بعد دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ، بإعلان المجلس الدستوري عنه رسميا وفي أفق نشره قريبا بالجريدة الرسمية، بدأت بعض التساؤلات تطرح حول مآل الحكومة ومدى دستورية وجودها بشكلها الحالي بدون إعادة تكليف من قبل الملك وبدون إعلانها صراحة مجرد حكومة تصريف أعمال لحين إجراء انتخابات عامة يتم بعدها تعيين رئيس حكومة جديد. فعباس الفاسي لا يمكن بأية حال من الأحوال اعتباره رئيسا للحكومة لانتفاء الصفة القانونية والدستورية ولتعيينه السابق عن اعتماد الدستور الجديد، ولا يمكن دستوريا القبول ببقاءه كوزير أول لانعدام الأساس الدستوري لذلك، وهو ما يطرح مجموعة من الإشكالات التي ينمكن من خلالها مناقشة مدى قانونية ودستورية هذه الحكومة أصلا. الوضعية الدستورية لعباس الفاسي إن الدستور الجديد لم يتضمن أية مقتضيات تسمح لحكومة عباس الفاسي بالاستمرار بشكل طبيعي لحين إجراء انتخابات عامة جديدة وتنصيب حكومة منبثقة عن الأغلبية البرلمانية، ولم يسمح بالمقابل بوجود وزير أول لحين تعيين رئيس حكومة جديد. فالدستور في فصوله الأخيرة نص صراحة على استمرار البرلمان الحالي في ممارسة مهامه لحين انتخاب برلمان جديد، وهذا معطى هام جدا لأن غياب هذا الفصل كان سيؤدي إلى ضرورة الحل الآني للبرلمان بغرفتيه بمجرد المصادقة على الوثيقة الدستورية. كما سمح الدستور أيضا في ذات الفصول باستمرار المجلس الدستوري والمجلس الأعلى للقضاء في ممارسة مهامهما بشكل طبيعي لحين تنصيب المجالس المطابقة لفصول الدستور (أي المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية)، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الهيآت والمؤسسات مثل المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي... لكن مقابل ذلك نجد غيابا مطلقا لأي مقتضى دستوري يتحدث عن الحكومة الحالية وعن مآلها ووضعيتها القانونية، ولم يحدد الدستور الجديد وضعيتها ومهامها لحين انتخاب الحكومة المنبثقة فعليا عن البرلمان. فعباس الفاسي لا يمكن اعتباره رئيسا للحكومة الحالية لأنه لم يعين على هذا الأساس ولهذا الغرض، وبالتالي لا يمكنه بتاتا ممارسة المهام الجديدة لرئاسة الحكومة التي أقرها الدستور الجديد. فهو لا يستطيع التعيين في المناصب العليا والسامية، ولا اقتراح السفراء والولاة والعمال، كما لا يسمح له الدستور الحالي برئاسة مجلس حكومة باختصاصات جديدة، ولا يمكنه دستوريا تقديم قانون المالية للسنة المقبلة ولا المشاركة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تهم السياسات العمومية. وحتى مجلس الحكومة الحالي ليس هو المقصود بالمجلس الحكومي الذي نظمه الدستور الجديد، ولا يمكنه ممارسة الاختصاصات الجديدة من حيث التشريع والتعيين في المناصب العليا...