لا يمكن لأحد أن ينفي، أن هذه الأسابيع التي يعيشها المغرب منذ خطاب الملك في التاسع من مارس، وقبله منذ ظهرت أول صفحة على الفايسبوك تدعو إلى تظاهرات عشرين فبراير.. أنها أسابيع سياسية بامتياز.. تتوالى فيها الأحداث والأخبار، وتتفاعل فيها المواقف بشكل يومي.. موقف يُبنى على سالفه، وحدث يؤصل لتابعه وردة فعل تقابلها ردود أخرى، وهذا في نظري ليس عيبا ولا هجينا.. الحركية في مثل هذه الظروف التاريخية بدون شك مطلوبة ومرغوبة.. فقط ينقصنا الأبطال أو النجوم، داخل فريق لكرة القدم مثلا دائما هناك لاعبون يصنعون الفوز كثيرا وينهزمون قليلا.. ولكن عندما يكون بينهم نجم فنان وساحر تضيع الهزيمة وسط الإبداع.. ربما المجاز غير موفق ولكني أجده متطابقاً مع ساحة سياسية لم أر لها مثيلاً فيما سبق.. لكن تنقصها عوض اللمسة الفنية والسحرية، الشجاعة الكافية والفكر الخصب..! وعوض الأهداف الرائعة، المبادرة الديمقراطية الصائبة.. وعوض توزيع الكرة بشكل سليم.. هناك توزيع للأدوار غير سليم، بل هناك احتكار كروي سياسي لدى "لاعبين" دون آخرين.. والمصيبة أن الذي لا يملك "الكرة"، لا يطلبها.. وينتظر أن تسلم له.. وهذا اللاعب حتى وإن لم يضيع هذه الكرة، فلا يمكن أن تعتمد عليه بشكل جدي في مباريات حاسمة.. مناسبة هذا الكلام ما عشناه خلال الأسبوع الأخير من تطورات.. قد تبدو بدون قيمة لكنها مؤشرة على نوع من "التلفة" التي يتخبط فيها الفاعل السياسي.. فتعالوا نقلب هذا الهذيان! البلاد بدون شك تستعد للدخول في مرحلة جديدة.. وهذا ما يفسر السرعة والعشوائية التي تطبع بعض القرارات والمواقف، لن نجتر من جديد الكلام عن موعد الانتخابات.. وإن كان وزير الاتصال خالد الناصري، قد صرح مرة أخرى أن الأحزاب ومعها وزارة الداخلية لم تصل بعد إلى موقف "متوافق" عليه حول التاريخ الذي يجب اعتماده.. ومناسبة هذا التأكيد للناطق الرسمي بإسم الحكومة أنه عشية انعقاد المجلس الحكومي عممت بعض المواقع الإلكترونية (وهذه لعبة جديدة..) خبر الاتفاق حول تاريخ السابع من أكتوبر.. مما دفع بعض رموز العدالة والتنمية إلى الحديث "عما يشبه التلويح بالعصيان".. وبما أن البلاد "ما ناقصة صداع".. جاء الناصري ليطمئن النفوس، وتلته بعض الأخبار تتحدث عن أن الدولة ممثلة في وزارة الداخلية مستعدة للاستجابة إلى مطالب "الإصلاح السياسي" المتمثلة في تغيير الإدارة الترابية حيناً.. ومراجعة القوانين المرتبطة بالانتخابات بما في ذلك التقطيع الانتخابي، وصولا إلى قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات التي خرجت من البرلمان؟! لتعود إلى القيادات الحزبية، حتى تصاغ على نمط الدستور وتمر عبر البرلمان!! ومما يزيد الوضع بؤسا تلك الأخبار القادمة من مجلس المستشارين – جميع الأزمات مصدرها المستشارون يا حسرة – والتي تتحدث عن قضيتين – عفوا عن حماقتين.. الحماقة الأولى مرتبطة بتلك المبادرة التشريعية القاضية "بتوريث" معاش السادة المستشارين البرلمانيين – الحمد لله أن الأمر لم يُطرح بشكل رسمي، كما أعلن عن ذلك وزير الاتصال والتي وصفها من جانبه ب "التخربيق"!! فبعض البرلمانيين بالغرفة الثانية ووسط "القلعة" المتحدث عنها.. أرادوا أن يتقدموا بمقترح قانون يقضي بتوريث