جيب يا فم صندوق المَقّاصة أنا من المتحمسين لنظرية التفكير خارج الصندوق. هذه النظرية تدعوك إلى الخروج عن المألوف في أفكارك وتصرفاتك وعلاقاتك، وارتياد آفاق مغايرة تجعل الحياة مغامرة ممتعة تستحق أن تعاش. فكّر دائما خارج الصندوق الذي وضعوك فيه أو وضعت نفسك فيه. دعك من الصندوق، يمكنك أن تتخيل نفسك ماردا داخل قمقم.. فلتنطلق أيها المارد. حّطم قمقمك. كسّر قوقعتك. اشحذ مقصك جيدا وانضم إلينا. نحن فئة خاصة في المجتمع. عمليا، يمكن تصنيفنا ضمن علية القوم، لأننا نعتلي باقي القوم. نحن نمص ونعض ونلحس. أخذنا المناصب والمكاسب وتركنا لكم الوطن.. ربحو بيه. نمص عرقكم. بالرغم من رائحته القذرة. نعض لحمكم. نلحس عسلكم. قليلون من يعرفون طبيعة مهنتنا، نحن حملة المقص. نستعمل المقص في غير ما تستعملونه. أنتم تستعملون المقص في تشذيب نباتات مزهرياتكم وقصّ الزغب النابت داخل أنوفكم. المقص وسيلتنا الحادة لجزّ صوف الخرفان. نقص الميزانيات سببه أننا نقُصّ الميزانيات. نحن نقص عليكم أجمل القصص والحكايات لتناموا حتى نتمكن من قص الميزانيات. نستمتع بالقص. حكاياتنا واقعية بالرغم من غرابتها وعجائبيتها. مثلا، حكاية الزواج بين الفساد والديمقراطية. هل تصدقونها؟ نعم حدثت وستحدث دائما. ولأننا بارعون في القص أحدثنا صندوق المَقّاصة.. نخبئ فيه كل ما قصصناه من قصاصات ورقية زرقاء. من أين نحصل على هذه القصاصات الزرقاء التي تُسيل لعابنا ولعاب كلابنا؟ سؤال مهم. والجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، نحصل عليها كغنائم مستحقة بعد غزواتنا المظفرة على الخرفان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحن المَقّاصة نلعب دورا مهما في المجتمع. نحن لا نلعب لأننا مثال للجدية في القص. سنستمر في استهداف الأسر المعوزة والهشة. سنقيم أودها ونشد عضدها.. ههه. سنعضّضها كما كنا دائما نعضها. كل ما نفعله نحن معشر المَقّاصة هو أننا نستل مقصاتنا الحادة ونقص الميزانيات وفق مقاربة قطاعية شمولية. نقُص الميزانيات الموجهة إلى المدارس والمستشفيات والطرق والقناطر. حتى الخيريات لم تسلم من مقصاتنا. حتى مطاعم المدارس في القرى المقصية لم تسلم من مقصاتنا. بعض الشباب الضائع خرجوا إلى الشارع ليحتجوا ضدنا. هيهات منا الذلة. سنصمد وسنوزع المزيد من المقصات على أتباعنا ومندوبينا وخُدام سياستنا. وكل طائر يغرد خارج السَّرب، نقص جناحه ونريّشه ونعيده إلى السرب ونُؤكّله فضلاته. نحن أشرار وقساة. المقص علمنا القسوة. ومع ذلك نقوم بأعمال خيرية. نذهب إلى الجبال والقرى النائية، حيث نقيم حفلات للختان ونطهّر الأطفال كي يتعودوا على المقص منذ صغرهم. كتوقع حفّار قبور..الله يحفظ زعطوط رجل المهمات الصعبة والمرعبة أحيانا. يقوم بتغسيل الموتى وتكفينهم وحفر القبور ومواساة أقرباء الميت وحراسة المقبرة وطرد المتسولين المتربصين بالزوار ومطاردة السحرة والمشعوذين وكشف المقرئين المزيفين. زعطوط يحب شيئين اثنين: يعشق أفلام الزومبي، ويحب أن يتعشى دائما بأكلة البيض المسلوق مع البطاطا المسلوقة. لذلك لا يمكن اعتباره صديقا للبيئة بسبب الغازات المسيلة للدموع المنبعثة من ثقب الأوزن أسفله. الكاميرات جاهزة؟ أكشن.. خارجي/ نهار.. زعطوط مستلق يدخن. انتهى لتوه من حفر قبرين لشاب وشابة ماتا اختناقا بغاز البوطا. لقطة بانورامية للمقبرة.. قبور مبنية بالرخام.. وقبور طينية نبتت عليها نباتات خضراء جميلة، بالرغم من حرارة الشمس. زعطوط تهب عليه رياح الحكمة أحيانا، فيقول كلاما تستغرب أنه هو قائله. قال مرة: "في موت أحدهم خبز للآخر". معناه أنه كلما مات شخص ضمِن زعطوط خبزه. يبدو أن احتكاكه اليومي بالموت جعله ينطق بالحكمة. من وجهة نظر زعطوط نرى نعشا محمولا على أكتاف أربعة رجال. وراءهم ستة آخرين وعجوز يجر دراجته الهوائية ويدخن لفافة حشيش. في العمق تظهر امرأة بملابس رثة وهي تبكي بتصنع. زعطوط يبدو نشيطا ومسرورا. يتقدم إليه رجل محترم حزين. يأخذه زعطوط إلى مكان حُفرت فيه ثلاثة قبور متجاورة. يشير الرجل إلى قبر من الثلاثة. نحذف مجموعة من المشاهد لأنها لا تخدم الحبكة. انتهت عملية الدفن. انصرف الجميع. هاتف زعطوط يرن. نفهم من كلامه مع المتصل أن نعشا آخر قادم الآن. زعطوط بفرح: "سير أخويا الله يفرحك كيما فرّحتيني". الغريب هو أن زعطوط يُظهر مشاعر فرحه أثناء الدفن وأمام أهل الميت. لا يراعي مشاعرهم. يبدو أنه لم يعد قادرا على ضبط بوصلة مشاعره. الموت لا يعني له الألم والحزن ولوعة الفراق.. يعني له شيئا واحدا: فرصة لكسب الرزق. ومن كثرة احتكاكه بأجواء الموت تعوّد على مشاهد البكاء والعويل.. حتى أنه فقد القدرة على البكاء تماما. ه و يعتبر الموت حدثا عاديا جدا ويستغرب كيف أن الناس يحولونه إلى دراما. عندما مات أبوه لم تقطر دمعة واحدة من عينه. ومرة ماتت جدته في أول الليل، فنام بقربها في الغرفة نفسها حتى الصباح. وسقط طفل في بئر، فتمت المناداة على زعطوط حيث انتشله جثة مبللة. هكذا لم يعد الموت مقترنا بالخوف والرهبة عند زعطوط. أصبح الموت صديقا له. يُغسّل ويخيط الكفن ويدفن الجثث ويستمتع بذلك.. العملية صارت روتينا عاديا. في بداية الدخول المدرسي. سألت مُدرسة الابتدائي ابنة زعطوط عن مهنة أبيها. خجلت الطفلة وارتبكت أمام نظرات صديقاتها. امتنعت عن الجواب. وعندما ألحت عليها المُدرسة فانفجرت باكية: "بابا.. حفّار.. كيحفر لقبورا". نرى الآن زعطوط يمسد شعر طفلته التي تبدو منهارة نفسيا. تطلب منه تغيير مهنته، تقترح عليه مهنا كثيرة؛ بَنّاء.. خضّار.. صباغ.. بائع ورود. تستوقفه مهنة بائع ورود. يتخيل نفسه جالسا في كشك يصفف الورود ويرش عليها الماء. الكشك أمام مستشفى. يفكر: "سيظل الموت لصيقا بي حتى وأنا أبيع الورد". راس الحانوت *من سرق الإبرة ومن سرق الجمل؟ كنت أنوي القيام بمسيرة إلى الرباط على يديّ ورجليّ لأحصل على الجواب.. ولأنني خِفت أن أحصل، تراجعت عن الفكرة رحمة بضلوعي. *المشروع الوطني الذي يجب على الحكومة الانكباب عليه هو إنتاج كميات وافرة من المبيدات بهدف رش الجراد الكامن في الجماعات والبلديات والإدارات.. وإنتاج كميات وافرة من الفخاخ لاصطياد القوارض. *ليس لي شغل قار. ليس لي دخل قار. ليس لي بيت قار أسكن فيه.. لذلك أتحرك كثيرا في الشارع. فعندما ينعدم السكن في البيت.. يكثر الحراك في الشارع. دقة ببصلة بصلة اليوم نقذف بها عناصر الشبّيحة في إداراتنا ومؤسساتنا. الموظفون الأشباح. هدوك اللي مشبّحين في ديورهم. في آخر الشهر يزاحمونك أمام شبايبك الأبناك. يفضلونها باردة. مصالح المواطنين وأغراضهم الإدارية لا تهمهم. يبدو لي أن شعار "سير حتى تجي" الذي ترفعه الإدارة عندنا وتنزّله على أرض الواقع يرجع إلى "ظاهرتين" اثنتين: الرشوة والأشباح. عدد قليل من الموظفين والمستخدمين في مؤسسة عمومية مطلوب منهم تقديم الخدمة العمومية لعدد كبير من المواطنين، ولذلك تحدث تداعيات سلبية كثيرة أبرزها تذمر المواطن من سوء الخدمة وتعطيل مصالحه وفقدانه للثقة في الإدارة. هل يمكن إلزام هؤلاء الأشباح بالالتحاق بمقرات عملهم ومباشرة مهامهم أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه؟ بالنسبة لي، أنا لست شبحا بل مواطنا ظاهرا للعيان وكلما استيقظت من النوم أتحسس أطرافي مخافة أن أصير شبحا.