، فلا يمكنه اتخاذ المبادرات التشريعية وإحالة مشاريع القوانين مباشرة على البرلمان دون المرور من محطة المجلس الوزاري، ولا يمكنه اتخاذ قرارات التعيين في المناصب السامية التي نص عليها الدستور الجديد. فالحكومة الحالية في مجملها لم ينص الدستور الجديد على المقتضيات الانتقالية الخاصة بها ،ولا يوجد أي فصل في الوثيقة الدستورية يسمح لها بالاستمرار بشكل طبيعي كما سمح لباقي المؤسسات الدستورية المنصوص عليها في الفصول الأخيرة. وباعتبارها حكومة تصريف أعمال فقط فهذا يرتب آثارا قانونية ودستورية خاصة ويتطلب بدوره مناقشة تهم وضعها هذا ومآلها. حكومة تصريف أعمال أم حكومة أمر واقع إن الدستور الجديد لم ينص أيضا على ما يسمى بحكومة تصريف الأعمال ،ولم يسمح للحكومة الحالية بتدبير شؤون البلاد لحين تعيين حكومة جديدة. كما أن أحد الحلول الدستورية لم يتم تطبيقه، ويتعلق الأمر بإنهاء مهام الحكومة الحالية بمجرد المصادقة على الدستور وتعيين رئيس حكومة مؤقت لحين إجراء الانتخابات، وآنذاك كان يمكن إعادة تعيين عباس الفاسي نفسه بتسمية جديدة كرئيس للحكومة ،وهو إجراء دستوري طالما أن حزب الاستقلال هو الذي فاز بآخر انتخابات تشريعية. وعدم اللجوء لهذا الحل الدستوري الذي يتوافق مع المنطق الدستوري ولا يتعارض مع قواعد الديمقراطية، كان بإمكان عباس الفاسي أن يصبح عبر تعديل حكومي بسيط بممارسة مهام رئاسة الحكومة واتخاذ الإجراءات والقرارات التي ينص عليها الدستور الجديد، وسيكون في مقدوره أيضا اللجوء إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية خلال شهرين من تاريخ الحل. وأمام الفراغ الدستوري الحالي بخصوص وضعية الحكومة وموقع عباس الفاسي فيها، وفي غياب هذا الإجراء الدستوري الذي يُفترض أن يعالج هذا الإشكال، توجد الحكومة في وضع غريب، فلا هي بحكومة عفلية تمارس اختصاصاتها، ولا هي بحكومة تصريف الأعمال تقوم بالتدبير اليومي للقطاعات الوزارية حتى لا تتوقف دواليب الدولة. وهذا الإشكال فرض أمرا واقعا لا يناقشه الكثير من الفاعلين السياسيين رغم خطورته، فالأحزاب انهمكت في التباكي على إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وانشغلت بنمط الاقتراع والعتبة والتقطيع الانتخابي واللوائح الانتخابية، ولم تلقي بالا لهذا الإشكال الذي فرضه الأمر الواقع. فالحكومة الحالية يمكن اعتبارها حكومة أمر واقع يتم التعامل معها بهذا الشكل دون مناقشة وضعيتها القانونية وعدم دستوريتها، وهو ما يعني عدم دستورية القرارات والإجراءات التي تتخذها، وسيحق لأي كان أي يلجأ للقضاء الدستوري مستقبلا للطعن فيما تتخذه من إجراءات تشريعية وتدبيرية. فالمطلوب اليوم المسارعة بمعالجة الفراغات الدستورية عبر اتخاذ إجراءات قانونية تتلاءم مع النص الدستوري الجديد حتى نضمن استمرار منطق الإصلاح وحتى نمنع أيضا مستقبلا استغلال هذه الفراغات الدستورية من أجل ترتيب أمر واقع آخر. فاستغلال الفراغات الدستورية لفرض أمر واقع مسكوت عنه من قبل الأحزاب والدولة سيعني بداية لنوع من التواطؤ على خرق الدستور والصمت المتبادل بين الفاعلين السياسيين والسلطات الحكومية، فلا يمكن معالجة الفراغ الدستوري بتجاوزه والسكوت عنه، وإنما بمعالجته والبحث في الحلول الدستورية التي لا تعدم، وإعادة تعيين عباس الفاسي كرئيس حكومة تصريف الأعمال سيكون حلا قانونيا ودستوريا ملائما، ولن يتطلب كثير جهد لتنزيله على أرض الواقع. دكتور في القانون ومتخصص في العلوم الإدارية [email protected]