يعتبر المغرب ثقافيا وفكريا وجيو-سياسا ضمن المنظومة المتوسطية. فهو من ضمن الدول العريقة في هذه المنطقة؛ حيث تفاعل مع دولها وشعوبها سياسيا، وثقافيا، سواء في ظل الامتداد الامبراطوري القرطاجي والروماني، أو في ظل التوسع الامبراطوري الإسباني -البرتغالي. كما تفاعل مع التوسع العثماني، وتأثر بالتوسعات الاستعمارية الفرنسية والإسبانية. النكتة السياسية وتمثل القوة الأوروبية تحضر أوروبا في المخيال المغربي ملتصقة بالقوة العسكرية والاقتصادية؛ فالدول الأوربية، خاصة فرنسا، وإسبانيا ترتبط بالتدخل والاحتلال، كما تعكس في الوقت نفسه ملاذا للهجرة والبحث عن فرص العمل والعيش الكريم، بالإضافة إلى اعتبارها نموذجا للديمقراطية. وبالتالي، فقد عكست نكت مغربية مختلف هذه الأبعاد الاحتلال الأوربي خضع المغرب، على غرار بلدان شمال إفريقيا والدول العربية الأخرى لتقسيم استعماري، تم بموجبه تقسيمه إلى منطقة نفوذ إسبانية ومنطقة نفوذ فرنسية إلى جانب منطقة دولية. وقد عكست بعض النكت الشعبية هذا الوضع الاستعماري والتأثيرات السياسية والاقتصادية والثقافية التي خلفها. فهناك نكتة تتداول حول أحد الأطفال الذي سأل جده الأمي: الطفل: كم يبلغ عمرك يا جدي؟ الجد: لست أدري يا ولدي؛ ففي زمننا لم يكن هناك سجل للحالة المدنية. لكن ما أعرفه، هو أنه عندما دخلت فرنسا إلى المغرب كنت رجلا. الطفل: لوكنت رجلا يا جدي لما دخلت فرنسا إلى المغرب. فهذه النكتة السياسية التي تلمح إلى ظاهرة الأمية التي كانت منتشرة بين الأجيال السابقة، تنحو باللائمة على هذه الأجيال وتحملها مسؤولية استعمار المغرب، بسبب جهلها وتخلفها. كما عكست نكت سياسية أخرى هذا الوضع؛ حيث تحكي نكتة أن الملك الراحل الحسن الثاني كان في زيارة إلى مدينة الدارالبيضاء، ومر أمام تمثال الماريشال ليوطي الذي كان يتوسط ساحة الأممالمتحدة، فطلب الماريشال من الملك أن يعوض حصانه بحصان آخر. فوعده الملك خيرا. وفي زيارة أخرى إلى الساحة نفسها، خرج الملك مع أحد وزرائه فمرا أمام تمثال الماريشال الذي همس في أذن الملك بأنه كان قد طلب منه حصانا ولم يطلب حمارا. وتعكس هذه النكتة إلى حد ما تصور المغاربة للترسبات التي خلفها الاستعمار الفرنسي بالمغرب، والتي كان من أهمها إنتاج نخبة سياسية تكونت في المدارس التي أسستها سلطات الحماية الفرنسية لتكوين النخب التي راهنت عليها لتسيير المغرب، والتي كانت تسمى بمدارس الأعيان؛ حيث كانت الفئات الشعبية تتحفظ في بعث أبنائها للدراسة فيها، فيما كان الأعيان المغاربة يشجعون أبناءهم على ولوج فصولها. وبالتالي، فالمضمون العميق لهذه النكتة يكرس إدانة شعبية للمشروع التعليمي والثقافي الاستعماري لفرنسا بالمغرب، الذي ساهم إلى حد بعيد في إنتاج وإعادة إنتاج نخبة سياسية تفتقد إلى الكفاءة والقدرة على تسيير البلاد، بل وحتى مواصلة المشروع الذي بدأته فرنسا منذ بسط نفوذها على جزء من المغرب في سنة 1912. الديمقراطية الأوربية انصبت النكت الشعبية أيضا على التندر على شره النخب السياسية، وتفشي الاختلاس والرشوة بين صفوفها. ففي نكتة شعبية يحكى أن بقرة وكلبا وحمارا أعياهم العيش بالمغرب، فهربوا إلى الحدود الإسبانية ليطلبوا اللجوء السياسي. فسألت السلطات الإسبانية البقرة عن سبب طلبها اللجوء السياسي علما بأن المغرب بلد جميل والأرض دائما خضراء وصالحة للرعي، فماذا ينقصها؟ فأجابتهم البقرة المغربية بأنها قد تعبت من كثرة الحلب؛ فالكل يحلب أو يطمع في حلبها؛ فتفهمت السلطات الإسبانية وضعها وقبلت طلبها. وعندما سئل الكلب عن سبب طلبه اللجوء السياسي، علما بأنه من الكلاب الموظفة ودخله محترم، أجاب بأنه قد تعب من كثرة النباح؛ فالكل هنا يسرق من المسؤول الصغير إلى المسؤولين الكبار؛ فقبل طلبه. ولما اقترب الحمار، نودي عليه: وأنت أيها الحمار ما الذي يجعلك تغادر الوطن؟ فرد الحمار مستنكرا فقط لاستبدال هذه التسمية. ولعل هذه النكتة الشعبية تعكس إلى حد كبير وضعية الفساد السياسي المستشري في البلاد، نتيجة لانتشار مظاهر الرشوة واستغلال النفوذ بين مختلف شرائح النخب السياسية وانتقال عدوى ذلك حتى بين صفوف الفئات الشعبية. وبالتالي، فطلب اللجوء السياسي في هذه النكتة يعني بأن الوضعية أصبحت لا تطاق وأصبح من المستحيل إصلاحها، في حين يرمز الحمار في هذه النكتة إلى "الحكرة" التي يعاني منها الشعب؛ وأسلوب "الإذلال" وعبارات التحقير التي يتعامل معه بها من طرف هذه النخب المتحكمة. لكن بالموازاة مع ذلك، تعكس هذه النكتة تغير نظرة المغاربة إلى إسبانيا الجارة الأوروبية القريبة من المغرب بعد التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي عرفها هذا البلد بعد رحيل الجنرال فرانكو وإرساء النظام الديمقراطي بها. فبعدما كان المغاربة ينظرون إلى إسبانيا كبلد الفقر والديكتاتورية، أصبح ينظر إليها كبلد للجوء السياسي، والفرار من نظام الفساد السياسي الذي يستغل كل الفئات والشرائح الاجتماعية، بما فيها الفئات المتوسطة، في حين يسلط آليات الإذلال والتحقير على الفئات الشعبية من خلال أوصاف التحقير التي يطلقها عليها. النكتة السياسية وتمثل القوة الأمريكية كان أول تعرف للمغاربة على الولاياتالمتحدة كقوة عسكرية واقتصادية عظمى خلال الأربعينات من القرن الماضي من خلال نزول القوات العسكرية الأمريكية بميناء الدارالبيضاء، وأشغال مؤتمر أنفا الذي حضره الملك الراحل محمد الخامس إلى جانب الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الحكومة البريطانية تشرشل؛ حيث تم إعطاء وعود بمساندة الحركة الاستقلالية بالمغرب. كما تعرف المغاربة على الأمريكيين من خلال تداول الدولار، والشكولاته والعلك اللذين كان يوزعهما الجنود الأمريكيين الذين كانوا يتواجدون بالقاعدة الأمريكية بالقنيطرة. بالإضافة إلى المساعدات الغذائية من دقيق وزيت التي كانت توزع على المغاربة من طرف السلطات المغربية بعد الاستقلال في إطار برامج الإنعاش الوطني. لذا، فقد ارتبطت صورة أمريكا بالغنى والقوة، وتحكمها كقوة عظمى بالعالم، والتي يمكنها أن تتدخل في أية دولة، خاصة دول العالم النامي، لإعادة أو تغيير الأوضاع فيها. لكن تواطؤها، والتفكير فقط في مصالحها يجعلها تغمض العين عن الاختلالات التي يعاني منها نظام الحكم بالمغرب كالرشوة وتزوير الانتخابات. فهناك نكتة شعبية تربط بين استشراء الرشوة داخل دواليب الدولة بالمغرب وغض الطرف من طرف الإدارة الأمريكية؛ حيث "يحكى أن الرئيس بيل كلينتون كان يتجول بساحة جامع الفنا؛ فاعترضه أحد المتسولين المراكشيين طالبا منه صدقة. فأجابه