية السفينة" لخلق منفذ بحري للجزائر على المحيط الأطلسي من بوابة خلق حركة انفصالية. تشكل، إذن، ثنائية السفينة والجمل مدخلا مهما لفهم تاريخ الصحراء المغربية وكذا تاريخ رسم الحدود. الجمل ورسم الحدود سبق أن أشرنا كيف أن رسم الخط المار جنوب طرفاية قد وضع لضمان منفذ بحري للجزائر وكيف أن الخط الجنوبي المار بالكويرة هو خط يعتمد حدودا بين القبائل المغربية والموريتانية التي كانت تشكو من الضغوطات التي تمارسها قبائل العروسيين وأولاد دليم وأولاد أبي السباع على المراعي جنوب منطقة تيرس نتيجة لتوالي سنوات الجفاف وغنى المراعي بالجنوب؛ لكن ما يخفى على القارئ المتخصص والعادي هو أن كل المعاهدات التي أبرمت بين فرنسا وإسبانيا كان قد تم التفاوض بشأنها، وأنها سطرت من الشمال إلى الجنوب وفق إستراتيجية تروم إدخال الطريق التجاري الصحراوي القادم من الصويرةوكلميم وتندوف والمتوجه نحو أم كرين وتمبكتو بحيث تضم إلى المجال الخاضع للاحتلال الفرنسي. ما علاقة الجمل بالسفينة وبالقوانين الدولية؟ ما هي المعطيات القانونية والسياسية التي يمكن تقديمها للقول إن المغرب يستغل فوسفاط مناطق كان دائما يمارس عليها سيادة. قبل الحديث عن القوانين، لا بد من الإشارة إلى أن محور شمال-جنوب الذي ظل إستراتيجيا في علاقات المغرب التاريخية لم تلق له السلطات الفرنسية أو الإسبانية بديلا، سواء في عملية إخضاع المقاومة (احتلال الواحات الشمالية (أسا، أٌقا، كلميم) والجنوبية (أطار، شنقيط وودان) ) أو من خلال الاستعمال السري والعلني لسلطة السلطان في المناطق الصحراوية. استعمالات البيعة تبين الوثائق الفرنسية والإسبانية كيف أن إدارة الصحراء الشرقية أو الصحراء التي كانت خاضعة للإسبان قد استعملت البيعة السلطانية والنفوذ الصوفي-الطرقي لكل من التيجانية والوزانية أو بعد ذلك الفاضلية. كما استعملت السلطات الكولونيالية النظام المخزني في مراقبة المجال من خلال تعيين القواد أنفسهم أو اختيارهم من العائلات المخزنية نفسها التي راكمت تجربة في المجال. وبخصوص المنطقة التي يستخرج منها الفوسفاط فقد ظلت خاضعة لوصاية الخليفة السلطاني بتطوان الذي ظل يعين بظهير سلطان أمراء على المنطقة كما هو حال مربيه ربه ومحمد لغظف والشيخ الإمام، الذي سيلتحق بالمغرب مباشرة بعد استقلال المغرب سنة 1956. وبالرجوع إلى الاتفاقيات والمعاهدات المرتبطة بالصحراء يتأكد أن منطقة الساقية الحمراء لم تكن مستعمرة، كما هو حال منطقة وادي الذهب التي كانت مستعمرة بالاسم فقط. من فكرة ترحيل الإسبان إلى تصفية الاستعمار إن نزوع الأممالمتحدة نحو فكرة التخلي عن الاستفتاء يرجع إلى الأسباب التي كرست استحالة هذا الحل في ضوء أن مشكلة الصحراء لا تهم فقط ما يسمى بالصحراء الغربية؛ بل مناطق أوسع وأطراف أخرى، خاصة الجزائر التي نهجت سياسة تفريخ الانفصال باعتماد ساكنة كانت مغربية وأصبحت جزائرية بفضل سياسة تكريس الموروث الاستعماري واستعمال النزوعات القبلية. التراب قبل الفوسفاط إن