وجدت نفسي مجبرا على كتابة هذه الأسطر رغم أنني لست كاتبا بارعا، ولكنني أردت مخاطبة من يسمون أنفسهم نشطاء حراك الريف الذين يحتجون في مدينة الحسيمة ونواحيها منذ مقتل المرحوم محسن فكري، الملقب بسماك الحسيمة، الذي توفي إثر حادثة مؤسفة كما يتوفى عدد كبير من المواطنين المغاربة يوميا في حوادث السير مثلا. ومثل هذه الحوادث بطبيعة الحال تكون حوادث عرضية أو نتيجة أخطاء ومسؤوليات متعددة ومتشعبة، وتسفر عن الخسائر المادية أو القتل أو الجرح الخطأ. وقد تسببت هذه الحادثة في حالة من الحزن والغضب بين أفراد عائلة المرحوم ومعارفه وسكان الحسيمة والمغاربة بصفة عامة، بسبب فظاعة منظر جسمه وهو بين قواطع آلة طحن النفايات، وتناسلت بعد ذلك الروايات عمن ضغط على زر تشغيل آلة طحن النفايات؟ وما مدى صحة رواية "طحن مو"؟ وفي الأخير اتضح أن الأمر مجرد حادث ناجم عن أخطاء ومسؤوليات متعددة، بما فيها خطأ المرحوم نفسه الذي تهور وقام بالصعود إلى حاوية طحن النفايات. وقت الفراغ الكبير لدى بعض الشباب والمراهقين العاطلين جعلهم يستغلون هذه الفرصة للقيام بهذه المظاهرات والاحتجاجات التي أطلق عليها في ما بعد اسم الحراك، بعد استمرارها لأكثر من ستة أشهر. هذا الحراك شكل فرصة ذهبية لبعض هؤلاء النشطاء ليتخذوه مهنة وتحولوا بين عشية وضحاها إلى أبطال وزعماء يستعرضون خطاباتهم مباشرة وباستعمال الإنترنيت.. هذه الخطابات التي تكون مرتجلة تتميز مع الأسف بكثير من الفخر والوقاحة وتحدي السلطة والنظام والعنصرية والكراهية واحتقار الآخر (ريافة رجال، الريف الشامخ، نحن أحفاد محمد بن عبد الكريم الخطابي رضي الله عنه وأرضاه) وأساءت إلى صورة "ريافة" لدى المغاربة والعالم أكثر مما أفادها . يا إخوتي "ريافة" ونشطاء الحراك، أنتم مجرد بشر مثل جميع الناس، لكم محاسنكم ولكم عيوبكم. وأصلا الإنسان العاقل يعتبر جميع الأجناس البشرية فوق الكرة الأرضية إخوته.. قال الشاعر : لا تقل أصلي وفصلي أبدا ** إنما أصل الفتى ما قد حصل ليس الفتى من يقول كان أبي ** ولكن الفتى من يقول ها أنذا يحق للإنسان أن يفتخر بإنجازاته الشخصية، مثل نجاحه في حياته الدراسية والمهنية، أو نجاحه في رفع راية بلده في المحافل الدولية، أو نجاحه في اختراع علمي أو تكنولوجي مفيد للبشرية، ولكن في جميع الحالات يجب عليه أن يتحلى دائما بالتواضع، ولكن الغريب هو أن يفتخر نشطاء الحراك بكونهم "ريافة الأحرار والحرائر، أحفاد محمد بن عبد الكريم الخطابي رضي الله عنه وأرضاه)، وفي الوقت نفسه نجد من بينهم العاطلين والفاشلين الذين لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم، بل ينتظرون من الدولة أن توفر لهم مناصب الشغل، وأغلبهم من المراهقين في مقتبل العمر. والمراهق كما هو معروف شخص عنيد يميل إلى تحدي جميع السلطات، ابتداء بسلطة أبويه، ويفتقر إلى الخبرة والتجربة، ولا يستطيع بسبب وعيه وثقافته المحدودة استيعاب مصلحته