أثير الجدل من جديد في المغرب حول إقامة التماثيل والنصب المنحوتة في فضاءات عمومية؛ فقد قوبل طلب الفتوى بشأن تشييد تمثالين للرحالة العالمي ابن بطوطة والحاكم اليوناني الشهير هرقل، الذي تقدم به محمد البشير العبدلاوي، عمدة طنجة، إلى المجلس العلمي الأعلى، (قوبل) باستنكار من نشطاء مغاربة واتهامات باستلهامه من "الفكر الداعشي المناقض للفن والإبداع". وبدأت القصة حين كشف عمدة طنجة عن توجيهه مراسلة إلى المجلس العلمي يستفتيه فيها بخصوص إقامة تمثالين؛ أحدهما للرحالة ابن بطوطة والثاني لهرقل، مشيرا إلى أن المجلس أبدى موقفا إيجابيا من المراسلة، وسيقوم برفعها إلى المجلس الأعلى بهدف إصدار الرأي الشرعي، مبرزا أن خطوته هاته تأتي من أجل "الإسهام في تعزيز جاذبية طنجة"، وأن المشروع سيطرح للنقاش ضمن أشغال الدورة العادية لمجلس الجماعة في ماي القادم. اتهامات بخلفية داعشية وتلقت الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب خطوة العبدلاوي "باستغراب"، وأعربت في بلاغ لها، توصلت به هسبريس، عن "إدانتها الشديدة لطلب عمدة مدينة طنجة البشير العبدلاوي فتوى من المجلس العلمي المحلي بطنجة حول إمكانية تشييد تمثالين للرحالة العالمي ابن بطوطة، والحاكم اليوناني الشهير هرقل الذي توجد مغارته الشهيرة في طنجة (مغارة هرقل)"، واعتبرت أن موقف العمدة "يبين غياب فكر التنوير والذوق السليم للجمال لسيطرة منهج التطرف والخرافة والأصنام، فضلا عن ذلك يطرح تساؤلا عن سر عدم استفتاء الفلاسفة والفنانين والحقوقيين". وبررت الجبهة إدانتنا لطلب عمدة طنجة، الذي قالت إنه غريب ولا قانوني، بكونه "يمتح من الفكر الداعشي المناقض للفن والإبداع"، وحمّلت السلطات العمومية المسؤولية "عن طلب الفتاوى بخلفية داعشية"، ودعت "الدولة إلى تحمل كامل مسؤوليتها في هذا الصدد باتخاذ الإجراءات القانونية الفورية لمواجهتها أمام اتساعها وتزايدها وجدية تهديداتها وضمان حماية فعلية للمدافعين عن حقوق الإنسان". وتابع بلاغ نشطاء الجبهة المذكورة، وهو يوجه الخطاب إلى عمدة طنجة المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، بالقول: "هم انتخبوا لتدبير القضايا السياسية، المدنية، الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية، ولا يمكنهم التدخل في عقيدة وتفكير المواطنين والمواطنات المضمنة في الدستور والمكفولة وفق مواثيق حقوق الإنسان الكونية التي يلتزم بها المغرب من خلال تضمينها في أبواب وثنايا الدستور". دعوة الوزير حميش وتعيد هذه الواقعة إلى الأذهان دعوة سابقة صدرت عن وزير الثقافة الأسبق الشاعر بنسالم حميش، الذي طالب قبل ثلاث سنوات بإقامة تماثيل لشخصيات وعظماء البلاد في ساحات مدن مغربية، مثلما هو موجود في بلدان عربية وأوروبية أخرى، معتبرا أن إقامة النصب المنحوتة في فضاءات عمومية عبر كثير من البلدان الإسلامية "أمر جائز ومكرس"، قبل أن يوجه رسالة مفتوحة إلى الفقهاء الذين يرون بحرمة ذلك، تدعوهم إلى التفاعل الإيجابي مع طلبه، مشيرا إلى أنه إذا تم الإعراض عن رسالته "سيلجأ إلى الاحتكام الملكي السامي"، وفق تعبيره. رسالة حميش وجدت صمتا مثيرا من طرف علماء المملكة مقابل رفض عدد من مشايخ الدين، من قبيل الراحل عبد الباري الزمزمي، عضو مؤسس بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي اعتبر، في تصريح سابق لجريدة هسبريس، أن "إقامة التماثيل حرام قطعا في الشريعة الإسلامية تحت أي مبرر كان"، مؤكدا أن "صناعة التماثيل حرمها الدين، ولم يُرخص سوى مجسمات لعب الأطفال"، فيما اقترح وقتها إنشاء صور كبيرة الحجم للشخصيات التاريخية وسط الساحات الكبيرة "عوض نصب التماثيل". حمادة: الواقعة تعيدنا إلى طالبان منتصر حمادة، رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط، اعتبر أن لجوء عمدة مدينة طنجة إلى تحرير رسالة استشارة موجهة إلى مؤسسة دينية من باب النصح الديني حول الموقف الشرعي من وجود تماثيل، "مسألة حافلة بالأسئلة أكثر من الأجوبة، وتكشف مدى محدودية الأفق المعرفي والإنساني في الجهاز المفاهيمي لهذا الفاعل"، مشيرا إلى أن الواقعة من شأنها "التأثير على الصورة التي يسعى عقل الدولة في المغرب اليوم إلى ترويجها حول المدينة، باعتبارها مدينة تروم أن تصبح عالمية، على غرار ما تميزت به في بضع عقود من القرن الماضي". ونبه الباحث في الشأن الديني، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن بعض الآراء في الخارج "في حال تسليط وسائل الإعلام الدولية الضوء على هذا الخبر، ستصب في عقد مقارنة متوقعة بين دلالات هذه المبادرة وما جرى من تفاعل حركة طالبان مع تماثيل باميان في أفغانستان في مارس 2001، ونحن اليوم في أبريل 201". ويقرأ حمادة في الشق الديني والمقاصدي لهذه المبادرة المثيرة، ما وصفه بضيق الأفق في التعاطي مع مثل هذه القضايا، موضحا بقوله: "بديهي أن نعاين مثل هذه المبادرات التي تؤكد أن عقلا لظاهرة الإسلاموية لا زال في أمسّ الحاجة إلى مراجعات جذرية وحقيقية حتى يتصالح مع التديّن الفطري المُميز للإسلام؛ أي التدين النافع للأمة والإنسانية وليس نافعاً لطائفة أو جماعة أو شيء من هذا القبيل"، وفق تعبيره.