الحقوق على التراب كانت معروفة لدى السلطات الفرنسية التي أخفتها عن السلطات المغربية وكذا عن المنظمات الدولية وخاصة الأممالمتحدة. لقد ظهرت فكرة ترحيل الإسبان من الصحراء كمشروع فرنسي سنة 1923، لأجل القضاء على المقاومة وكذا إخضاع مناطق شاسعة لا تخضع للسلطات الإسبانية التي تركزت في السواحل؛ وخاصة بطرفاية والداخلة، حيث ظلت المقاومة ضد المستعمر الفرنسي تنطلق من الجنوب المغربي ومن المناطق التي تحسب على الاستعمار الإسباني. من هذا المنطلق، دخل الفرنسيون في مفاوضات مع السلطات الإسبانية، عبر اقتراح مناطق أخرى بإفريقيا الغربية مقابل إخلاء ما كان يسمى بالصحراء الإسبانية. قدم هذا المشروع على أساس أن هذه المناطق تربطها بالمغرب علاقات سياسية وتاريخية. ومن ثمّ، فسلطات الحماية تولت إلحاقها بالمغرب انطلاقا من مفاوضات سنة 1923. وقد بادرت سلطات الحماية بقيادة المقيم العام الجنرال اليوطي من أجل شرعنة هذا المخطط إلى تجميع الوثائق، التي تدل على ما سماه ليوطي ومدير الشؤون السياسية هيو Huot بالحقوق التاريخية للمغرب على المناطق الموجودة جنوب وادي درعة. وقد جرى العثور على مجموعة من المراسلات التي تبادلها السلاطين قبيل الاحتلال للمنطقة مع ممثلي السلطة المخزنية بالصحراء. السؤال الذي يجب طرحه: لماذا لم تحاول فرنسا إلحاق المناطق بالجزائر أو بموريتانيا؟ يكمن الجواب في أن المفاوضات كانت تجمع بين قوتين استعماريتين يعرفان أكثر من أي أحد مدى مغربية هذه المناطق. وبعد فشل المفاوضات ورفض الإسبان للمقترح الفرنسي، تم خلق قيادة التخوم التي انتقلت من مدن ميدلت وتزنيت لتستقر بأكادير ابتداء من سنة 1933؛ وهي القيادة التي كانت تدير الساقية الحمراء والمنطقة الحدودية مع وادي الذهب أي إلى خط عرض 26 درجة. وتزامنا مع مطالبة المغرب بالاستقلال سنة 1944، حيث تمت المطالبة بكافة التراب المغربي؛ وهو المطلب الذي قدمه المغرب إلى جنيف سنة 1946، طالبت السلطات العسكرية الفرنسية بموريطانيا ومنطقة التخوم من وزارة الخارجية الفرنسية بضرورة حل مشكل الحدود مع المغرب فيما بين منطقتي درعة ووادي الدهب كما تشير إلى ذلك الوثائق الجديدة؛ غير أنه لن يتم حل قيادة التخوم التي كانت بأكادير إلا سنة 1955، أي شهورا قبل استقلال المغرب لمنعه من استرجاع أقاليمه الصحراوية. كما أن الإسبان الذين ظلوا يدبرون شؤون المنطقة انطلاقا من تطوان وباستعمال سلطة المخزن، سيحاولون طمس الهوية القانونية لمنطقة الساقية الحمراء بإلحاقها بوادي الذهب حتى يعتبروا منطقة الفوسفاط بكونها مستعمرة. وتدل الوثائق على أن إسبانيا كانت قد تقدمت بمشروع تسليم المغرب منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب مقابل تنازل المغرب عن سبتة ومليلية؛ وهو المشروع الذي سحبته إسبانيا، بعد اكتشافها للفوسفاط سنة 1964. وتذهب إلى أبعد من هذا، بإلحاق الساقية الحمراء بنظام الحكم بجزر الكناري، وفي الوقت نفسه ألحقت وادي الذهب بالإدارة المباشرة لمدريد. عن أي فوسفاط وعن أي مستعمرة نتحدث؟ لا يرتبط السؤال المطروح أساسا بالقانون كما تتصوره حكومة بريتوريا، بل هو في العمق مرتبط بسوء الفهم الكبير للحقوق السياسية والتاريخية والقانونية التي تخول للمغرب الحق في استغلال ثروات المنطقة. علما بأن الاكتشاف المتأخر للفوسفاط لبوكراع هو من أكبر الدلائل على أن الصحراء لم تكن مستعمرة وإلا كيف نفسر اكتشاف الفوسفاط 11 سنة فقط قبل استرجاعها من طرف المغرب سنة 1975؟ مقارنة بذلك، نجد أن الاستعمار الفرنسي اكتشف الفوسفاط بشمال المغرب، بعد أقل من 8 سنوات على احتلاله للمغرب. وقد تأسس المكتب الشريف للفوسفاط سنة 1920، أي 44 سنة قبل توغل الإسبان في اتجاه العمق الصحراوي واكتشافهم لفوسفاط بوكراع. لا بد من القول، قبل الشروع في توضيح هذا الأمر، إن الأممالمتحدة وكل الدول الديموقراطية، بل وحتى الكولونيالية التي سبقتها، لم تقل يوما إن المكتب الشريف للفوسفاط الذي يستغل فوسفاط خريبكة واليوسفية هو مجال جغرافي تقطنه قبائل صحراوية قادمة من الجنوب. كما أن جنوب إفريقيا التي تجهل تاريخ وجغرافية المغرب لا تعرف أن القبائل الصحراوية المستقرة شمالا لم تعتبر لاجئة أو أجنبية؛ بل كانت تشكل عضد الدولة المغربية، خاصة فيما يتعلق بقبائل الجيش. وكل هذه القبائل والمجموعات البشرية هي الآن تنعم في إطار مجالات جغرافية وإدارية غالبا ما تحمل أسماء قبائلها (الشراردة، تكنة، الأودايا، أولاد أبي السباع، أولاد تيدرارين، الركيبات وأولاد دليم). منذ قرون وحتى عهد الحماية، وكذا بعد الاستقلال، لا تذكر الوثائق الوطنية والاستعمارية أو الدولية أن هاته القبائل ليست مغربية كما لم تذكر الوثائق أن المغرب يأوي منذ ثلاثة قرون "لاجئين صحراويين". يجب أن نضيف إلى هذا الأمر مسألة مهمة، وهي أن المغرب وحده من وضع احتجاجات رسمية لدى الأممالمتحدة وكذا لدى الولاياتالمتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا لثنيها على المشاركة في استغلال الفوسفاط ببوكراع؛ لأن إسبانيا طلبت من الشركة الأمريكية مساعدتها من خلال ضخ استثمارات مالية كبيرة، ذلك أن المكتب الشريف للفوسفاط كان قد أمضى في سنة 1965 اتفاقية مع الشركة الأمريكية التي تعهدت بعدم الاستثمار في استغلال الفوسفاط ببوكراع . Occident Petroliumوهو الأمر الذي أكدته الزيارة التي قام بها الأمير مولاي عبد الله والوزير إدريس المحمدي إلى الولاياتالمتحدة في يناير 1966 لإقناعها بعدم الاستثمار في استغلال فوسفاط بوكراع. وقد أكد السفير المغربي بواشنطن بتاريخ 11 مارس 1966 أمام كاتب الدولة الأمريكي، وبحضور ممثلين عن موريتانيا والجزائر، أنه يتوجب على إسبانيا أن تتفاوض مع المغرب بهذا الخصوص؛ وهو الأمر الذي أكده وزير الدولة الأمريكي الذي وضح من جانبه أن الولاياتالمتحدة الأمريكية لا يمكنها أن تستثمر في منطقة النزاع. وفي الوقت نفسه تتحدث المصادر عن صمت السلطات الجزائرية بهذا الخصوص في وقت كانت الساكنة الصحراوية تنصت وتدعم المطالب المغربية؛ وهو الأمر الذي سيتأكد بحضور وفد صحراوي إلى نيويورك في نونبر 1966 من أجل المطالبة بإلحاق الأقاليم الصحراوية إلى الوطن الأم. لكن المفاجأة ستأتي من الطرف الجزائري الذي سيتدخل بعد مطالبة الوزير محمد الشرقاوي بضرورة إنهاء الاستعمار وإلحاق الساقية الحمراء ووادي الذهب بالمغرب. ذكر الممثل الجزائري، في الاجتماع نفسه، أن مشروع إسبانيا منح الاستقلال للصحراء هو بمثابة مشروع وهمي لا يمكن تحققه في منطق "لا تتعدى ساكنتها 50 ألف نسمة". وقد أكد الممثل الجزائري، بشكل رسمي وبالحرف، "ضرورة منح الجزائر معبرا في اتجاه المحيط الأطلسي وكون هذا المطلب سيزيد من اهتمام الجزائر بالصحراء الغربية". وتذكر الوثائق السرية الفرنسية كيف أن دورة الأممالمتحدة في 4 نونبر 1966 ستشهد مفاجأة غريبة حين عمل الوفد الجزائري على وضع كافة العراقيل أمام الوفد الصحراوي المغربي حتى لا يتم الاستماع لمطالبهم. ويمكن أن نفسر الموقف الجزائري، في وقت لم تظهر فيه أية حركة انفصالية بالصحراء، بما ذكرته المجلة الأمريكية المتخصصة Metals and Minerals Markets "كون السلطات الجزائرية والإسبانية قد شرعتا في شهر يونيو 1967 في دراسة مشروع خط حديدي بين تندوف والأطلسي على طول 480 من أجل الاستغلال المشترك للحديد والفوسفاط". وقد ذكرت وثيقة سرية صادرة من سفارة فرنسا بواشنطن في 5 يناير 1968 بأن المجهودات الدبلوماسية المغربية قد أعطت أكلها، حيث إن واشنطن أوقفت كل المفاوضات التي كانت تدور بين الشركات الأمريكية والسلطات الإسبانية بخصوص مشروع استغلال فوسفاط بوكراع. خاتمة وفقا للمعطيات السابقة وكذا في مضامين أو ملاحق كتابنا حول الصحراء يمكن أن نتساءل عن الفرق بين قرار محكمة لاهاي سنة 1975 التي اعترفت بالطبيعة الدينية والسياسية التي جمعت السلاطين العلويين بساكنة الأقاليم الجنوبية والحقيقة الميدانية والواقعية للاستعمارين الفرنسي والإسباني اللذين ظلا يعتمدان نظام البيعة ورموز وسلطة العائلات المخزنية في تدبير شؤون الصحراء خلال المرحلة الكولونيالية. فكيف الاعتماد على الحدود الموروثة عن الاستعمار دون الاعتماد على الوثائق التي كانت من وراء إنتاج الخرائط ورسم هاته الحدود؟ كيف لعاقل أن يقول بغياب علاقات سياسية مستمرة بين المغرب وأقاليمه الصحراوية في الوقت الذي تثبت فيه السلطات الاستعمارية وعبر تقارير سرية وحساسة أنها لم تتمكن من تهدئة ومراقبة الصحراء سوى بعد الاعتماد على سلطة ونظام المخزن. للإشارة، فإن المعاهدة المغربية الإسبانية لسنة 1760 وكذا المغربية البريطانية لسنة 1895 كلها تؤكد على الأقل أن السيادة المغربية تمتد على التراب الصحراوي الممتد حتى مدينة بوجدور؛ وهو الأمر الذي تؤكده الخرائط والنصوص، وهي المعاهدات التي تم نسفها باتفاقيات بين السلطات الفرنسية والإسبانية من جهة والسلطات الفرنسية-البريطانية من جهة ثانية أي في غياب أي موافقة أو توقيع من جانب السلطان المغربي. بقي أن نشير إلى أن الآلة القانونية، التي تحاول