تعيش حياة العزلة والتهميش اللذين فرضا عليها قصدا من قبل المسؤولين؛ بيوتها مشيدة بالطين والحجر، وفقدت الأمل في الحياة، حتى أصبحت تعتبر منطقتها مقبرة جماعية أفرادها فيها أحياء أموات؛ هو عنوان بارز لمعاناة قبيلة ايت حمو، التابعة إداريا للجماعة الترابية وسلسات بإقليمورزازات، والتي يبدو من خلال ما استقصته جريدة هسبريس في جولتها الاستطلاعية إلى المنطقة أن الحياة توقفت بها، وآلة التنمية لم تتحرك بعد. وتبدو قبيلة ايت حمو كما أنها لازالت في العصر الحجري، فأينما وليت وجهك تصادفك مظاهر التخلف والفقر المدقع.. كأنها ممسوحة من خريطة التنمية والعيش الكريم. حياة الساكنة تسيطر عليها البداوة والجاهلية، وتتجرع مرارة البؤس والحرمان، وقسوة التخلف والجهل، والفقر والحاجة، لتفرض العزلة الخانقة والتهميش سيطرتهما على هؤلاء البسطاء الذين حرموا من أبسط ضروريات العيش الكريم، رغم مناشداتهم الكثيرة المسؤولين رفع الغبن عنهم، وتوفير متطلبات العيش الكريم. المواطنون القاطنون بهذه المنطقة، التي لا تليق حتى لعيش "الحيوانات"، فقدوا الأمل في غد أفضل ومستقبل يضمن لهم ولأطفالهم الكرامة والعزة؛ بدءا من انعدام أبسط ضروريات العيش الكريم، وصولا إلى صور التخلف واللامبالاة التي طغت على حياتهم المعدمة التي لا ترقى حتى إلى مستوى الفقر والعوز. ينتظر المواطن التعيس ساعة الفرج وتغيير حالة التهميش وسياسة اللامبالاة التي رمت بكل تداعياتها على قبيلة ايت حمو، والتي أثرت سلبا على مستقبل شبابها وكسرت طموح متمدرسيها، ليجدوا أنفسهم وسط دائرة التخلف والإهمال. الموت يتربص بالمرضى والحوامل لا يختلف اثنان حول الوضع المزري الذي يعاني منه قطاع الصحة بالجنوب الشرقي، وقبيلة ايت حمو كباقي قبائل هذه المناطق بدورها تغوص منذ عقود في زوبعة المجهول، وتهيم وسط دوامة الضياع..مساكن منتشرة بجميع الدواوير التابعة لقبيلة ايت حمو، والبالغ عددها 17 دوارا، تجعلك بمجرد الدخول إليها تشعر بما مر به إنسان الكهوف سابقا؛ لما يعيشه المواطنون بهذه المنطقة من مفارقات عجيبة في بلد يتغنى دوما بحياة التحضر والتقدم التكنولوجي. واقع الصحة هنا لا يختلف عن جميع المناطق بجهة درعة تافيلالت. وخلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها هسبريس إلى دواري أسيدان ايزدار واوفلا، أكدت الساكنة أن المنطقة تعيش عزلة قاتلة، بسبب غياب مرافق اجتماعية وصحية أساسية، أولها سيارة إسعاف لنقل المرضى إلى المركز الصحي بتزناخت، أو المستشفى الإقليميبورزازات، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى استعمال الدواب في نقل المرضى. قصة نقل المرضى على الدواب يحكيها أحد الأشخاص، قال إنه سبق أن نقل طفله الذي كان يعاني من مرض، بواسطة الدابة، إلى المستشفى، وكانت المسافة البعيدة والإرهاق كافيين ليلبي الطفل نداء ربه، مشددا على أن المنطقة تفتقر إلى سيارة إسعاف، وأن أحد أبناء المنطقة هو الذي يسخر سيارته لنقل المرضى. وذكر المتحدث ذاته، في تصريحه لهسبريس، أن سيارة إسعاف لم يسبق لها أن زارت دواري أسيدان ازدار واوفلا، فضلا عن غياب أمصال سموم الأفاعي والعقارب بالمركز الصحي لتزناخت، ما عجل بوفاة إحدى الشابات بعد نقلها إليه، بعد أن كانت ترعى الماعز والغنم، فتعرضت للدغة أفعى سامة. وأشارت سيدة أخرى اسمها فاطمة، تبلغ من العمر حوالي 65 سنة، إلى أن النساء الحوامل وأطفالهن هم الأكثر تضررا من الوضع الصحي الهش الذي تتخبط فيه المنطقة، وأبرزت أن النساء الحوامل يتألمن من الحمل، وبعد المستشفى، وغياب سيارة إسعاف، ما يزيد من تفاقم وضعهن الصحي، خاصة في فصل الشتاء، إذ تكون مجموعة من المسالك الطرقية مقطوعة. وطالبت الساكنة غير ما مرة المسؤولين عن جماعة وسلسات وعمالة إقليمورزازات، والمسؤولين مركزيا، بضرورة الالتفات إلى منطقتهم عبر وضع برنامج تنموي صحي واجتماعي، لانتشالها من عزلتها القاتلة، وتوفير متطلبات الحياة والعيش الكريم. الكهرباء والماء..