تفاعلا مع نتائج الانتخابات الفرنسية، المزمع عقد دورها الثاني في السابع من ماي المقبل، بين مارين لوبين، مرشحة اليمين الفرنسي المتطرف، وبين إيمانويل ماكرون، ذي التوجهات الوسطية، وعلاقتها بالسياسة الخارجية اتجاه المغرب، الذي ظل منذ عقود طويلة حليفا إستراتيجيا لجمهورية الأنوار، بالرغم من "حوادث السير" التي طبعت هذه العلاقة في محطات مختلفة،عقد مركز هسبريس للدراسات والإعلام بالرباط ندوة لطرح وجهات النظر المختلفة بشأن هذه المحطة المهمة في تاريخ فرنسا. وفي هذا الإطار، يرى ميلود بلقاضي، الأستاذ في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن العلاقة الإستراتيجية بين المغرب وبين فرنسا لن تتأثر بأي شكل من الأشكال بصرف النظر عن هوية الفائز في هذه الانتخابات، مبرزا في ما يتعلق بالمواقف المبهمة ليساريي فرنسا اتجاه قضية الصحراء أن "السياسيين اليساريين بفرنسا ليسوا جميعا على المواقف السلبية نفسها اتجاه القضية الوطنية"، قبل أن يضيف أن "فرنسا كان لها دور كبير جدا في الضغط على الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن لإصدار القرار القاضي بانسحاب البوليساريو بشكل فوري من منطقة الكركارات". وشدد بلقاضي، في جزء من مداخلته بالندوة التي بثت بشكل مباشر على موقع هسبريس وصفحته الرسمية بيوتوب وفايسبوك، على أن فرنسا والمغرب تجمعهما علاقة إستراتيجية؛ بالرغم من "بعض السلوكات الشاذة التي تطبع هذه العلاقة أحيانا؛ لكنها لا تؤثر في العمق". وأرجع المحلل السياسي هذه العلاقة إلى "مكانة المغرب ونموذجه التنموي المحتذى به على مستوى الانتقال الديمقراطي والاعتدال الديني وحقوق الإنسان "، وإلى "جماعات الضغط المؤيدة للمملكة". واعتبر بلقاضي أن عهد الملك محمد السادس والأوراش الكبرى المفتوحة فيه فضلا عن طريقة تدبيره كلها عوامل "تجعل من فرنسا وعددا من الدول الأوروبية تشيد به"، قبل أن يعود ويؤكد أنه بالرغم من ذلك، يبقى "اليمين الفرنسي أقرب إلى الحليف الإستراتيجي ذي المواقف السياسية الثابتة اتجاه المغرب، على غرار اليسار الذي يحافظ على هذا المبدأ مع اختلاف في المنهج". وشدد المتحدث ذاته على أن الحكومة المغربية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني يجب أن "يسهموا اليوم في دعم الوجود المغربي داخل فرنسا"، مشيرا إلى أن المواقف في العلاقات الدولية اليوم لا تتخذ دائما من منظار رسمي بقدر وجود آليات أخرى، وعلى رأسها الدبلوماسية الموازية التي يجب أن تتحرك لدعم القضية الوطنية من جهة، وللحفاظ على مكتسبات الجالية المغربية بفرنسا من جهة ثانية في ظل وجود تخوف كبير جدا على هذا المستوى من صعود لوبين إلى سدة الحكم". من جهة ثانية، أوضح بلقاضي أن السياقين الداخلي والدولي اللذين تنعقد فيهما الانتخابات الرئاسية الفرنسية يعدان دقيقين، سماتهما الأساسية "ظهور جيل جديد من الأحزاب والزعامات السياسية، وبروز تطلعات جديدة للشعوب الأوروبية"، لافتا الانتباه إلى أن هذه الانتخابات تأتي كذلك في سياق مضطرب بسبب آثار ظاهرتي الإرهاب والهجرة، وهي "من الانتخابات القليلة التي تعقد بفرنسا في ظل حالة الطوارئ"؛ الشيء الذي جعل المتحدث يجزم بأن "الهاجس الأمني أصبح أساسيا لدى الناخب الفرنسي". وخلص الأستاذ الباحث إلى أن هذه العوامل الخارجية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية والاحتقان الاجتماعي الداخليين اللذين تعيش تحت وقعهما فرنسا، كلها أسهمت في ترجيح كفة لوبين وماكرون، بصفتها "البروفايل" الذي يتماشى مع طبيعة المرحلة.