اليوم وضع كل العراقيل الممكنة في وجه المغرب واستغلاله لثروات صحرائه، لا تعي حجم الأهمية التي أبداها المغرب حين رفض إدماجه في المشروع الفرنسي الخاص باستغلال مناجم الحديد ومعه مشروع التفاوض مع فرنسا بخصوص تسوية الحدود ظنا منه أن الأمر فيه خيانة للإخوة الجزائريين. كما أن المغرب الذي عانى من الاقتطاعات الترابية التي قامت بها سلطات الاحتلال وحدت حدوها الجزائر التي تتبنى مشروعا استعماريا تحت يافطة الدفاع عن حركات التحرر. يبدو أن الصورة قد اكتملت مع رفع الحجز عن الوثائق والخرائط في فرنسا. نتمنى أن تحذو إسبانيا في نفس اتجاه السلطات الفرنسية، فترفع السرية عن أرشيفها حتى يتبين للمتخصص والمهتم من أين بدأت مشكلة الصحراء وأين توجد المناطق التي يتوجب خضوعها لمسلسل تصفية الاستعمار. هذه، إذن، بعض المعطيات حول المنطقة التي يستخرج منها الفوسفاط والتي تختزل كل الرموز السياسية والدينية والقانونية لكافة الحقوق ليس فقط على الفوسفاط؛ بل على كافة التراب كما جاء في كل الوثائق والخرائط التي تحدثنا عنها في كتابنا أو باختصار شديد كما تضمنه معاهدة الجزيرة الخضراء سنة 1906 والتي كانت روسيا من بين الموقعين عليها. خلاصة القول إن السلطات الفرنسية كانت تعمل على إخفاء الوثائق الخاصة بمغربية الصحراء خدمة لمشروعها الكولونيالي، وهي بالتالي صارت بعد الاستقلال أكثر تضامنا مع المغرب في قضيته العادلة. في المقابل، ظلت الجزائر تخفي نواياها الحقيقية في غياب الوثائق التي لا تخدم مواقفها وتتربص بالتراب المغربي من خلال استعمال القرارات والمبادئ المفبركة، وخاصة ما يتعلق بمبدأ المحافظة الموروثة عن الاستعمار في مقابل التشويش عن مشروعية استرجاع الأراضي التي اغتصبها الاستعمار. كما يبدو أن الجزائر لم تعترض على استغلال إسبانيا للفوسفاط، بل اعترضت على الصحراويين الذين ذهبوا إلى نيويورك لإسماع صوتهم؛ ذلك هو فهمها الميداني لمساندة "التحرر ومقاومة الاستعمار" وسعيها إلى خلق حركة انفصالية وبالتالي القناع الذي يمكنها من تحقيق مصالحها وفي الوقت نفسه إخفاء نواياها التي كانت بادية ومكشوفة فيما بين سنتي 1961 و1973. وقد رأينا كيف دخلت الجزائر على الخط للتفاوض مع الإسبان لأجل الاستغلال المشترك للموارد المنجمية بتندوف والصحراء؛ وهو المشروع الذي تم تصوره باستغلال ذكي لثغرة الصراع بين القصر وجيش التحرير والمعارضة الوطنية، لخلق حركة انفصالية بالصحراء المغربية ودعمها، حيث تمكنت الجزائر من وضع آليات خطتها ميدانيا لتوجه النزاع في اتجاه خدمة إستراتيجيتها. هذا ما يعطي حجز السفينة كامل دلالته الجيواستراتجية، مع فارق أساس هو أن جزائر اليوم ليست هي جزائر الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. كما أن المغرب نفسه لم يعد هو مغرب الصراع بين القصر والحركة الوطنية، ولم يعد كرسيه بإفريقيا فارغا..... والعالم لم يعد موزعا بين المعسكرين الشرقي والغربي. *مركز تاريخ الزمن الراهن جامعة محمد الخامس-الرباط