كلينتون متأسفا بأنه كعادته لا يحمل معه نقودا، ولكنه وعده متى وصل إلى أمريكا، فسيبعث له بمبلغ محترم عن طريق السلطات المغربية على عنوانه الشخصي. ولما عاد كلينتون تذكر المراكشي وبعث له ب 100 مليون دولار عن طريق وزارة الداخلية. مؤكدا على ضرورة تسليم هذا المبلغ للمعني بالأمر. ولما تسلم الوزير هذا المبلغ أخذ منه النصف وبعث ب 50 مليون دولار إلى والي مراكش. ولما تسلم هذا الأخير المبلغ المذكور أخذ منه النصف وبعث ب 25 مليون دولار إلى العامل الذي يسير المنطقة التي يسكن فيها المعني بالأمر. وبعدما أخذ العامل نصف المبلغ بعث بنصفه إلى رئيس الدائرة حيث خصم هذا الأخير نصف المبلغ ليبعث بنصفه إلى قائد المقاطعة الذي خصم بدوره نصف المبلغ ودفع الباقي إلى شيخ الحومة الذي أخذ بدوره نصف المبلغ ودفع الباقي إلى المقدم لكي يوصله إلى المراكشي المسكين. وبالفعل ذهب المقدم إلى سكن المعني وسأل عنه ولما وجده سأله إن كان قد طلب من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أية صدقة، فلما أجابه هذا الأخير فرحا بالإيجاب، رد عليه المقدم بأسف قائلا: إن بيل كلينتون يقول لك الله يجيب وينوب علينا وعليك". إن هذه النكتة الشعبية تعكس إلى حد بعيد نظرة المغاربة على أمريكا كقوة اقتصادية كبرى، يمكن أن تقوم بعدة مبادرات لإصلاح بعض الاختلالات الاجتماعية كالفقر والخصاص، مما يظهر وجهها الطيب، لكن ضعف إلمامها وتجاهل الاختلالات التي تعاني منها الدواليب السياسية والإدارية بالمغرب، يفقد هذه المبادرات فعاليتها. كما أن هناك نكتة شعبية تركز على ظاهرة تزوير الانتخابات بالمغرب في إطار تلميع الصورة الخارجية للنظام؛ حيث اشتكى الرئيس الأمريكي السابق ريغان للملك الراحل الحسن الثاني من صعوبة فوزه بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية. فطمأنه الملك بأن فوزه مضمون. وهكذا أثناء حلول فترة الانتخابات، بعث الملك بوزير داخليته إدريس البصري، الذي كان معروفا بإتقانه لعملية تزوير نتائج الانتخابات وطبخها. فلما تم فرز الأصوات، وجدوا أن كل الأظرفة كانت مملوءة بصور الحسن الثاني. تمثل المغاربة لأنفسهم في نظر الغرب للمغاربة تمثل حول نظرة الغربيين لهم؛ حيث عادة ما يرون أن للأوروبيين نظرة نمطية سلبية تقرن وضعهم إما بالهجرة، أو الارتشاء، أو التطرف. صورة المغربي المهاجر عادة ما يرتبط المهاجر العربي في المخيال الأوروبي، وخاصة الفرنسي، بمجموعة من الصور العنصرية، فهو إما لص أو عاطل عن العمل أو ثري. وقد عكست نكت أوروبية وفرنسية كثيرة هذه الصور، خاصة صورة المهاجر المنبوذ. فهناك نكتة فرنسية تقول: إن جان ماري لوبان قال: قبيل وفاتي، أريد أن أكون عربيا، هكذا، سينقص واحد منهم. كما تتداول نكتة فرنسية تقول: ما هو الفرق بين مرسيليا والقاهرة؟ الفرق هو أن عدد العرب بالقاهرة أكثر بقليل من عددهم بمرسيليا. كما أن هناك نكتة تقول إن مهاجرا مغربيا بعدما قضى عشرين سنة بفرنسا سمع عن التعويضات التي أقرتها فرنسا لتشجيع رجوع المهاجرين إلى بلدهم، فتوجه نحو الرئيس فرنسوا متران الذي اقترح عليه مليونين من الفرنكات، فلم يقنع بهذا المبلغ، فقصد جاك شيراك الذي اقترح عليه خمسة ملايين، ورفض متسائلا لمَ لا أذهب عند جون ماري لوبان الذي يمكن أن يعطيني أكثر؟ حيث سأله، كم تعطيني لأغادر فرنسا نهائيا؟ فأجابه رئيس حزب الجبهة الوطنية نصف ساعة قبل أن يتم قتلك أو اغتيالك. ولعل هذه الصورة هي التي تختزنها النكت بالمغرب لكن بشكل معكوس؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه السلطات الأوروبية، بما فيها الفرنسية، الحد من هجرة المغاربة إليها، يعتبر جل الشباب في المغرب أن الهجرة إلى أوروبا، بما فيها فرنسا، تشكل حلما لمستقبلهم في الحصول على عمل، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية. وتعكس نكتة شعبية تتداول بالمغرب هذا الوضع؛ حيث تحكي أن "فرنسا حلات الحدود مع المغرب؛ بحيث يمكن لأي واحد يمشي بلا فيزا. المغاربة كلهم تمو غاديين كيجريو. المسؤولين الكبار طلعوا فالباطو وقالوا للشعب: "اللخر فيكم يطفي الضو". صورة المسؤول المغربي المرتشي ركب الرئيس الأمريكي ريغان والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران والملك الراحل الحسن الثاني طائرة خاصة بهم؛ فلما حلقت الطائرة فوق البيت الأبيض نهض الرئيس ريغان وقال: لقد وصلنا إلى واشنطن. ولما لمح الرئيس ميتران برج إيفيل نهض وقال: ها نحن فوق باريس. وفي الطريق أخرج الرئيس ريغان يده من النافذة وكان في معصمه ساعة من ذهب ثمينة؛ وفجأة صاح مذعورا: لقد سرقت ساعتي الذهبية. عند ذاك نهض الملك وقال: أنا متأكد أننا في المغرب وفوق الرباط العاصمة. صورة المغربي الإرهابي بعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوربية، أصبحت صورة العرب، بمن فيهم المغاربة، مرتبطة في أذهان السلطات الأمنية الغربية بالتطرف والإرهاب القاعدي. وأصبح الإعلام الغربي يركز بشكل كبير على هذه الصورة ويضخمها، خاصة بعد اكتشاف ناشطين مغاربة ضمن بعض الشبكات الإرهابية التي تم تفكيكها ببعض الدول الأوروبية المجاورة للمغرب، كإسبانيا التي عرفت بدورها أحداثا إرهابية تمثلت في تفجير محطات القطارات بمدريد؛ حيث ألقي القبض على بعض المغاربة المشتبه في تورطهم في هذه الأحداث وتم التحقيق معهم. كما تم القبض أيضا على مغاربة ومحاكمتهم بألمانيا لتورطهم في أحداث سبتمبر التي اعتقل إثرها مغاربة والتحقيق معهم في معتقل غواتانامو. وقد عكست نكتا شعبية هذا الوضع؛ حيث تداولت نكتة حول أن "أما مغربية اتصلت بابنها العامل بالديار الإسبانية وسألته إن كان سيبعث لها المبلغ المعتاد كالقاعدة؛ فما كان رد هذا الأخير إلا أن أقفل الهاتف في وجه والدته مخافة أن يشتبه في انتمائه للقاعدة المنظمة الإرهابية الأصولية التي كان يتزعمها السعودي أسامة بن لادن. وعموما، فإن النكتة السياسية بالمغرب، رغم طابعها المحلي وتفاعلاتها الداخلية، فهي تختزن الصور النمطية والثقافية التي تجترها النخب وشعوب ضفتي البحر المتوسط في نظرتها إلى بعضها البعض نتيجة الحمولة الفكرية والدينية التي راكمتها عبر السنين، والمتولدة من تجاربها السياسية والعسكرية المشتركة، من غزو عسكري متبادل، وحركة تبادل تجاري وثقافي بين دول المنطقة. وبالتالي، يمكن أن تشكل النكتة السياسية آلية للتعرف على المكونات السياسية للثقافة السائدة لشعوب المنطقة المتوسطية. لذا وجب الاهتمام بدراستها من خلال تجميعها، وترجمتها، وتحليلها والتفكير في خلق مركز أورومتوسطي –عربي للقيام بهذه المهمة.