التقاعد البرلماني إلى ذو الحقوق من أصلهم.. التقاعد الذي يساهم فيه البرلماني بنسبة النصف، فيما تتكفل خزينة الدولة بالنصف الآخر لصالح شركة خاصة للتأمين وهذا يستوجب كلاماً.. ذلك أن المشرع عندما تبنى فكرة تقاعد البرلماني والوزير، إنما أراد أن يحفظ لهؤلاء البشر في حالة مغادرتهم للبرلمان أو الوزارة، بعد انقضاء مهامهم، مستوى اجتماعياً فيه الحد الأدنى، حتى لا يقال أن فلاناً كان برلمانيا في زمن كذا، وانتهى به المطاف "حارس عمارة" يتدبر لقمة العيش بصعوبة.. وحفظ كرامة هذا المخلوق البرلماني المفلس هو من كرامة الدولة نفسها.. وهذه الحالات سجلها التاريخ، لكنها غير عامة ومحدودة جداً.. أضف إلى ذلك أن عبء هذا التقاعد تتحمله شركة خاصة وليس ميزانية الدولة.. أما وأن يطمع البعض في توريث المعاش إلى مَالاَ نهاية.. فهذا سيدفع الشركة إلى المطالبة بمراجعة نسبة الاشتراك من البرلمان والدولة.. والحقيقة أنه لا تعويض البرلماني يسمح بذلك ولا ميزانية الدولة تسمح بذلك! نعم، التعويض البرلماني، وعن معرفة بالموضوع، أكد أنه نحيف وغير كافٍ بالنسبة للبرلماني الحقيقي الذي ترسم شكله الديمقراطيات الحقيقية، أما في حالنا البئيس فلربما كان علينا أن نعلن أن الوظيفة البرلمانية، وظيفة نضالية، تطوعية.. آنذاك سنرى من يحب بلادنا ممن يحب أموالها وامتيازاتها وعطاياها!! ولربما إجراء مثل هذا كان سيكفينا آلام جميع الأمراض السياسية التي يعج بها البرلمان، وغيره.. الحماقة الثانية، وهي حماقة كبرى بل طامة عظمى.. تنم عن الانتهازية وتدفع للاشمئزاز.. ذلك أن مستشارين برلمانيين وبعد أن بلغت بهم "التلفة" مداها.. قيل إنهم راسلوا مستشار الملك، في مشكل استعطاف للملك، من أجل السماح لهم بأن يستمر انتدابهم إلى غاية سنة 2018 تاريخ انتهاء الولاية الاستشارية الحالية.. وهذا يتسوجب كلاما أيضا! أولا، لحد الساعة لم يصدر أي كلام رسمي عن إنهاء أو تمديد الولاية الحالية، باستثناء خطاب الملك الذي تحدث عن إعادة النظر في تركيبة المستشارين والتي وقع فيها تراجع بعد أن ثم تثبت عضوية ممثلي النقابات الذين كان من المفروض أن يتوجهوا نحو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يعتبر بطبيعته الميدان الأمثل لمثل هاته التمثيليات..! ثانيا، هؤلاء المستشارون بصفتهم تلك غير مؤهلين دستوريا لمخاطبة الملك في موضوع على هذا الحد من الأهمية، حيث يعتبرون مندوبين عن أحزابهم ونقاباتهم المؤهلة لوحدها مفاتحة الجهات العليا في مثل هذا الإجراء.. عبر القنوات الرسمية المفتوحة الآن مع ما يعرف بالآلية السياسية.. ومع وزارة الداخلية وغيره.. ثالثا، والجميع يعرف أن سكان هذا المجلس، ومنذ أن وجد في صيغته التسعينية، إنما اشتروا مقاعدهم ولم ينتخبهم أحد بشكل ديمقراطي.. مع استثناء نسبي يشمل ممثلي المأجورين.. فكيف لمن اشترى مقعداً أن يستعطف الإبقاء عليه!! أرحمة به..؟! أم يريد من الدولة أن تمهله حتى يسترد ما صرفه..!؟ أم أن هناك من تعاقد مع أبناك على قروض بناء على التعويض البرلماني ولن يحل أجله إلا في سنة 2018؟! أم أن الأمر وراءه لعبة نجهلها ويعلم تفاصيلها فقط من أشرف على هذه "التخريجة" القوانين الانتخابية الأساسية بين هذه التفاصيل وتلك، هناك قصة أخرى، لا تتعلق بالبرلمانيين هذه المرة، بل بالحكومة نفسها ووراءها الأحزاب السياسية الموجودة في البرلمان أساسا.. مع اقتراب انتهاء الدورة الربيعية، وفي خضم الحراك حول الدستور والإصلاحات التي رافقته.. أفرجت الأمانة العامة للحكومة على مجموعة من مشاريع القوانين وتوصل مجلس النواب في آخر أنفاسه الربيعية بمدونة الانتخابات وقانون الأحزاب أو شي "عْجَبْ آخر" قيل إنه حول من يحق له مراقبة الانتخابات أو الاستطلاع حولها..!؟ مدونة الانتخابات وبعد أن أطلع عليها بعض "الشياطين" تبين أنها يجب أن تسحب إلى أن تعرض من جديد على "القيادات الحزبية" في إطار ما يعرف بالتوافق والتشاور حتى لا تخلق مشكلا، وبعد ذلك تُعاد إلى البرلمان لكي تمرر بدون مشاكل.. وبالفعل توصلت الأحزاب مساء الإثنين بهذه الوثيقة المهمة بدون شك والتي تعتبر أساسية ومحورية قبل أي استحقاق، وعلاقة بهذه المدونة، فقد سبق للملك في إحدى خطبه أن قال أن مدونة الانتخابات يجب أن تكون جاهزة سنة قبل تاريخ الانتخابات!! بطبيعة الحال هذه الرؤيا الملكية كانت في زمن لم يكن العالم العربي يتوقع ما حصل في ربوعه، وهي رؤيا موضوعية وحكيمة.. ولكن هناك الآن معطيات كثيرة بدت في الساحة ولست أدري ما إذا كانت هذه الآجال ستُحترم أم لاَ!! يبقى موضوع قانون الأحزاب السياسية التي اعتقد الجميع حين المصادقة عليه في الولاية السابقة أنه بابٌ وأقفل.. لكن قصة الترحال والبام وما حصل خلال الانتخابات البلدية لسنة 2009 وقصة الفصل خمسة من القانون المذكور والحكم القضائي الذي "فرعن" بمقتضاه أصدقاء الهمة.. جعل التفكير يمتد من جديد إلى ضرورة إعادة النظر في هذا النص "اللعين".. وهو ما حصل فعلا بعد أن جاءت الحكومة بمشروع قانون تنظيمي متعلق بالأحزاب السياسية في ستين مادة كاملة يُرجى أن تسد الثغرات السابقة. وبغض النظر عن القانون ومضمونه فإن التاريخ الانتخابي يطرح نفسه من جديد.. ليس بمنطق الدخول في تنزيل الدستور الجديد بأسرع وقت ممكن وقتل الانتظارية وملء الفراغ.. ولكن بمنطق أن الإصلاح الحقيقي يحتاج، أبينا أم كرهنا، إلى وقت معقول لدراسة هذه القوانين حتى لا يتسرب إليها أي عيب من قبيل ما حصل سابقا.. ذلك أن الدورة الاستثنائية التي قيل أنها ربما تعقد منتصف غشت.. دورة غير كافية مهما طال جدول أعمالها ومهما طال الوقت المخصص لها.. وهكذا يتضح أولا أن تاريخ أكتوبر تاريخ مستحيل استمالة مطلقة.. وقانون الأحزاب والمدونة وغيره من غير المعقول أن يدرس في دوره استثنائية نظرا لقيمة النصوص التي يراد بها أن تؤسس للمرحلة جديدة نقية صافية، وربما لم يعد تاريخ نونبر ولا يناير ولا حتى مارس كافيا لكي "نُغَرِّزَ" كل المشاريع.. وربما حكمة الملك أقوى فقد لا تكون البلاد جاهزة إلا مع مطلع أكتوبر الآخر.. يعني أكتوبر 2012.. وهكذا نصبح أمام اختيارات صعبة وصعبة جدا.. بناء قانوني يحتاج إلى وقت.. إصلاح سياسي يحتاج إلى وقت وحكومة ومؤسسات وأوضاع لا يريد الشارع أن يمنحها الوقت.. إن الأمر في حاجة إلى الحكماء.. إلى العقلاء من هذا الجانب وذاك.. ففي الأزمات يعرف معدن الرجال والماء الصافي ينزل من قمم الجبال بآلاف الأميال ليخرج عبر عيون متلألئا صالحا للشرب والانتعاش. [email protected]