شريان الحياة يختنق رغم أننا نعيش في سنة 2017، زمن التكنولوجيا الحديثة، إلا أن مناطق عديدة بالجنوب الشرقي، ومن ضمنها دواري أسيدان ازدار واوفلا، غير معنية بهذا التطور. في قبيلة ايت حمو هناك من لم يسبق له أن شاهد التلفاز، بسبب عدم استفادتها من الشبكة الكهربائية، ولازال "الراديو"، الذي يشتغل بالبطاريات، هو الرفيق، منه تسمع أخبار المغرب والخارج، حتى أصبح البعض يعتبر نفسه لاجئا إلى بلد أجني فقير يقع جنوب الصحراء. منطقة ايت حمو، وكما عاينت هسبريس، لم تستفد بعد من الشبكة الكهربائية، وتم تزويد بعض الدواوير بألواح الطاقة الشمسية، وإقصاء بعضها الآخر، ضمنها دوارا أسيدان ايزدار واوفلا، اللذان قال المسؤولون عن تدبير الشأن المحلي إنه ليس بإمكان الجماعة القروية تحمل مصاريف ربطهما بالشبكة الكهربائية، معتبرا أن ذلك يعود إلى قلة الإمكانيات والموارد المالية. وقال رئيس جمعية اسيدان ازدار ايت حمو، الحسين ايت مريم، إن الساكنة لازالت تستعمل الأدوات البسيطة والتقليدية في إنارة بيوتها الطينية والمبنية بالحجر، مشددا على أن الساكنة تعاني أيضا مشاكل كثيرة جراء النقص الحاد الحاصل في المياه الشروب، وأنه يتعين على الجهات المسؤولة القيام بتعميق البئر الحالي، وتحويل خزان الماء إلى قمة الجبل، لتمكين جميع المنازل من هذه المادة الحيوية. ويقول المتحدث إن إحدى القبائل المجاورة لقبيلة ايت حمو قامت بوضع طلب تعرض على أشغال تعميق البئر بعد الحصول على تمويل من شركة خاصة، علاوة على أنها تمارس سياسة الإقصاء والقبلية والعنصرية في حق ايت حمو على مرأى ومسمع السلطات المعنية، إذ يتم اعتبارها غريبة وليست من ذوي الحقوق، بل إنها في الأصل من الرحل الوافدين على المنطقة، مشيرا إلى أن أحد مسؤولي السلطات العمومية بالمنطقة "هدد والده بأن "المخزن" سيقوم بإدخاله إلى السجن في حالة استمراره في مطالبة الجهات برفع التهميش عن القبيلة". حياة مدرسية مرهقة تفتقر قبيلة ايت حمو إلى طريق معبدة، أو مسلك طرقي صالح للاستعمال. ورغم أن المنطقة تعرف بطبيعة تضاريسها الوعرة، إلا أن هذا لم يشفع لها كي تستفيد من برنامج طموح وجدي لبناء وإصلاح الطريق الوحيدة المؤدية من دوار البرج ودواري أسيدان ازدار واوفلا والدواوير المجاورة. وتطالب الساكنة بضرورة إصلاح الطريق أو تعبيدها، لتسهيل عملية التنقل بين الدواوير ومركز جماعة وسلسات. كما أن التمدرس بهذه القبيلة له حكاية أخرى أشبه بالخيال، إلا أنها الحقيقة، إذ إن أغلب التلاميذ والتلميذات لم يسبق لهم ولوج مستويات الإعدادية، بسبب غياب أماكنهم في دور الطالب والطالبة، وانعدام وسائل النقل المدرسي، ما يجبر أغلبيتهم على الانقطاع عن الدراسة وهم في المراحل الابتدائية، وصولا إلى قسوة التضاريس وبعد المسافة، ما يضطرهم إلى التنقل مشيا على الأقدام، وهو ما ساعد على انتشار ظاهرة الهدر الدراسي في وقت مبكر . مطالب بالتحرك لإنقاذ الوضع أرجعت ساكنة قبيلة ايت حمو مسؤولية تراجع وتدني مستواها المعيشي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للجهات الوصية، لاسيما أن المنطقة تزخر بمميزات سياحية عالية من شأنها تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية من الطراز الأول، وموقع أثري فريد من نوعه، خاصة أنها تتميز بمساحتها الشاسعة وهوائها النقي، بينما تزيدها بعض الآثار والصخور المنقوشة جمالا. وعلى هذا الأساس، وبناء على هذه الوضعية المزرية، يطالب سكان ايت حمو بجماعة وسلسات السلطات المعنية بأن تستمع لانشغالاتهم التي لا تخرج عن حيز المطالب الواقعية، في أفق تحقيق أبسط ظروف العيش الكريم لهم. الجماعة لا ترد منذ يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي وجريدة هسبريس الإلكترونية تحاول الاتصال برئيس المجلس الجماعي لوسلسات، وبمدير المصالح داخل الجماعة (الكاتب العام)، لنقل وجهة نظرهما في الموضوع، إلا أن هاتفيهما ظلا يرنان دون مجيب. كما تم إرسال رسالة قصيرة دون تلقي أي جواب.