الشخصية الحقيقية والنصائح والإرشادات التي يتلقاها من أبويه وممن هو أكبر منه سنا وتجربة، تصرفاته تتميز بالاندفاع والتهور وعدم تقدير عواقب الأمور. وأستحضر هنا المثل الفرنسي: (l'ivresse de la jeunesse est plus forte que l'ivresse du vin)، وهنا تكمن خطورة الانفلاتات الأمنية أثناء المظاهرات. لهذا أتمنى أن يتم تبني وتأطير نشطاء هذا الحراك من طرف أشخاص كهول وعقلاء، لأن ترك هؤلاء الشباب والمراهقين يتصرفون في حراكهم لوحدهم فيه خطورة كبيرة، وهي استعمال العنف من طرفهم، وبالمقابل استعمال العنف المضاد من طرف الدولة من أجل المحافظ على الأمن . الغريب أن هؤلاء بما أنهم يدعون أنهم أحرار ويتمتعون بالنخوة وعزة النفس ينسون أنهم مجرد ضعفاء وأن أهدافهم ومطالبهم الحقيقية لا تتجاوز فرصة للشغل من أجل الحصول على رغيف خبز وليس البنيات التحتية المستشفيات والمدارس أو رفع العسكرة، ويعرفون أن القطاع الخاص هو الذي يوفر فرص الشغل وليس الدولة، ولكنهم يجهلون أنهم يتسببون في عزوف هذا القطاع الخاص نفسه عن الاستثمار في منطقتهم بسبب استمرار حالة الاحتقان وعدم الاستقرار . وهناك مطلب عجيب آخر هو رفع العسكرة.. ولا أدري ما المقصود أصلا بالعسكرة؟ وهل يجب على الدولة أن تطلب موافقة نشطاء الحراك قبل القيام بهذه التدابير والإجراءات الأمنية التي يسمونها العسكرة؟ وبماذا تزعجهم أصلا هذه التعزيزات الأمنية، كأن هذه القوات قوات احتلال.. ألا يعلم هؤلاء النشطاء أن هناك الكثير من المناطق في المغرب التي تعاني من انتشار الجريمة وتتمنى فقط أن تحظى بمركز للأمن أو للدرك الملكي؟ وبالنسبة إلى الانفصال أعتقد أن نشطاء الحراك يعرفون جيدا أنها فكرة مستحيلة، ولكنهم عن قصد يتعمدون التلبس بها من خلال بعض التصرفات الرمزية، مثل رفع راية جمهورية الريف، ومن خلال مهاجمة السلطات والنظام بصفة عامة، إذ اكتسبت كلمة المخزن حمولة قدحية وسلبية رغم أن المقصود بها في الأصل هو السلطة أو النظام الحاكم فقط. وكل هذه التصرفات هي فقط قصد إحراج الدولة وإرغامها على الإنصات إليهم، أما التهديد بالفتنة والسيناريو السوري فهذا فيه مبالغة، لأن المغرب والحمد لله دولة قوية وعتيدة ولم يستطع ولن يستطيع أعداؤها النيل منها أو زعزعة استقرارها. في نظري المتواضع يجب إعادة العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية لجميع الشباب المغاربة البالغين 18 سنة، لأنها يمكن أن تقوي لدى هؤلاء الشباب والمراهقين الروح الوطنية وروح الامتثال والانضباط والإخلاص والتضحية في سبيل المصالح العليا للأمة، من خلال خضوعهم للتكوين العسكري الصارم لمدة 18 شهرا تحت رفرفة العلم والنشيد الوطني ونشيد القوات المسلحة الملكية (إنا حلفنا القسم* ألا نخون العلم * وأن نجود بالدماء* للذود عن حمى الوطن* يحيى الملك يحيى الوطن *رايتنا من دمنا* ولونها من لوننا* أروحنا ليست لنا* حتى نعز الوطن** يحيى الملك يحيى الوطن).